الوضع المظلم
السبت ١١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الليرة السورية تاريخ مشرق ونهاية مجهولة
الليرة السورية تاريخ مشرق ونهاية مجهولة

الليرة السورية لم تكن لحظة ظهورها كنقد للتداول إلا عملة لها مكانتها بين العملات الدولية، فقد ظهرت الليرة السورية حين تم إنشاء مصرف سورية ولبنان التي أقامته حكومة الانتداب الفرنسي، وكان أول صدور لها لأول مرة عام 1919 وكانت تعادل قيمتها 20 فرنك فرنسي.


عام 1924 صدرت الليرة السورية اللبنانية الموحدة بين البلدين واستمرت حتى عام 1937، وفي عام 1941 وبعد سيطرة بريطانيا على أجزاء من سوريا، تم ربط الليرة السورية بالجنيه الإسترليني وكان الجنيه يساوي 8.83 ليرة سورية.


لكن بعد خسارة فرنسا للحرب العالمية الثانية وتدهور سعر صرف الفرنك الفرنسي، ارتفع معدل التحويل بين العملتين لتصل الليرة السورية الواحدة إلى 54.35 فرنك فرنسي.


ما دعا إلى فك ارتباط الليرة السورية بالفرنك وربطها بالدولار الأمريكي حيث كان الدولار يساوي 2.19 ليرة سورية، ثم تم فصلها عن الليرة اللبنانية عام 1948 وأصبحت الليرة السورية مستقلة بقيمتها.


وعبر توالي كل الرؤساء السوريين الذين حافظوا على مستوى الليرة السورية وأهمهم :

خالد العضم الذي يعتبر أول من وضع أسس متينة للإقتصاد السوري، واهتم بعدة أمور حيوية عادت على البلد بالرخاء آنذاك، وترك البلد في وضع مزدهر ولايخفى على أحد كيف كانت سورية في الخمسينات فهو أول من أصدر عملة سورية بالكامل، لايوجد فيها ولاكلمة فرنسية ليشير إلى أن عهد الإنتداب الفرنسي على سورية قد انتهى.


وحينها كان غرام الذهب يساوي 2.40 ليرة سورية

توفي خالد العضم عام 1965 في لبنان ولم يفكر بأن يطبع اسمه على العملة التي كان عراب تأسيسها، أو حتى أن يسمح بتسمية شارع على اسمه، لكنه ترك سوريا في حالة اقتصادية متميزة.


إلى أن جاء آل الأسد وعاثوا فساداً بكل الخطط الاقتصادية، حيث نسفوا كل ماكان معمول به من إتفاقيات لمصلحة البلد، إذا كانت لاتتناسب مع مصالحهم، وبقيت الليرة السورية بقيمتها الشرائية العالية حتى السبعينات وهي الفترة التي استلم بها الأسد الحكم. وكانت بداية النهاية.. فهبوط العملة حينها كان طفيفاً حيث ارتفع الدولار مقابلها إلى 3.65.


كان الدولار يرتفع ببطئ أمام تراجع غير وواضح لليرة السورية إلى أن هبطت ثلاثة أضعاف ووصلت إلى 11.25 ليرة سورية أمام الدولار، حينها لم يكن هنالك مصرف مركزي يمتلك أي زمام للمبادرة، ودور الحاكم كان شبه مغيّب، والبنك لم يكن أكثر من مؤسسة تنجز ما يفرض عليها من المنظومة الأمنية فقط.


كانت الموازنة السورية غير مطروحة للعلن، وموازنة وزارة الدفاع لاتدخل ضمن مصاريف الموازنة السورية، ولم يكن معروفاً ما هو مقدار الديوان أو السندات التي يقدمها الأسد للاتحاد السوفييتي آنذاك مقابل تزويده بالسلاح.


سيطرة النظام وعجرفته حينها وصلت حد طباعة الأوراق النقدية والعملات المعدنية، فبعد أن كانت صورة الـ 500 ليرة سورية يتوسطها صورة الملكة زنوبيا، والعشرة ليرات الورقية التي كان يتوسطها العامل السوري دياب عبد الله فارس من حرستا والذي كان بطل الإنتاج في صناعة الزجاج، وأخرى تصور مقطعاً لأمرأة بالزي الدمشقي وصورة لقصر العضم، والخمسين ليرة لأمرأة تبدو أنها تقطف محصول القطن.


باتت كافة القطع النقدية على اختلافها تطبع وعليها صور الأسد ومن ثم ابنه، وكأنهم يرمون بتاريخ سورية وحضارته ويضعون أنفسهم مكانه، وبدأ الدولار يرتفع تدريجياً حتى هبطت العملة السورية أضعاف مضاعفة ووصلت إلى قيمة 48.5 ليرة سورية في التسعينات.. واستمرت بهذه القيمة حتى عام 2000.


وكان دائماً النظام يبث في الشعب نظريات المؤامرة حول العقوبات الاقتصادية والحصار وشمّاعة الكيان الصهويني التي يعلق عليها كل فشله.

عام 2011 بدأت الليرة رحلتها الأخيرة نحو النهاية، فقد سجلت عام 2014 سعر بقيمة 181.43 مقابل الدولار،

واستمر الإنحدار حتى وصل عام 2017 حد 500 ليرة سورية.


الحاكم السابق والخبير الأقتصادي دريد ضرغام الذي كان يبدو يعمل بشكل مهني، استطاع ثبيت الليرة السورية لكنه أخطأ في ولائه لسادته، حين صرّح بأنه قادر على تنزيل الدولار حتى 200 ليرة سورية لكنه لايملك الصلاحية لذلك، فتم توقيفه عن العمل فوراً وإقالته، لأنه فضح أحد أساليب النظام في تجويع شعبه.


وتم تعيين بديله حازم قرفول الذي قد يكون أكاديمياً لكنه غير اقتصادي وغير قادر على إدارة اقتصاد بلد، وعمله حالياً في المصرف لتسيير الأمور الإدارية فقط، وربما هي رغبة النظام بوجود حاكم ضعيف يجيد الطاعة فقط.


الانهيار الأخير وقع حين تم إقرار الزيادة الخلبية بمبلغ 20 ألف ليرة سورية التي لم تكن حقيقية كما روّج لها، والنظام اقتصها مابين ضرائب وتأمينات ليبقى للموظف بالكادة 11 ألف ليرة سورية، وعادت هذه الزيادة بإرتفاع أسعار غير مسبوق في كافة المنتجات السورية والأغذية على اختلافها.


في هذه اللحظات لازال النظام يحاول ترقيع الواقع ويطرح فكرة أن ذلك ناتج عن مؤامرة ويطلب من محللين مأجورين الكتابة ضمن مواقعه عن أن الموضوع أكبر من المركزي وأكبر من قدرته، وان العالم برمته بقف في وجهه ويطلب من شعبه الصبر، ويبدو أن داعميه يتابعون سقوطه دون مبالاة.


لكن حال الليرة السورية كحال أي مشروع وضع آل الأسد يدهم عليه، فلا يملكون لأجله إلا التخريب.

وقريباً سيكون للدولار هو صاحب الفصل والكلمة في عجلة الحياة السورية لتنضم الليرة إلى مثيلتها اللبنانية في انتداب الدولار عليها ويبقى وجودها مجرد بريستيج اجتماعي يعلن عن وجود عملة لهذه الدولة لأكثر.


ربا الحمود

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!