-
المؤسسات الوطنية في سوريا.. واقع مظلم
خلال السنوات الماضية، وفي ظل الأزمة والكابوس الذي يعيشه السوريون بسبب هذا النظام المجرم وتلك المعارضة الغبية، التي ساعدت هذا النظام لحد كبير في إجرامه عبر تبنيها أجندات بعيدة عن المصلحة الوطنية، شأنها شأن النظام الذي تدّعي معارضته، سمعنا الكثير من طروحات ونداءات بضرورة المحافظة على مؤسسات الدولة السورية تمهيداً للوصول إلى حل سياسي لهذه الدوامة في المستنقع الدموي. تلك النداءات المستمرة منذ بداية الثورة السورية عام 2011، هي نداءات فقط وأصداء خاوية لم يرافقها أي جهد للمحافظة على هذه المؤسسات التي أصبحت أسيرة لجهات خارجية توصف لدى الكثيرين بأنها أشد أنواع الاحتلالات فتكاً بالشعوب.
إن سياسة اللامبالاة التي تعامل بها المجتمع الدولي مع ما يجري في سوريا وتحول مؤسساتها الوطنية، كالجيش والأمن، والبنى الاقتصادية وثرواتها، إلى مزارع لقوى متعددة من خلال سيطرتها على النظام الحاكم في سوريا وعلى المعارضة السورية. هذه السياسة التي جعلت من الدولة السورية فريسة سهلة لأطماع قوى عظمى وقوى إرهابية أخرى. فعند الحديث عن المحافظة على هذه المؤسسات فالأولى أن تكون موجودة فعلياً بوصفها الوطني كي يتم المحافظة عليها.
جميعنا يعلم أنّ النظام المجرم الذي جثم على صدور السوريين لعدة عقود بمفهوم واستراتيجية الأمن مقابل البقاء، فهو يوفر الأمن للسوريين بكافة أنواعه، العسكري والاجتماعي والاقتصادي، مقابل أن يتفرّد بالسلطة وتبقى هذه العائلة هي من تحكم هذا البلد عن طريق التوريث، لاغية أي حياة سياسية أو ديمقراطية سالبة، أي نوع من أنواع الحرية والحقوق التي هي من حق المواطن السوري، مقابل البقاء بأمان في مزرعة آل الأسد، هذا الأمان المحدود الذي تلاشى مع ثورة الشعب السوري من أجل نيل حريته، تلاشى وتلاشت معه مؤسسات الدولة السورية التي كانت لعقود مؤسسات لبيت الأسد ولم تكن مؤسسات للشعب السوري، ومع تدخل الحليف الإيراني وأذرعه المليشياوية في سوريا، تحولت معظم المؤسسات التي كانت رهينة لآل الأسد لعقود إلى ما يشبه الشراكة بين النظام والحليف الإيراني، حتى تدخل الحليف الروسي عسكرياً، أواخر العام ٢٠١٥، ليبدأ ما يشبه بالشراكة وتقاسم النفوذ بين كلا الحليفين، الروسي والإيراني، وفي مختلف القطاعات الاقتصادية والعسكرية والأمنية والسياسية.
وبدا واضحاً خروج النظام المجرم من دائرة القرار والتحكم بأي مفصل من مفاصل الدولة السورية، ليكون مجرد تابع مأجور لكلا الحليفين، والجميع يدرك أن إيران وأذرعها العسكرية والدينية والاقتصادية في سوريا تقوم بدور هدام ليس في سوريا، وإنما في المنطقة برمتها، فانتشر الإجرام والدمار والقتل وتفككت البنى الاجتماعية في سوريا بسبب هيمنة المشروع الإيراني على مؤسسات الدولة السورية، واكتفى الروس الذين يقدمون أنفسهم للمجتمع والدولة أنهم قوة تدخلت في سوريا لمكافحة الإرهاب إلى دولة تبرر الإرهاب الإيراني
وتدعمه وتمارس خداعاً كبيراً على المجتمع الدولي وعلى الشعب السوري. فماذا يختلف إرهاب داعش عن إرهاب إيران؟ وهل كانت إيران وأذرعها أقل إرهاباً وقتلاً وبطشاً بالشعب السوري من داعش؟ وهل للإجرام الإيراني حدود أو مساحة؟ وهل اقتصر إرهابها على سوريا؟
لقد تحوّلت سوريا ومؤسساتها لنقطة انطلاق إرهاب الأذرع الإيرانية، فأصبحت ساحاتها ومؤسساتها مستباحة من قبل الحرس الثوري
وأذرعه العسكرية، وأصبح الجيش السوري بجزء كبير منه مجرد تابع أو مليشيا تتبع للحرس الثوري وتتحكم في قراره العسكري والسيادي، وأصبحت وحداته مرتعاً لمعسكرات الحرس الثوري، ونقطة انطلاق لشنّ هجمات باتجاه الدول المجاورة، وأصبح هذا الجيش الذي من المفترض أن يكون مؤسسة وطنية تخدم وتدافع عن الشعب السوري مجرد قوة تتحكم بها قيادة الحرس الثوري، كل هذا والحليف الروسي الذي يقدّم الضمانات هنا وهناك بالحد من تمدد المشروع الإرهابي الإيراني في المنطقة، ويقوم بدعم هذا المشروع سراً للحفاظ على مصالح يعتقد أنها تخدم روسيا ومفاوضاتها مع الغرب، هذا بالنسبة للجيش السوري.
والأمر لا يختلف كثيراً عن المؤسسة الأمنية في سوريا والعشرات من أفرعها التي تحوّلت من خدمة النظام المجرم لخدمة المشروع الإيراني، ليس في سوريا وإنما في المنطقة، وشواهد ذلك كثيرة، ليس آخرها اغتيال شخصيات معارضة في أكثر من دولة، وتصدير الأسلحة والمخدرات للدول المجاورة، والدعم الذي تقدمه هذه الأجهزة الأمنية بتعليمات من الحرس الثوري الإيراني لتنظيمات إرهابية، كالجهاد الإسلامي وحماس وداعش وحزب الله، وغيرها من عشرات التنظيمات التي تمولها وتدعمها إيران في جزء من هذا الدعم عبر الأجهزة الأمنية السورية، وعبر سيطرة الميليشيات الشيعية الإرهابية على المنافذ الحدودية مع العراق وانتشار عشرات النقاط لحزب الله والأذرع الإيرانية الأخرى على الحدود اللبنانية والإسرائيلية، وعبر شنّ عشرات الهجمات انطلاقاً من هذه النقاط التي جعلت الرد من الأطراف المستهدفة طبيعياً ويطال هذه المؤسسة التي أصبحت مرتعاً لهذه الميليشيات.
هذان مثالان عن مؤسستين وطنيتين سوريتين هذا واقعهما الحالي، وواقع المؤسسة الاقتصادية في سوريا لا يختلف عن واقع المؤسسة الأمنية والعسكرية، فالشركات الإيرانية هي من تتحكم بالسوق السورية عبر وكلاء لها بين قطاعات الاقتصاد السوري الزراعية والصناعية والتجارية، بالإضافة لسيطرة الميليشيات الشيعيّة على العديد من الآبار النفطية والغازية في ريف دير الزور الشرقي وريف حمص الشرقي وتحويل ثروات الشعب السوري لمصدر تمويل للمشروع الإيراني ناهيك عن استجرار الفوسفات عبر حزب الله اللبناني من مناجم الصوانة وخنيفيس ليكون لقاء خدمات الدمار والقتل التي قدمها الحزب الإرهابي للنظام المجرم بحق الشعب السوري.
هذه هي مأساة مؤسسات الدولة السورية، الاقتصادية والعسكرية والأمنية، مضافاً لهذه المأساة سيطرة المشروع الإيراني وتغلغله في المؤسسات الدينية ومحاولته المستمرة لتعميق الشحن الطائفي عبر برنامجه القائم على تفتيت النسيج الاجتماعي السوري عبر سياسات التغيير الديمغرافي والإثني وحملات التشييع التي تمارسها عبر تنظيماتها العسكرية والدينية.
كل هذا أصبح معروفاً وواضحاً للشعب السوري والمجتمع الدولي الذي يتحمل جزءاً من المسؤولية، والجزء الأكبر يتحمله النظام السوري والدولة الروسية، التي تقدم نفسها كراعية للسلام، وتطرح الحلول هنا وهناك وتحاول تسويق المزيد من الأكاذيب والخداع بحق الشعب السوري وبحق الأطراف الإقليمية التي بدأت تعي أن المشروع الإيراني هو شر لابد من استئصاله قبل أن يفتك بالمنطقة بالكامل، وتحول تلك القوى لإقامة تحالف فيما بينها، بمعزل عن القوى الدولية لمجابهة هذا الطغيان الجارف في ظل صمت دولي وتآمر روسي واضح على الشعب السوري والمنطقة من خلال دعم التمدد الإيراني.
إن ما يردده ما يسمى محور المقاومة عن عمليات التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل نابع من معرفته أنّ هذه العملية ستقود بالنهاية لاستئصال المشروع الإيراني الفارسي من المنطقة، وهي الطريقة الوحيدة لمجابهة هذا المشروع، فالعرب يعلمون جيداً أن مئات الآلاف من أبنائهم سقطوا ضحية القاتل الإيراني المجرم وليس بأيدٍ أخرى.
ليفانت - عبد العزيز مطر
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!