الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الليرة التركية.. عندما يدفع الشعب ثمن عدوانية السلطة
الليرة التركية ليفانت نيوز

ليس بخاف على المتابعين أن انهيار الليرة التركية خلال الفترة الأخيرة، أمر بالغ الصعوبة على الشعب التركي، إذ تنحسر أمامه بشكل تدريجي فرص العمل والتوظيف وكميات الإنتاج والأسواق التي كانت يوماً مليئة ببضائع بلادهم، لكنها فيما بعد توجهت لإعلان حملات مقاطعة للبضائع التركية، كونها وجدت في ذلك تمويلاً لجيش ينتهك حدودهم كما هو الحال في شمال سوريا، أو في دول أخرى اختارت أنقرة خصومتها كالسعودية، التي سبق وأن أعلنت عن عدة حملات لمقاطعة المنتجات التركية.


فيما يجاهر أنصار النظام التركي بعزمهم على مواجهة الانهيار والاستعداد لتحمل المزيد، مشددين على قدرتهم تقليص قيمة الدولار أمام الليرة التركية، من خلال جملة خطوات عسكرية وسياسية، على رأسها أولاً: الانسحاب من شمال سوريا، وثانياً: الانسحاب من ليبيا، وثالثاُ: الانسحاب من شرق المتوسط (أي الكف عن الإجراءات الأحادية في المياه المتنازع عليها أو التابعة لقبرص)، ورابعاً: الانسحاب من ملف الصراع بين أرمينيا وأذربيجان.


اقرأ أيضاً: شمال سوريا.. والهزيمة السياسية قبل العسكرية لأردوغان والإخوان

ويشير الموالون للنظام التركي، أن كل تلك المطالبات لن تجد آذاناً صاغية في تركيا، أو على الأقل لدى القيادة الحالية المتمثلة في رجب طيب أردوغان، حيث يصر الأخير على مواجهة ما يعتبرها تآمراً على تركيا، وينظر إلى تدخلاته في الإقليم على أنها "حق مشروع"، وأن ما يسمح لتركيا بالتدخل هو أكبر مما يسمح لواشنطن وموسكو اللتان تبعدان آلاف الكيلومترات عن المنطقة على التدخل، وبالتالي يقارن أردوغان بين نفسه وبين دول العالم العظمى، ليدفع الاقتصاد التركي ثمن "صراع الفيلة".




انهيار الليرة التركية الليرة التركية \ أرشيفية

من 2.8 إلى 9 ليرات.. في خمس سنوات


ففي بداية أكتوبر الماضي، أفصحت الغرفة التجارية في إسطنبول التركية، عن زيادة أسعار التجزئة والجملة بالمدينة، بواقع 2.22% للأولى، و2.90% للثانية على أساس شهري، وذلك وفق معطيات صادرة عن الغرفة التجارية المذكورة، فيما ادعى أردوغان أن أسعار السلع بالأسواق "معقولة وفي متناول الجميع"، على الرغم من إحصائيات رسمية تشير لارتفاع معدلات التضخم.


بينما كررت المعارضة التركية، تشديدها على أن رجب طيب أردوغان أضحى لا يستطيع إدارة الدولة، والشعب يدفع ضريبة فشله الاقتصادي، وذكر زعيم المعارضة، كمال قليتشدار أوغلو في التاسع من أكتوبر، إن "أردوغان لا يستطيع حكم تركيا، الآن سوف ندخل الشتاء الأسود، وسيختبر سكان هذا البلد حالة الاقتصاد"، وأردف: "لن يكون المواطن قادراً على دفع تكاليف الكهرباء والمياه والغاز الطبيعي، كل شيء في العالم يسير بشكل سيئ للغاية، وسوف يزداد الأمر سوءاً بالنسبة لنا"، متابعاً: "لا يوجد بلد يعاني بقدر شعبنا، الأمر لا يزداد سوءاً بالنسبة للقصر، لكن يزداد سوءاً بالنسبة للمواطن والاقتصاد التركي".


اقرأ أيضاً: إسرائيل والنووي الإيراني.. خط أحمر قد يدفع للضربة العسكرية المنفردة

فيما ذكر أحمد داود أوغلو، رئيس حزب "المستقبل" المعارض، أن "تركيا تعاني من اتباع نهج يمثل جهلاً من خلال تغيير رئيس البنك المركزي 4 مرات في 3 سنوات، وهو نهج يغير معدل التضخم، ويخل بالتوازن بين المبادلات الأجنبية، ويرفع سعر صرف العملات الأجنبية جميعاً في وقت واحد"، مضيفاً: “وبنفس الطريقة، بالمقارنة مع ظروف مغادرتنا للسلطة قبل خمس سنوات، ارتفع الدولار من 2.80 إلى 9 ليرات، نواجه جدلاً حيث ارتفع التضخم من 3.2 إلى 44%، مع تضخم المنتجين، وتضخم المستهلكين من 5.5 إلى 19.58”.


وأكد داود أوغلو أن "أحد أهم العوامل وراء هذه الصورة هو زيادة الفقر والمحسوبية والرفاهية والهدر الذي يقضي على أمل الشعب مع مرور كل يوم"، وأشار رئيس الوزراء الأسبق إلى أنه "دخل السياسة لمحاربة الفساد والفقر، لكن الفقر والفساد في كل مكان، يتم منع الناس من التحدث".


الليرة بين تهديدات أردوغان.. وتمويل الإرهاب


ورغم كل النقد الداخلي، واصلت القيادة التركية الحالية، طريقها منتهجةً سياسات عدوانية بحق جيرانها، والتي كان آخرها في بداية أكتوبر الماضي، عندما أطلق أردوغان، تهديداً بتنفيذ هجوم جديد على شمال سوريا، لتسجل الليرة التركية عقبها تقلصاً كبيراً، ليزداد ضعف الليرة التركية مع تخبط أردوغان، الذي أقال في الرابع عشر من أكتوبر، نائبي محافظ البنك المركزي التركي.


اقرأ أيضاً: كورونا و”حركة النهضة”.. برهان آخر على عدم صلاحية الإخوان للحكم

وازداد طين الليرة التركية بلةً، في الواحد والعشرين من أكتوبر، مع إدراج هيئة مراقبة التمويل العالمي (فاتف) تركيا إلى القوائم الرمادية، على خلفية "إخفاقها في التصدي لغسل الأموال وتمويل الإرهاب"، مشددةً على أنه يجب على تركيا أن تلاحق تمويل التنظيمات الإرهابية وبينها "داعش" والقاعدة، ما يعني وجود شكوك فعلية على تمويل تركيا للإرهاب، أو حصول الإرهابيين على التمويل من البوابة التركية، وهو ما اعتبره مراقبون اقتصاديون بأنه سيرتد سلباً على الاقتصاد التركي، عبر زيادة تراجع الاستثمارات الأجنبية، عقب خروج المستثمرين خلال السنوات القليلة الماضية، والبيع السريع لليرة.


العلاج بالصدمة المضادة


ورغم اتفاق اغلب الاقتصاديين على ضرورة رفع تركيا لأسعار الفائدة، بغية تحسين قيمة الليرة أو تثبيت قيمتها على أقل تقدير، اختارت القيادة التركية أن تصدم تلك الاقتراحات، عبر اللجوء إلى المزيد من خفض الفائدة، فخفضت في سبتمبر الماضي الفائدة من 19 إلى 18%، وفي الواحد والعشرين من أكتوبر، عاد البنك المركزي التركي، لتخفيض معدل الفائدة من 18 إلى 16%، وكررت العملية في الثامن عشر من نوفمبر، بتخفيض الفائدة من 16 إلى 15%.


ومع انهيار الليرة المتواصل، بدأت العواقب بالظهور بشكل متتالي، وأقرت الرئاسة التركية في نهاية أكتوبر، بتضاعف مجموع الأسر الفقيرة خلال العام الماضي، لتكرر المعارضة بداية نوفمبر، هجومها على نظام أردوغان، بعد ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، حيث أعلنت شركة خطوط أنابيب نقل البترول التركية (بوتاش) عن رفع تسعيرة الغاز الطبيعي للوحدات الصناعية بنحو 48%، وبنحو 46% بالنسبة لشركات إنتاج الكهرباء.


اقرأ أيضاً: الصين والانسحاب الأمريكي من أفغانستان.. ترتيب أولويات أكثر من مؤامرة

وقد اعتبر كمال قليتشدار أوغلو، رئيس الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، أن زيادة أسعار الغاز الطبيعي على قطاعي الكهرباء والصناعة، عبء كبير تُحمله الحكومة على العمال والصانعين في تركيا، وشدد على أن أردوغان "غير مدرك لمشكلات الشعب، ولا يهتم بالدولة".


ولأنه غير مدرك تلك المشكلات، فقد قرر الأتراك رفع صوتهم علّه يسمع، فخرج في الثالث والعشرين من نوفمبر، بعض المواطنين الأتراك في تظاهرات متفرقة بمدن تركية عدة، من ضمنها العاصمة أنقرة، عقب الانهيار الكبير في سعر الليرة التركية مقابل الدولار، مطالبين أردوغان وحزبه "العدالة والتنمية" بالاستقالة، فيما يعطي أردوغان إشارات قوية لحلفائه وخصومه، على استمراره بسياساته الاقتصادية الحالية، ما يعني أن الاقتصاد التركي لن يرى في الغالب أي انفراجة قبل انتخابات الرئاسة في العام 2023.


ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!