الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
المأساة السورية في الثلاجة الدولية
ماهر إسماعيل 

رغم ضجيج الحراك السياسي في منطقة الشرق الأوسط من قمة الرياض الإقليمية بحضور الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة بالرئيس جو بايدن، ومؤتمر دول أستانا التي اجتمعت في طهران حول سوريا، فإن المحصلة السياسية الإقليمية والدولية من هذا الحراك تقارب "الصفر" السوري، لا جديد في السياسية الدولية تجاه سوريا، ويعود هذا الصفر إلى حالة الاستعصاء الدولي المنقسم إلى محاور خارجة عن إرادة السوريين، والأسوأ من ذلك أن النظام السوري يلحق بإحدى لمحاور، وهو المحور (الروسي - الإيراني) في السياسة الدولية، وهذا ما يعقد السياسية الدولية تجاه سوريا، فإذا كان حال "الروسي والأمريكي" يسير "الهوينة"، وكأنه يسير على البيض في ملف القضية السورية.

إن ملف القضية السورية أصبح في ثلاجة غير سورية دولية مقسمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، رغم حرارة المناخ والطقس السوري، خصيصاً مع رفض النظام السوري الذهاب إلى جنيف بأمر من الراعي الروسي، فالقضية السورية ما كان ينقصها إلا الحرب الروسية على أوكرانيا لكي تدخل ملف قبر الموت في صقيع القطب الشمالي، ولا يعرف أحد متى يمكن أن يتحرك هذا الملف، فالحل السياسي الذي فتح كوة صغيرة في نافذة أمل بحل سياسي لينقذ الشعب السوري من الوضع المأساوي الكارثي الذي يمسك بتلابيب خناقة ممثلاً في سياسية النظام وحلفائه (الإيراني والروسي):

1-الاستبداد السياسي لنظام القمع المستمر منذ خمسين عاماً من حكم نظام البعث وآل الأسد الذي يعد سوريا كلها مزرعة خاصة بالعائلة والبعث ولا يوجد أي جديد على هذا الصعيد إلا زيادة نسبة القمع والديكتاتورية بعد وقف الحرب.

2-وجود الاحتلالات الأجنبية وهيمنتها وسيطرتها على الأرض السورية، فمن الوجود الأمريكي في الشمال الشرقي إلى السيطرة والهيمنة التركية في الشمال والشمال الغربي مع التهديدات التركية إلى الشمال الشرقي، والوجود الإسرائيلي في الجنوب، بالإضافة إلى التهديدات الإيرانية بالجنوب إلى الأردن، والهيمنة والسيطرة الإيرانية والروسية على مناطق سيطرة النظام.

3-هذه الاحتلالات فرضت تقسيماً على الأرض السورية تحت سيطرتها (دون الإعلان) عن تغيرات رسمية في العلن، لكن في الواقع كل احتلال يفرض ما يريد في المنطقة التي يسيطر عليها.

4-انهيار الوضع المعاشي في أغلب المناطق المسيطر عليها من القوى السابقة لحدود غير مسبوقة، بالانهيار الاقتصادي، واستشراء الفساد الوقح غير المسبوق في البلاد، فكل ما هو مطلوب للمواطن السوري غير متوفر عند الجهات الرسمية في أوقات الدوام الرسمي، لكنه متوفر عندها ذاتها بالسعر الحر، وسعر السوق السوداء، وكأن الذين يشترون هذه المواد بالسعر الحر في السوق السوداء غير سوريين يأتون من المريخ إلى سوريا.

يبدو أن الملف السوري لم يرتقِ لصبح جزءاً من عملية المواجهة بين الغرب الذي فتح العديد من أشكال وأساليب وأدوات المواجهة مع الغازي الروسي في أرض أوكرانيا، وما زالت سوريا مسرحاً لاختبارات هذه المواجهة في أكثر من مستوى وصعيد.

ورغم أن قمة الرياض لم تقدم أي أسلوب جديد في حال رغبت أمريكا في المواجهة، لكن الإيراني والروسي حتى هذه اللحظة يعتبر أن مفتاح التعاطي الدولي معه كمحور(منبوذ ومعزول دولياً)، بما فيها إطار دول الثلاثي الأستاني الذي يعد ذاته هو المحدد الأساس لمسار التسوية السورية حيث يكون الدور التركي بوابة للدور الغربي، لذلك يمكن القول خلال السنوات الفائتة من بداية الثورة السورية وحتى الغزو الروسي لأوكرانيا، إن الطرفين، الروسي والأمريكي، كانا يتحملان المسؤولية عن استمرار الأوضاع السورية من دمار حياة ومستقبل أبنائها وبقائها على ما هي عليه، وذلك بعدم توافقهما على حل سياسي ما، حتى لو كان على حساب دماء وحياة الشعب السوري.

فالمحتل الروسي مرتاح لمد نفوذه وسيطرته، خصيصاً بالمشاركة في دوريات الحدود المشتركة الشمالية الشرقية إلى جانب (قسد)، بالإضافة إلى العديد من العقود الاقتصادية، وتجنيد الشباب السوري الراغب في القتال في أوكرانيا والحراسة في ليبيا، بينما يكتفي الجانب الأمريكي بوجوده في شمال شرق سوريا، وعلى الحدود العراقية في قاعدة (التنف)، وقدرته الكبيرة المؤكدة على عرقلة أي حل لا يضمن مصالحه، فالطرفان، الروسي والأمريكي، راضيان عن أوضاعهما في سوريا، في حين المواطن السوري يغرق في الأزمات التي تطال كافة جوانب حياته، ولا يستطيع تأمين مطالب عيشه، ولو بالحد الأدنى، فالأزمات تحاصره، من أزمة الوقود إلى كارثة الكهرباء وعدم قدرة النظام على إعادة تشغيل المحطات المولدة لها بسبب نقص في مواد التشغيل، إلى أزمة الغاز والخبز وأزمة البطالة، إلى أزمات الفساد المستشري، وفوق كل ذلك وقبله أزمة الليرة السورية، وانهيارها أمام الدولار الأمريكي وفقدانها قيمتها الشرائية، وتسجيلها أسعاراً جديدة في الانهيار.

وذلك في ترجمة حقيقية لانهيار الاقتصاد السوري بعد كل هذه السنوات من الحرب، وزاد في الطنبور نغماً انهيار القيم الأخلاقية والإدارية، وانفلات جشع ضباط كبار وتجار شركاء في عمليات فساد واسعة جداً، وفي مختلف المستويات الإدارية في أجهزة الدولة وذراعها العسكري، مما أوصل الشعب السوري إلى خارطة كاملة لكارثة البلاد: أزمات في كل الحقول، فساد فاجر، ومراكمة لثروات هائلة من حياة وعرق ودم السوريين، وتهريبها لتستقر في أرصدة البنوك الخليجية والآسيوية، وهكذا ازدادت معاناة المواطن السوري ليست فقط مع جيوش الاحتلال بل قبل ذلك مع جيوش الفساد "الوطني".

في ظل جمود الأوضاع السورية، وغياب حتى الجلسات الدستورية الفاشلة بسبب الرغبة الروسية بنقل مقر الجولات إلى خارج سويسرا، وقرار الأمم المتحدة أن جنيف هي مكان الاجتماعات الأنسب، جاء قرار وفد النظام بعدم المشاركة، وهذه الجولات الصفرية من حيث التقدم والنتيجة تؤشر على غياب أي حل سياسي بسبب استقرار المصالح الأمريكية والروسية، وتستمر الحرب الروسية في أوكرانيا لتشعل فتيل الصراع الفج الروسي - الأمريكي (عسكرياً، اقتصادياً، وإعلامياً)، لتجعل من سوريا ومأساة أهلها مسألة ملغية في "أجندة" كلا الطرفين، فالأمريكان الذين يستشعرون الخطر الروسي والخطر الصيني على نفوذهم الذي هيمن في أحادية قطبية على مقدرات السياسة العالمية منذ ثلاثة عقود، لم يمرروا ولن يمرروا أي مناسبة للنيل من استيقاظ الدب الروسي، ومحاولة إعادته إلى قفصه عقب انهيار الحقبة السوفييتية، وسيكون هذا برنامجهم ودأبهم ما إن تلوح لهم أي مناسبة للنيل من قوة الاقتصاد الصيني وتمدد نفوذ التنين الذي يتحرك بثقة وحذر شديدين بعيداً عن استعراضات القوة وبهرجة الألعاب النارية.

وهنا لا بد من الإشارة إلى محاولة النظام الروسي وحكمه الفردي استعادة النفوذ القديم والهيمنة على أوسع مناطق حوله، وبعيداً عنه تحت أغطية تاريخية وقومية عفا عليها الزمان. فالنهج الفردي والديكتاتوري الروسي أنتج حرباً وغزواً عسكرياً صارخاً للدولة الأوكرانية الجارة والمرتبطة بروسيا بأوثق العلاقات التاريخية والاقتصادية والسكانية.

إن المأساة السورية اليوم تكمن في نظام استبدادي فاسد، أكل الأخضر واليابس، وطحن البلد بإحدى عشر عاماً من الحرب، ووضع البلد في ظل احتلالات من قبل جيوش الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وروسيا وإيران (والمحتل الإسرائيلي السابق عليهم جميعاً)، والتي لا يعلم أحد ما هي الأثمان الباهظة التي سيدفعها الشعب السوري للخلاص منها يوماً ما. كل ذلك يجعل الكارثة السورية دائمة فوق كل الأزمات التي يعيشها المواطن السوري دون أي نافذة أمل.

ليفانت - ماهر إسماعيل         

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!