الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
إبراهيم جلال فضلون (1)

تأهب العالم تحسباً لأكبر موجات القرصنة التي أعاقت جامعي الأموال، خاصة الدول العملاقة اقتصادياً رغم كونها من عمالقة التكنولوجيا، غير أن لكل قاعدة ثغرات، قد تجعل المُفترسين في عداد الترقب للتصيد وقتما حانت فرصتهم عبر أنظمتهم الخفية (Emotet وKeRanger أو Ransomware وWannaCry وEncrypting وMac Ransomware وCryptoLocker وGandCrab وSamSam وNotPetya وLocky وJigsaw وScareware وDoxware)، فجميعها أوبئة فيروسية (البرامج الخبيثة)، بل قد يكون منها أسوأ وباء فيروسي، من الناحية المادية والمعنوية، إن لم يكن لها أثار جسدية جسيمة قد تؤدي إلى مُفارقة الحياة إثر الصدمات التي تبتزّ صاحبها.


ولذلك يبحث مجهولو الفدية الضارة عن المناطق التي ينتشر بها استخدام أجهزة الكمبيوتر والغنية بالثروات، مُجتاحين ما يقرب من 200 دولة حول العالم، موقعين ملايين الضحايا، وفق وصف "اليوروبول"، وشركة «مايم كاست» الأمنية، في تقرير «تهديد الاستخبارات» الذي أعدته هذا العام. وأيضاً موقع «دارك ريدينغ»، لتجد شركة «بروف بوينت» أن أكثر الدول استهدافاً بهذه الاعتداءات هي ألمانيا والنمسا وسويسرا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا.


ويُعد التهديد الرئيسي من الأفراد المُتعاملين مع الوسائل التكنولوجية بأنواعها وممتلكي تكنولوجيا سلسلة الكتل، وصولاً للمُنظمات والمؤسسات كافة، صغيرها وكبيرها، بلا استثناء، طامة اقتصادية لها أثر سلبي على الاستثمارات العالمية التي تُكلفهُم ملايين الدولارات الأمريكية، إذ كان يستهدف في 2016 أولاً، أنظمة الأفراد (أشخاص عاديين aka). ثُم تحولها على يد مجرمي الفضاء الإلكتروني بنشره ضد الشركات، مُحققين نجاحاً كبيراً ضد الشركات، متسببين في وقف الإنتاج، وفقدان البيانات والعائدات، إلى الحد الذي لا يتجرأ معه الساسة أبداً على تنظيمه.


لتصل بنهاية العام أضرارها بالمؤسسات العالمية، 12.3 %، في حين بلغت نسبة عمليات الكشف عن البرامج الضارة في أجهزة الأفراد 1.8 % حول العالم. وبحلول عام 2017، تعرضت 35 % من الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى هجوم عاتٍ ركز جغرافياً على الأسواق الغربية، في أولها المملكة المتحدة، والولايات المتحدة وكندا، لتتوحش مع ظهور أسواق في قارتي آسيا وأمريكا الجنوبية وتحريكها للنمو الاقتصادي، لترفع نسبة هجمات الفدية الضارة على الشركات إلى 88% في أواخر عام 2018 وتحويل محور الأهداف بعيداً عن الهجمات المركزة على المستهلكين، كالشركات التي تتُرجم بياناتها في صورة أموال ضخمة، ولذلك قاموا باستهداف المستشفيات، والهيئات الحكومية، والمؤسسات التجارية، وصل تكلفة اختراق البيانات، شاملاً المُعالجات، والغرامات، والمقابل المادي لبرامج الفدية الضارة، 3.86 ملايين دولارات أمريكية.


ووصولها بدايات 2020، وفق تقرير حالة فيروسات الفدية 2020 The State of Ransomware 2020 الذي أصدرته شركة الأمن السيبراني «سوفوس»، لتعرُض 51 % من المنظمات، بتكلفة وأن الكلفة المتوسطة لعلاج الاعتداء الواحد وآثاره بلغت حوالي 761 ألف دولار على المستوى العالمي.


وفي تقديرنا للأمر، إنها كارثة علاقات عامة، فإلى جانب كونها رهاناً على واقع مرير، رغم أنها طريقة للاستثمار في الاقتصاد السري العالمي.. فلا تُبشر بخير بالنسبة للعملات الرقمية المُشفرة، التي هي في قيمتها ساذجة إلى درجة مذهلة حتى يقتنيها مستثمرون مشاهير، أمثال (إيلون ماسك؛ مؤسس شركة تسلا، أو مارك كوبان؛ مالك شركة دالاس ماريك، أو توم برادي؛ نجم كرة القدم الأمريكية، أو الممثلة مايسي ويليامز). حيث أغلقت "الفدية" خط أنابيب كولونيال، منتصف عامنا الحالي، بالساحل الشرقي للولايات المتحدة، إلى أن دفعت الشركة للمخترقين 55 مليون دولار من عملة Bitcoin، التي بلغت قيمتها العالية نحو 37 ألف دولار بنهاية مايو 2021. ثُم افتراسها لأكبر منتج للحوم في العالم (شركة JBS).. ليصدُق ما تنبأت به النظرية الاقتصادية، لإمكانية نشوء فقاعات ضخمة ومستمرة في أصول لا قيمة لها جوهرياً، في ظل أسعار فائدة عند مستوى الصفر.


بات من الصعب السيطرة على الوضع، حيث بدأت الصين وكوريا الجنوبية مؤخراً اتخاذ تدابير صارمة عنيفة ضد العملات المُشفرة، وفي الولايات المتحدة، تم عرقلتها نسبياً لتنظيم حقيقي للأصول الرقمية، مثلما كان انسحاب فيسبوك من مشروعها للعملة المُشفرة لمواجهة تنظيم سويسرا العالمي على غرار التنظيمات الإرهابية، كالتنظيم الدولي للإخوان المتمكن من بريطانيا وداعش وملحقاته في العالم، وهو ما جعل من الصعب تتبعها ولو كان بتنسيق دولي، فهل ستتمكن الاقتصادات المتقدمة من كبح جماح العملة، التي تتطلب استهلاك قدر هائل من الطاقة، وكأنها تكنولوجيات أكثر رأفة بالبيئة، لا بالبشر الذين يعيشون فيها؟ فاحذروا جميعاً لا أحد قد ينجو إلا القليل، حصان طروادة، أي الفيروس عبر نموذج «برنامج خبيث على شكل خدمة»، يُمكن تحميله كحزمة بمئات الدولارات، أو باشتراك شهري لتوجيه الاعتداءات نحو الشركات والأفراد لسلب أموالهم. من خلال رسالة إلكترونية أو مستندات خبيثة أو مواقع إلكترونية، نصاً أو فيروس ماكرو أو رمزاً يعمل كدودة رقمية تضرب تطبيقات وأنظمة برمجية متعددة، كلائحة العناوين في حسابات «Outlook» أو المخازن السحابية.


فمثلاً فيروس (إيموتيت) يستقر بجهاز أو مكان فريسته داخل الأنظمة، دون ممارسة أي نشاط لمدة ما بين 30 و45 يوماً، قبل أن يشن اعتداءه، بينما تعجز الأدوات الأمنية التقليدية عن صدّه؛ لأنه ببساطة مُشفر لا يراه الرادار الأمني.. ثُم مطالبة الضحايا بفدية يتم غالباً دفعها عبر عملات رقمية لعدم التعقب، كعمل تُجاري، لكن حتى فك التشفير وتحرير الملفات «المخطوفة» بضعة آلاف وملايين الدولارات، ينجح منها وفق تقرير «سوفوس» 94 % من المنظمات، ولكن بكلفة متوسطة تُقدر بـ732520 دولاراً للاعتداء الواحد.


إن هجمات فيروسات الفدية التي تستهدف أعداداً متزايدة من الشركات والأفراد ربما تكون نقطة تحول تجعل الساسة يجمعون شجاعتهم للتدخل في ظل أفراد وشركات قُضي عليها بفعل هذا الابتزاز. رغم قدرة الحكومات على تتبع العملات المشفرة، فهل سيكون هناك سباق تسلح ضد أولئك المحتالين؟. ولسوء الحظ، لن تختفي برامج الفدية قريباً.. فهل يفيق القائمون والساسة قبل أن يفوت الأوان من لعنةِ هي أسوأ من الأموال؟


إبراهيم جلال فضلون


ليفانت - إبراهيم جلال فضلون ليفانت 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!