الوضع المظلم
الأحد ٢٢ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
المبادرة الإماراتية تعيد ترتيب الأوراق
عبد الناصر الحسين

ما إن أعلن عن اتفاق السلام «الإماراتي- الإسرائيلي» حتى بدأنا نسمع صراخاً وعويلاً، لا ينقطع، من محور «الإخوان المسلمين» ومن خلفه النظام الإيراني.. اتفاق قلب الطاولة عليهم و«خربط» كل حساباتهم، وعطّل خططهم التدميرية.. حتى قال قائل: إنها «ضربة معلم».


لم تكن فكرة السلام العربي الإسرائيلي وليدة الساعة، فقد كان الرئيس المصري الراحل «محمد أنور السادات» أول من دشن العلاقات المصرية الإسرائيلية.. ففي التاسع من شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1977، ألقى الرئيس السادات، خطبةً أمام مجلس الشعب، فاجأ خلالها المصريين والعرب والعالم أجمع، حين قال: «ستُدهَشُ إسرائيلُ حينما تسمعني الآن أقول أمامكم: إني مستعد للذهاب إلى بيتهم نفسه، إلى الكنيست الإسرائيلي ذاته».. ولم تمرَّ أيام، حتى حطَّت طائرة السادات في «مطار بن غوريون»، وكان ذلك في يوم السبت الموافق 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1977.. وفي 17 سبتمبر 1978، وقع الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن اتفاقية «كامب ديفيد» برعاية من الرئيس الأمريكي «جيمي كارتر»، ما أدى مباشرة إلى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل 1979.


وبعد أكثر من عشر سنوات انعقد في إسبانيا «مؤتمر مدريد للسلام»، في الفترة من 30 أكتوبر/تشرين الأول وحتى 1 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1991، برعاية «الولايات المتحدة الأمريكية» و«الاتحاد السوفياتي» السابق، سعياً لإقامة سلام دائم بين الدول العربية وإسرائيل.. وشاركت في مؤتمر مدريد وفود من سوريا ومصر ولبنان، وشكَّل الأردن والفلسطينيون وفدا مشتركا اقتصر على فلسطينيي الأراضي المحتلة، واستُبعدت منه «منظمة التحرير الفلسطينية» تلبية لرغبة إسرائيل.


بعد تلك العقود التي شهدت تغيرات جذرية في المنطقة العربية جاءت مبادرة «دولة الأمارات العربية المتحدة» لكسر الجليد في العلاقات العربية الإسرائيلية.. فقد أعلن الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» في 13/أغسطس/آب 2020 أن إسرائيل والإمارات توصلتا إلى اتفاق لإقامة علاقات رسمية بينهما. وقال ترامب، في بيان مشترك مع ورئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» وولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد»، إنهم يأملون في أن يؤدي هذا الاختراق التاريخي إلى دفع عملية السلام قدماً في الشرق الأوسط. ثم غرد «بنيامين نتنياهو» على موقع تويتر «يوم تاريخي».


وفي كلمة متلفزة تحدث نتنياهو بعدة نقاط منها أن إسرائيل ستتعاون مع الإمارات العربية المتحدة على تطوير لقاح ضد فيروس كورونا، وفي مجالات الطاقة والمياه والحماية البيئية والكثير من المجالات الأخرى.. ووصف سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، «يوسف العتيبة»، الاتفاق بأنه «فوز للدبلوماسية».


لن نجد صعوبة في تفسير الموقف الإماراتي المتقدم فيما لو استحضرنا بشكل جاد التغيرات التي طرأت على المنطقة العربية متمثلة ببروز مشروعين معاديين للعرب، هما المشروع الإيراني ثم المشروع التركي، والعامل المشترك بينهما هو «تنظيم الإخوان المسلمين».


«أمضى رجل جزءاً غير قليل من عمره في مكافحة الحشرات في منزله!. يتغلب عليها حيناً وتغلبه في أحيان كثيرة، إلى أن دخل بيته ثعابين سامة كبيرة، وهو منشغل بالبحث عن أقوى مبيد حشري، ثم دخلت العقارب وهو منهمك بالحديث عن خطورة الحشرات.. الشيء الأكيد أن كل مطَّلع على حكاية الرجل مع الحشرات، سوف يلومه بل يوبخه، لأنه لم يستشعر الخطر الجديد في منزله، ولم يباشر البحث عن تطوير حلول لتفادي المخاطر الجديدة».


سأستعير العبرة من هذا المثال لإسقاطه على الساحة العربية!. فقد دأبت الثقافة العربية على «مَحْوَرة الصراع» وفقاً لأدبيات «القضية الفلسطينية» مما أتاح للمشروع الإيراني القادم من الشرق أن يتعملق خطره، حاملاً معه «منظومة السكاكين التاريخية»، يغرف من التاريخ أحقاداً إديلوجية، يهدد ويتوعد، وينفِّذ ما يتوعد به، حتى إنه مستعد لاستخدام «القنابل النووية» لو امتلكها، مفجراً في أي مكان، على غرار ما فعله «حزب الله» في لبنان مؤخراً، بتفجيره «مرفأ بيروت»، وقد اجتاح أربع دول عربية، يُعمل فيها القتل والدمار.


ومع كل ذلك وغيره أراد مثقفو «المقاومة والممانعة» أن يغض العرب الطرف عن جرائم «المجموعة الإيرانية» وإبقاء الأنظار مشدودة إلى إسرائيل ولا شيء غير إسرائيل، مع أن المقارنة بين إيران وإسرائيل لا يمكن أن تنعقد، فالأرقام شاهدة وهي الحكم الفصل للوصول إلى استنتاجات صحيحة.


لقد حاول «الإخوان المسلمون» بصفتهم يسيطرون على حيز واسع من الثقافة العربية، بدعم من «حكام قطر» وتوجيه من «شبكة الجزيرة»، حاولوا تسويق المشروع الإيراني في المنطقة بحجة وجود «عدو أزلي» هو إسرائيل، لكنهم وجدوا صعوبة بالغة في ذلك، فإيران لا تشبه المنطقة لا دينياً ولا قومياً، وهي كاشفة عن عورات لا يطيقها المزاج العربي، فاصطدموا بجمهور عربي إسلامي يرفض إدماج إيران في قضايا العرب، لأن إيران وببساطة هي الخطر الأول على العرب، وبلا منافس أصلاً.


فانتقل الإخوان لتسويق «المشروع العثماني»، باعتباره «سنِّي المذهب» ومن السهل تمريره، وخاصة حين يستحضرون «مصطلح الخلافة»، ووجدوا في «شخصية أردوغان» مادة قابلة للتسويق، وتمريرها في الذهنية الإسلامية، التي عبثوا بها كثيراً.


لكن الإخوان وجدوا أنفسهم مفلسين مرة أخرى في بيع بضاعتهم الفاسدة.. فإذا عيَّروا العرب بالتطبيع مع لإسرائيل، وجدوا أن «خليفة المسلمين» هو أول المطبعين، وبطريقة «مراسيمية» يصعب تأويلها.. وإذا اتهموا الآخرين بنسج علاقات مع إيران، واجهتهم عشرات الأدلة على علاقات مميزة بين أردوغان وإيران. وقطر وإيران. وحين يحضر الحديث عن الإرهاب يبرز اسم أردوغان في رأس القائمة.


مضت عقود من الزمن وتحاول «قوى الظلام» الفوز على خصومها بالنقاط.. لتتقدم دولة الإمارات العربية المتحدة موجهة لهم «الضربة القاضية» بوقت قصير وسرعة خاطفة ومجهود قليل.. ها هي الإمارات قد وضعت أقدامها على طريق السلام مع إسرائيل، وهي في أحسن حالاتها الاقتصادية والتنموية والنهضوية، تطلق مسباراً فضائياً إلى المريخ، وتفتتح مفاعلا نووياً، وتدشن عشرات المراكز البحثية، تاركة الشعارات الجوفاء للفارغين، الذين يكابدون العزلة الدولية والعقوبات الاقتصادية.


 عبد الناصر الحسين.           

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!