الوضع المظلم
الأحد ١٠ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
القمة الضرار في كوالالمبور
عبد الناصر الحسين

ليس من عادة الدول الثقيلة الوازنة أن تتخذ مواقف محددة على أساس الكيدية والنكايات، فالبرامج التنموية والخطط النهضوية والسياسات الخارجية للدول المحترمة تؤسس بعيداً عن المناكفات السياسية والسجالات الوقتية. لكن أن نرى اليوم دولاً تبني سياساتها الكاملة وخططها الشاملة نكاية بدولة بعينها فهذا الذي ينبغي التوقف عنده ورصده بدقة وأناة... والحديث هنا عن «المجموعة الإخوانية» متمثلة بالمثلث الناشئ حديثاً «تركيا- قطر- ماليزيا». تلك المجموعة- وعلى درجات متفاوتة- ركّبت نهجها على معاداة المملكة العربية السعودية سياسياً وإعلامياً وعسكرياً واقتصادياً.




لكن المفارقة الأشد قساوة والتي لا يمكن هضمها- إن أمكن بلعها- هي أن يذهب هذا الفريق الطائش إلى حد أن يغامر بالمنطقة برمتها قتلاً وتدميراً وتفرقة في سبيل إنفاذ بأسه وإرضاء نزواته. فرأيناهم يدعمون فروع تنظيم القاعدة في سوريا ضد الثوار الحقيقيين وضد الناشطين السلميين نكاية بالسعودية ثم يدعون أنهم مع الثورة السورية، ورأيناهم يدعمون المتشددين الإرهابيين في ليبيا ضد القوى الوطنية.




أما المفارقة الثالثة التي «تدع الحليم حيران» فهي جرأة هذا الفريق المحسوب على «الأمة السنّية» على التحالف مع إيران التي تحمل أخطر مشروع على عبر التاريخ ضد الأمة بأسرها، مشروع يستهدف الهوية والشخصية والمقدسات والدماء والأعراض، وقد ظهرت نتائج هذا المشروع الإيراني على العلن باحتلال أربع عواصم عربية مخلفين ملايين القتلى والمهجرين والمعتقلين.. وبعد أن اتضح للعالم كله إعورار السياسة الإيرانية المركبة على أحقاد تاريخية و«تصورات ما ورائية»، يبرز اليوم محور جديد متحالف مع «المجموعة الإيرانية» لا يتجاوز عمره عقدين من الزمن هو «المجموعة الإخوانية» المحسوبة على «جمهرة السنّة» متمثلاً بـ «تركيا- قطر- ماليزيا».




تلك المجموعة الإخوانية ضاقت ذرعاً بمنظمة التعاون الإسلامي، التي مضى على تأسيسها نصف قرن من الزمان، ووضعت هدفاً لها تمزيق تلك المنظمة ونقل مركز الثقل الإسلامي من السعودية إلى مكان آخر. منظمة التعاون الإسلامي هي منظمة إسلامية دولية تجمع سبعاً وخمسين دولة إسلامية، وتمثل الصوت الجماعي للعالم الإسلامي، وتهدف لحماية المصالح الحيوية للمسلمين البالغ عددهم نحو 1,6 مليار نسمة. وللمنظمة عضوية دائمة في الأمم المتحدة. الدول السبع والخمسون هي دول ذات غالبية مسلمة من منطقة الوطن العربي وأفريقيا وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية والبلقان «البوسنة وألبانيا»، تأسست في «الرباط في 25 أيلول 1969»، وعقد أول اجتماع بين زعماء دول العالم الإسلامي، بعد «حريق الأقصى في 21 آب 1969». وبعد ستة أشهر من الاجتماع الأول، تبنى المؤتمر الإسلامي الأول لوزراء الخارجية المنعقد في «مدينة جدة» السعودية في 1392هـ/ آذار 1970م تبنى إنشاء أمانة عامة للمنظمة، كي يضمن الاتصال بين الدول الأعضاء وتنسيق العمل. عيّن وقتها أمين عام واختيرت «جدة» مقراً للمنظمة.. ومنذ ذلك التاريخ والمملكة السعودية ترعى شؤون المنظمة وتحرص على التئامها، إلى أن حانت اللحظة «الفتنوية» للإجهاز على المنظمة.




وتجرأت تلك المجموعة على ما هو أهم من ذلك حين طالبت بـ «تدويل الحج» إلى الكعبة البيت الحرام ماضية على نهج «ملالي طهران» الذين ما فتئوا يثيرون تلك القضية، ولإيران باع طويل في هذا الأمر حيث جاءت المطالبات الإيرانية المستمرة بتدويل الحج للضغط على السعودية سياسياً، حين ادعت إيران أن المملكة العربية السعودية منعت بعض المسلمين من آداء فريضة الحج، وضيّقت على الحجاج، في حين أن حكومة طهران هي من منعت الإيرانيين من الحج وأمرتهم بزيارة «ضريح الخميني وكربلاء».




ومنذ الثورة الإسلامية في إيران، وتولي الخميني السلطة في العام 1979، دأبت طهران على «تسييس فريضة الحج» وبدأت بتظاهر الحجاج الإيرانيين في العام 1980 أمام «المسجد النبوي» رافعين صور الخميني، ثم كانت المحاولة الثانية في العام 1982 أثناء محاولة حجاج إيرانيين دخول المسجد الحرام حاملين أسلحة نارية. وفي العام 1986 تم ضبط إيرانيين حاملين مواد شديدة الانفجار، وفى العام 1987 قام بعض الحجاج الإيرانيين بسد الطرقات وإحراق السيارات ومنع الحجيج من تأدية مناسكهم رافعين شعارات الثورة الإسلامية، ما تسبب في تدافع كبير بين الحجاج ووفاة 1400 حاج، كما تسبب حجاج إيران في العام التالي في تدافعٍ نجم عنه وفاة 717 حاجاً.




وبالتزامن مع إعلان طهران تسييس الحج عام 2017، اتبعت الدوحة النهج ذاته بالعلن، ودعت إلى تدويل الحرمين المكي والمدني، وهو ما يؤكد العلاقة القوية بين الطرفين، وأن في جعبتهم المزيد تجاه دول المنطقة. فكما استغلت إيران سابقاً موسم الحج بدعوات لتدويل الأماكن المقدسة من باب مناكفة الرياض، فها هي قطر تلجأ إلى التحريض نفسه لتدويل الحرمين ووضعهما تحت وصاية دولية أو إسلامية.. وكعادتها تقلب الحقائق، وتريد تشويه السعودية على خلفية المعايير التي وضعتها بشأن الحجاج القطريين، والمتعلقة بتحديد سفر القطريين جواً بما يعنيه من معايير تنظيمية أعلى، ولم تمنع القطريين بتاتاً من الوصول إلى مكة والمدينة.. لكن الدوحة هي من أوصل المشهد إلى هذا التعقيد بإغلاقها تسجيل الحجاج، ومنعها القطريين من أداء المناسك.




لكن السؤال هنا: إن كانت إيران وجّهت الإيرانيين إلى «كربلاء» وأضرحة المعصومين حين حرمتهم من التسجيل للحج إلى البيت الحرام فأين سيحج القطريون حين تمنعهم حكومتهم من الحج المشروع؟.

يبدو أن كل ما سبق ذكره مدرج على جدول أعمال «قمة كولالمبور» الأخيرة لكن في الدهاليز الضيقة، القمة التي دعا إليها الرئيس الماليزي «مهاتير محمد» وحضرها كل من الرئيس الإيراني «حسن روحاني»، والرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، وأمير قطر «تميم بن حمد».. اجتماع «كوالالمبور» انطلق الأربعاء الماضي 18/12/2019، وغابت عنه دول إسلامية كبرى وقاطعه رئيس الوزراء الباكستاني «عمران خان» وقررت «إندونيسيا» خفض مستوى مشاركتها.




تلك القمة التي أقل ما يقال عنها بأنها مركبة على الكذب والتزييف. فكيف تدعو القمة إلى الوحدة الإسلامية وهي التي تخرق الوحدة أصلاً وتشكل حالة انقسام غير مسبوقة؟. حتى لو نفى السيد مهاتير سعي بلاده إلى إنشاء كيان إسلامي آخر كبديل عن الممثلية الشرعية للأمة بقوله في خطابه خلال اختتام الاجتماع السبت: «لا نجتمع هنا لأجل تولي دور أي منصات إسلامية أخرى، ولا لأجل إيجاد تكتل إسلامي آخر أو كيان إسلامي بديل، ولا لإضعاف دور الآخرين».




ثم كيف لرعاة القمة أن يتحدثوا عن الإرهاب والإرهاب كله كان تحت قباء القمة التي ضمّت أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم وهي إيران، وفقاً للوقائع وللتقارير الدورية التي تصدر عن الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى، إلى جانب دول وشخصيات ضليعة في الملف الأسود ذاته؟.




ففي عام 2000 تحديداً عقدت «قمة تنظيم القاعدة» في كوالالمبور، في ضاحية «سوبانج سيلانغور»، ما بين 5 إلى 8 يناير 2000، لمجموعة من أعضاء تنظيم القاعدة رفيعي المستوى، وكان الغرض من القمة التخطيط لتنفيذ عدة هجمات إرهابية، أهمها تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر. وترأس الاجتماع حينها الكويتي من أصل باكستاني «خالد شيخ محمد»، مدبر تفجيرات 11 سبتمبر «عضو سابق في جماعة الإخوان المسلمين في الكويت»، وكان من بين الحضور «رمزي بن الشيبة»، و«نواف الحازمي» و«خالد المحضار»، و«توفيق عطاش» و«محمد عطا» و«صلاح سعيد محمد يوسف» والفرنسي من أصول مغربية «زكريا الموسوي» الذي أشرف على تدريب الطيارين في الولايات المتحدة، وهو من اقترح كوالالمبور كنقطة عبور ومجال تغطية للعملية. وحصلت المجموعة التي ضمت «زياد الجرّاح» و«رمزي بن الشيبة» و«مروان الشحي» و«محمد عطا»، على تدريبات في «كوالالمبور»، قبل أن يخضعوا لتدريبات نهائية في «أفغانستان» على يد «أبي تراب» صهر «أيمن الظواهري»، حول طريقة قيادة طائرة مختطفة وكيفية استخدام المتفجرات على متن الطائرة والسيطرة على طاقمها وركابها.




وما أشبه اليوم بالأمس حيث كان من اللافت وجود رموز تيار «الإخوان المسلمين» والتطرف بعدة بلدان في قائمة المدعوين الرئيسيين. مثل: السوداني «عبدالحي يوسف» المعروف بتطرفه، فقد أفتى بجواز قتل المتظاهرين ضد نظام «عمر البشير»، وقبلها قاد مظاهرة مؤيدة لتنظيم «داعش»، وصلى صلاة الغائب على زعيم القاعدة، «أسامة بن لادن». كما حضرها «محمد الحسن ولد الددو»، زعيم تيار الإخوان في «موريتانيا»، المتهم بنشر التطرف والغلو في المناهج التعليمية بموريتانيا، إضافة إلى التكفير. وكذلك «عبدالرزاق مقري»، زعيم «إخوان الجزائر»، الذي يوصف بأنه من صقور الإخوان في الجزائر بعد انقسام الحركة إلى أحزاب صغيرة. وحضرها «بيرات البيرق»، المرتبط بتيار الإخوان العالمي، وهو صهر الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان».




يقال الكثير عن «القمة الضرار» لكن الشعوب والتاريخ سيحكمون على قمة استبدلت العرب بالفرس والسعودية بإيران والضحية بالقاتل بأنها قمة الفتن والمفتنين.


كاتب وصحفي سوري

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!