الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
المثقفون ودورهم في السياسة السورية
كمال اللبواني

من المهم والضروري تعريف كلمة المثقفين قبل البحث في دورهم بالسياسة والثورة السورية.

تعريف الثقافة بمفهومها الأوسع هو مجمل ما يحتويه الذهن الاجتماعي من معارف وقيم ومعايير وفنون وهويات محمولة على لغة، تعبر عن استمرار الأمة والهوية أو الشعب، وهي ما يتم نقله بالتربية من جيل لجيل، ولكنها عندنا تحمل معنى أضيق، فالشائع عندنا أن المثقف هو الناشط قراءة وكتابة، إن كان يحمل شهادات أو مجرد خبرة، والمثقفون هم ذات الطبقة أو الفئة الاجتماعية التي استخدمت التعليم لتغيير الموقع الطبقي، وبشكل منقطع عن العمل والإنتاج، أي الحصول على وظيفة بالدولة غالباً لا علاقة لها بالاختصاص والتعليم، في مؤسسات الدولة التي طغى عليها الطابع الأمني والبيروقراطية، والتي تضخمت بشدة وفق سياسات التحديث، وتحولت لطفيلي ضخم على المجتمع والاقتصاد، مفصول عن الإنتاج، ومتعيش على حساب المنتجين الحقيقيين الذين حرموا من التمثيل السياسي، وانهاروا لمستوى البؤس والجهل والتخلف، تحت سلطة الدولة الشمولية القهرية.

فالمثقفون عندنا ليسوا الطليعة المرتبطة بالمجتمع والطبقات وقوى الإنتاج، بقدر ما همّ الطفيلي المنفصل عنه والباحث عن حصة في السلطة والثروة عند الحكام الذين جاؤوا للسلطة بالقوة العسكرية والانقلاب وحكموا بالبطش، كسلطة استبداد ورثت دور سلطة الاحتلال والاستعمار، وصار عليهم تقديم طقوس الولاء والطاعة للسلطة وتنفيذ تعليماتها، والأكثر سوءاً أنهم بعيدون كثيراً عن العلم والخبرة والعمل، يشعرون بفوقية مستمدة من تعليمهم تبرر لهم التحكم بالشعب مزاجياً، فهم يكتفون فقط بالحصول على شهادة ستكون ضرورية للحصول على وظيفة في قطاع لا علاقة له بالدراسة، فهم جاهلون أيضاً بمقدار انفصال طبيعة عملهم عن تعليمهم، أي بمعايير المعرفة العميقة والخبرة.

على العموم أمتنا شفهية تسمع وتتكلم، ولا تقرأ وتكتب، والمثقفون بواد والشعب بواد آخر، واستمر انفصال المثقفين عن الشعب وشعورهم بالفوقية حتى بعد الثورة، حيث اعتمدوا هم كقادة للمعارضة، بذات الروح وذات الدور، من قبل الدول المتدخلة التي شكلت مؤسسات المعارضة، فهم متعلمون ومثقفون وهذا مصدر شرعيتهم لقيادة الرعاع الجاهل، وبذلك كان دورهم انتهازياً وصولياً لم يقدموا تضحيات ولم يشاركوا في أعمال الثورة التي كان وقودها الناس البسطاء، متجاهلين تماماً آليات إنتاج القيادة السياسية بطرق التمثيل الديمقراطي، ومستكملين دورهم التقليدي بالتطفل على الاقتصاد واحتكار السلطة، وهو ما أمنته لهم المؤسسات التي نشأت بتمويل ورعاية خارجية (المال المسيس) ولذات الأسباب أكملوا دورهم الذي اعتادوا عليه وهو طاعة الآخر المتسلط والممسك بالقرار والمال.

فالمثقفون عموماً هم في صف النظام ومعه، وجزء أساسي من تكوينه، وهم أداة الاستبداد ومادة التسلط والفساد والانتهازية والخيانة. لكن هذا لا يلغي وجود مثقفين ثوريين مخلصين متمردين نقديين يهتمون بالحقيقة ويبحثون عن المعرفة، ولكنهم كانوا عرضة للتهميش والإفقار والاضطهاد، وقد انقسموا بين يسار اشتراكي شيوعي ثوري، وبين الإسلام السياسي الإخواني تحديداً، جميعهم دخلوا السجون وقضوا فيها السنوات الطويلة، فقد انكبوا على كتب الماركسية والشيوعية أو كتب الفقه الإسلامي، ودرسوها لكن بعقل علمي لينتجوا مفاهيم سياسية دينية جديدة غريبة عن التراث الموروث، بينما كان دور اليساريين هو الاستغراب وتقليد الأجنبي، والانفصال المتزايد عقلاً ومخيالاً عن المجتمع.

وعليه وجد اغتراب شبه كامل بين المثقفين بالتسمية المتداولة عندنا، وبين الشعب. وما يزال حتى الآن، لدرجة أن معظم نشطاء الثورة الحقيقيين يحتقرون المثقفين ويحتقرون شخصياتهم، ولا يثقون بهم، ولا يرون فيهم أي دور بناء، وهذا ما حرم الثورة من ظهور أنتلجنسيا مثقفة ثورية تمدها بالمعارف والأفكار والدراسات، هذا العيب هو أحد أهم أسباب تعثر الثورة، فصل العقل عن العضلات.

في المرحلة الأخيرة، وبنتيجة المعاناة، وتحت ضغط الحاجة للبحث عن المعرفة بالأحوال والبحث عن مخارج، خاصة بعد الفشل والهزيمة، وبشكل أهم بنتيجة تطور وسائل التواصل، أصبح الفيديو والتسجيل الصوتي هو أداة الثقافة، لذلك استعادت العلاقة بين المفكرين والمتعلم وبين المتلقي، وزاد التفاعل بين المثقفين وبين الشعب، بذات الوقت فتحت أمام أجيال جديدة بوابات الثقافة العالمية، والتي سترفع بشكل مذهل سوية الثقافة، لكن ذلك يتطلب تأمين شبكة إنترنت رخيصة، وهذه أهم مساعدة يمكن تقديمها للشعب السوري، وبشكل خاص للاجئين، خاصة المحرومين من التعليم.

 

ليفانت – كمال اللبواني

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!