الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الماسونية الإخوانية
كمال اللبواني
كما يقال بأنّ الاقتصاد ليس له وطن ولا تهمه حدود سياسية، فهو عابر للحدود والحواجز يسعى وراء المكسب أينما كان، لهذا ولكون الماسونية عبارة عن منظمة تضامنية بين النخب الاقتصادية السياسية، تجمع وتنسق مصالحهم الخاصة أساساً، ليست ذات طابع قومي أو ديني أو أيديولوجي، ولها نظام داخلي صارم لا يقبل الفوضى والتسيب ولا يسمح بالصراعات التي تنجم عن تضارب المصالح الخاصة، فقد نجحت كمنظمة أخوية في الهيمنة على الحياة الاقتصادية السياسية في عموم العالم الرأسمالي الذي يعبد المصلحة الخاصة، وامتدّت أيضاً لبقية العالم مع مرحلة الإمبريالية (الرأسمالية العالمية الاحتكارية)، ومن بينها العالم العربي والإسلامي.

ولكن مع نمو حركات التحرر والعداء للغرب في العالم العربي والإسلامي، وتقلص نفوذ المحافل الماسونية التي بدأت تواجه رفضاً شعبياً عارماً بعد قيام دولة إسرائيل المدعومة من الماسونية العالمية لعمق ارتباط اليهود بعالم المال، كان لا بد من البحث عن حليف جديد يخدم المصالح الماسونية الاقتصادية في المنطقة مقبول شعبياً ومرتبط بالتراث الإسلامي، بالتوازي مع التعاون مع النظم المستبدة التي سيطرت على السياسة وحاولت في الدول الجمهورية تبنّي نظام ملكية الدولة للاقتصاد تحت عنوان الاشتراكية، التي طبقت بشكل جزئي وأهملت قطاعات واسعة من الإنتاج صارت عملياً حقل عمل القطاع الخاص الذي شمل معظم الطبقات الوسطى في المجتمع، التي هي أيضاً الحامل المجتمعي لتنظيم الإخوان المسلمين، كحركة تضامنية سياسية اقتصادية ذات نظام صارم، نسخة طبق الأصل عن الماسونية العالمية لكن بصيغة إسلامية، تضيف فوقها بنية سياسية عسكرية متصارعة مع النظم الحاكمة، وهذا مختلف عن الماسونية التي حيّدت نفسها عن طلب السلطة رغم أنّها تصنعها.

وهكذا وبسبب تشابه البنية، وتشابك المصالح، والرغبة في تبادلها، لم يكن الطريق صعباً أمام نشوء تحالفات اقتصادية عميقة بين مؤسسات الإخوان ومؤسسات الماسونية التي لا ترفع شعارات سياسية، وبالرغم من العداء السياسي الإسلامي الإخواني للغرب، فقد وجد الإخوان مصلحة وفائدة في التعاون الاقتصادي مع الأقوياء في العالم، وهكذا تعززت بنية الحلف الإخواني الماسوني الاقتصادي أساساً، والذي هيّأ فيما بعد لتنفيذ مجموعة من السياسات المشتركة في عموم العالم الإسلامي، وفي أماكن تواجد المسلمين في دول العالم.. فالخلاف العلني السياسي بينهما لم يمنع من التشارك الاقتصادي في براغماتية واضحة تتصف بها الماسونية، وكذلك الإخوان، الذين وجدوا حاضنتهم العالمية خاصة في مركز الماسونية الأهم، بريطانيا.

فطالما أنّ هدف الماسونية هو ضبط واحتواء وتشغيل الفعاليات الاقتصادية أساساً ثم السياسية كتحصيل حاصل وتعبير عن المصالح الاقتصادية، وطالما أن هدف الإخوان هو الهيمنة الاقتصادية السياسية على العالم الإسلامي، فقد التقت المصالح في التعاون والتكامل، وهكذا تمكّنت الماسونية من الاحتفاظ بنفوذها الاقتصادي في عموم العالم الإسلامي، بواسطة الاعتماد على مؤسسات الإخوان الاقتصادية التي هيمنت على معظم الفعاليات الاقتصادية التي بقيت بعيدة عن النخب السياسية العسكرية الفاسدة، التي أنشأت مؤسساتها الخاصة الاحتكارية من أموال الفساد، وصارت تبحث عمن يدير لها هذا العمل، وهكذا صار الإخوان يسيطرون على معظم البنى الاقتصادية العميقة في الدول الإسلامية، ويخدمون اقتصاد النظم والمصالح الماسونية على السواء، وشكلوا شبكة اقتصادية هائلة عبر العالم تفوق بحجمها اقتصادات دول نفطية، أمنت الغطاء المالي لمعظم نشاطات تنظيم الإخوان وفعالياته الاجتماعية والخيرية، والسياسية العسكرية، وذلك بانتظار الانقضاض على السلطة، أو الوصول اليها بالتمويه ثم احتكارها، لكنهم وبسبب نفوذ الدول الامبريالية بقوا محرومين من السيطرة على البنى السياسية التي بقيت بيد العسكر والمستبدين، خوفاً من تحولهم لعدو قوي لا يمكنهم احتواءه.

تعايشت هذه التركيبة الاستبدادية الاستعمارية الإخوانية معا وحكمت طيلة قرن من الزمن كافة أرجاء العالم العربي والإسلامي بكافة ألوانه، الجمهورية والملكية، حتى وصلت الأمور لحد انهيار معظم الدول ودخولها عالم الفشل والفوضى نتيجة تراكم أزماتها وغياب صفة الوطنية عن أي سياسة تدير الشأن العام والاقتصاد، مما يفتح باباً جديداً أمام مستقبل هذه الشعوب.

كمال البواني

ليفانت - كمال اللبواني

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!