الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • القواعد العشرة لإعادة التوازن بالاختلال السوري

القواعد العشرة لإعادة التوازن بالاختلال السوري
صلاح بدر الدين

من جملة أفضال ثورات الربيع على شعوبنا، ومن ضمنها الثورة السورية، أنّها كشفت عن الواقع المخزي في حقيقة الأنظمة الأمنية والدكتاتورية المستبدة الحاكمة، المبنية على الرياء والنفاق والازدواجية وإخفاء الوقائع عن شعوبها، بذرائع الأمن القومي والسيادة ووحدة الأوطان، وكل شيء، من أجل المعركة ضد العدو (الافتراضي)، الذي ظهر أنّه الشعوب وقواها الديموقراطية الحية . 


واذا كانت الثورات والانتفاضات والتحركات الجماهيرية، قد بدأت أساسا في البلدان المتعددة الأقوام والديانات والمذاهب، (مصر وثنائية المسلمين والأقباط)، (تونس وثنائية العرب والأمازيغ)، (اليمن وثنائية السنة والحوثيين)، (ليبيا وتعددية العرب والأمازيغ والأتراك)، (سوريا وتعددية العرب والكرد والتركمان والأرمن والكلدو آشور)، وفي موجتها الجديدة شملت (الجزائر بثنائيتها العربية والأمازيغية)، (والسودان بتعدديتها القومية والدينية والثقافية)، (والعراق بتعدديتها القومية والدينية والمذهبية، من عرب وكرد وتركمان وكلدو آشور وسنة وشيعة )، تلك البلدان التي كان بعضها يعاني، بالوقت ذاته، من إشكالية أنظمة الحزب الواحد والتوريث العائلي، الممزوجة بمنظومات أمنية قاسية، مما جعلتها تبلغ أعلى درجات الاستبداد .


القواعد العشرة لإعادة التوازن إلى الاختلال السوري


القاعدة الأولى: الانطلاق من حقائق التاريخ، التي تؤكّد أنّ سوريا، منذ القرون الغابرة، مروراً بالعصور الوسيطة والحديثة، تضم مكونات قومية ودينية ومذهبية مختلفة، أي أنّها وطن متعدد العناصر، ومجتمع يتعايش فيه المختلفون، لغة وثقافة وعقائد، في إطار وحدة المصير، وشارك جميع الأقوام والمكونات من عرب وكرد وتركمان ومسيحيين، وقد تكون بصور متفاوتة في تسطير صفحات تاريخ سوريا، منذ القرون الغابرة، وحتّى الآن، وللجميع الفضل في معارك تحرير البلاد واستقلالها وبناء سوريا الحديثة. 


القاعدة الثانية: التسليم بخطأ اقترفه بناة الاستقلال، والرواد الأوائل، من غير قصد، يجب تصحيحه، ولم يكونوا من فئة محددة بل كانوا، كأفراد، ووجهاء (من غير تفويض) منتمين إلى العرب والكرد والتركمان والمسلمين والمسيحيين، وهو تدوين دستور يعتبر سوريا كياناً بسيطاً غير مركب، يتجاهل حقيقة المجتمع السوري التعددي، قومياً ودينياً ومذهبياً، والذين توافدوا على حكم البلاد من بعدهم، طبقوا بنود ذلك الدستور بحسب ميولهم وأهوائهم وتفسيرهم ورغباتهم، ونعلم من مر على حكم البلاد، من مستبدين وطغاة وشوفيينيين ودعاة التفرقة ومثيري الفتن، الذين أوصلوا شعبنا الى مانحن عليه الآن.


القاعدة الثالثة: تصحيح الخطأ التاريخي، هذا الذي يندرج في بند البنية الوطنية، والجذور المنتشرة في عمق التاريخ والجغرافيا، وذلك بدراسة الواقع المجتمعي السوري، وتسمية الأمور بأسمائها، من دون إخفاء أو تهرّب أو خشية من الحقيقة، أو توجس من الآخر المختلف، وذلك ببحث ومناقشة وجود وانتشار ونسب المكونات الوطنية القومية والدينية والمذهبية، وقبول وجودها واحترام طموحاتها والاستجابة لإراداتها.


القاعدة الرابعة: قبول ردود الفعل من جانب كل من تعرّض للاضطهاد والتميز والتجاهل، من مكونات سوريا غير العربية، ومن غير أديان وطوائف الأنظمة المعبر عنها، برفع الصوت ضد مظلومياتها، والمطالبة السلمية برفع الغبن عن كواهلها، ونشد المساواة، والاستجابة لحقوقها، القومية والاجتماعية والسياسية والديموقراطية، نعم، لقد فتحت الثورة السورية المغدورة، بأهدافها الوطنية، آفاقاً جديدة لحرية أن تعبّر المكونات عن معاناتها، في ظلّ الاستبداد، وتعزيز هوياتها الفرعية، وشخصياتها المميزة، ضمن الشخصية الوطنية الجامعة، التي ستزدهر وتترسخ وتكتمل عواملها البناءة نحو آفاق المدنية، وتترسخ قاعدة العيش المشترك أكثر، أما وصم تلك الإرادات المشروعة بالانفصالية، وتخوينها وإدانتها، فما هو إلا إصرار عنصري جاهلي، مكمل لنهج نظام الاستبداد، وتصميم على دفع الآخرين لحماية أنفسهم، مهما كلف الأمر، وبالتالي يتبين أنّ هؤلاء هم دعاة الانفصال، وتقسيم البلاد، والسير على نهج نظام الأسد.


القاعدة الخامسة: العمل من أجل بلورة ميثاق وطني، ينبثق من عقد اجتماعي سياسي دستوري قانوني جديد، يتضمن قبول الواقع التعددي المتنوع، بين جميع مكونات الشعب السوري وممثليها المنتخبين، بعد إسقاط الاستبداد، وتحقيق التغيير الديموقراطي، وإقامة المؤسسات الشرعية، بالانتخاب تتحدّد فيه حقوق الكرد، وغيرهم، بعد العودة إليهم، وتحقيق إرادة الغالبية في تقرير مصيرها، السياسي والإداري، ضمن سوريا التشاركية الموحدة.


القاعدة السادسة: يتم اعتماد الحلول وبنود العقد الاجتماعي الوطني، استناداً الى إرادة الغالبية في المكون الكردي، وعلى أساس مبدأ التوافق الوطني، وليس العودة إلى مواقف الأكثرية، فالمجتمعات التعددية تعتمد مبدأ التوافق في الوحدة الوطنية، كما حصل بالعراق، وفي الفدرالية الهندية والبلجيكية والسويسرية، وفي التجربة اللبنانية، على صعيد اتفاق الطوائف، ومايتعلق بالمكونات الأخرى، فعلى نشطائها تقديم برامجها وحقوقها إلى الرأي العام السوري.


القاعدة السابعة: الاتفاق على تحريم استخدام عبارة (الأقلية)، القومية أو الدينية أو المذهبية، لأنّ فيها نوعاً من الإهانة والتصغير والإذلال، تعيدنا إلى المفردات الاستعمارية البغيضة، وتدخلاتها بشؤون بلداننا، واستخدام عبارة الأقلّ عدداً والأكثر عدداً بدلاً منها، فإذا كان المقصود بها شعباً أو قومية أو مذهباً، فإنّه يعني أنّها من غير السكان الأصليين، ومهاجرة، وطارئة، وليست من أصحاب تاريخ وجغرافية البلد .


القاعدة الثامنة: الكف عن ترديد شعارات خالية من المضمون، مثل مواجهة مطالبات المكونات القومية والديموقراطية بأشباه حلول غير واقعية، مثل الادعاء أنّ المواطنة هي الحلّ، وهي لاتختلف عن الإسلام هو الحل و… فلم يظهر بتاريخ شعوب العالم وحركاتها التحررية والوطنية شيء اسمه (الحل المواطني) للقضايا القومية، وماهو إلا ستار وتهرّب من مواجهة الواقع، وعجز عن إيجاد الحل الديموقراطي، والاعتراف بالآخر المختلف، وقد شاركت في مناقشة هذه الإشكالية، في عدّة مؤتمرات، وفي غضون الأعوام العشرة الاخيرة، مع المفكرين والمثقفين العرب والترك والإيرانيين، وبمشاركة ناشطين كرد وأمازيغ، خاصة في مؤتمر (الأمم الأربعة بتونس ومؤتمر الهوية والعيش المشترك في مكناس المغرب)، كما أفردت بالجزء الثاني من كتاب مذكراتي، الصادر قبل خمسة أعوام، فصلاً خاصاً بهذا الموضوع، فمبادئ المواطنة سامية ومقدسة، تتطبق عندما يكون البلد المعني حراً وديموقراطياً، وكل القضايا محلولة فيه.


القاعدة التاسعة: التأكّد من بطلان الذرائع الواهمة، التي يستند إليها البعض من السوريين في القومية السائدة، مثل مظلومية العرب أكثر من مظلومية الكرد والمكونات الأخرى، وذلك في معرض الإنكار غير المباشر لكل أوجه الاضطهاد، الذي عانت منها المكونات القومية والدينية والمذهبية، في ظلّ النظم والحكومات الشوفينية الدكتاتورية، هؤلاء يؤكدون وقوفهم الى جانب الاستبداد، من دون أن يدروا، وهم يعلمون أنّ الجميع عانوا في ظلّ الاستبداد، سياسياً واجتماعياً، والكرد ومكونات أخرى عانوا بشكل مضاعف، بسبب الخصوصية القومية، والاضطهاد على أساس قومي، مثل الحرمان من حق المواطنة والعمل والتعليم والصحة والتهجير، لأغراض عنصرية، مثل مخطط الإحصاء الاستثنائي والحزام العربي، ومنعهم من دخول الكلية العسكرية، والسلك الدبلوماسي، ومؤسسات التربية، وتغيير التركيب الديموغرافي لمناطقهم، ومنع التسمية بالأسماء الكردية، وتعريب الأسماء التاريخية. 


القاعدة العاشرة: الكف عن ترداد ذرائع عفا عليها الزمن، من شاكلة، “لو أفسحنا المجال للكرد بطرح مظلوميتهم والاعتراف بما يطلبون، سنفتح على أنفسنا أبواباً مزعجة نحن بغنى عنها”، وهذه العبارات الذرائعية تذكرني بأقوال (العميد محمد ناصيف، مسؤول الأمن الداخلي)، عندما عقد لقاء مع وفد كردي معارض، بدمشق، كان يتحاور مع القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم، بتدخل من الزعيم الفلسطيني المحترم، د. جورج حبش، قبل نحو خمسة وثلاثين عاماً، عندما قال: “نحن لسنا ضدّ الأكراد، ولكن لو اعترفنا بحقوقهم فيجب أن نمنح مثلها للآخرين، وكما هو معلوم، سوريا فسيفساء من الأقوام والمكونات”، وكان جواب الوفد الكردي: “ولم لا، فليحصل الجميع على حقوقهم في إطار سوريا الواحدة”. 


ليفانت – صلاح بدرالدين  

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!