الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • المسيحيون السوريون والوجود التركي.. تهجير وتطهير وهندسة ديموغرافية

المسيحيون السوريون والوجود التركي.. تهجير وتطهير وهندسة ديموغرافية
المسيحيون شمال سوريا \ ليفانت نيوز

لم يجلب التدخل التركي في القضية السورية، إلا ويلاتِ وتشريد، تهجيراً وتقسيم، تطهيراً عرقياً ونفي للسوريين، كمّل ما بدأه النظام منذ العام 2011، فلم تسلم فئة من السوريين من تلك العواقب الوخيمة للحرب المدمرة التي لا تزال تأكل بالجسد السوري منذ قرابة العقد، وتجرعت المكونات السورية الواحدة تلوى الأخرى لوعة الحرمان من الأرض التي ينتمون إليها، وكان للأقليات باعتبارها الحلقة الأضعف في ميدان الصراع المسلح نصيبها، ومنهم المسيحيون السوريون، الذي هُجر الكثير منهم، خاصة عقب الغزو التركي لشمال سوريا في أكتوبر العام 2019.

رأس العين/ سري كانيه \ أرشيفية

حرب غير مفهومة

كان التدخل التركي حاسماً في قضية تهجير المكون المسيحي في منطقة شمال سوريا، الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، وهو ما حصل بالفعل في منطقة رأس العين، بالرغم من الترويج الإعلامي التركي لأكذوبة احتضان تركيا للمسيحين، إذ يدرك القاضي والداني، الدعم اللامحدود الذي تحظى به جماعات الإسلام السياسي من أنقرة، ناهيكم عن تشييد المئات من المساجد والمعاهد الدينية والأخرى الخاصة بتعليم القران، وهي كلها فعاليات لا تتجاوز محاولة تغييب العقول والسيطرة على الأجيال الناشئة من بوابة الدين والرابطة الإخوانية، الأمر الذي ذهب إليه في بداية أكتوبر الماضي، تحقيق ميداني عرضته صحيفة "التايمز" البريطانية، ملخصه أن تركيا تشن حرباً في الشمال الشرقي السوري "غير مفهومة تقريباً للعالم الخارجي بأسره، لكنها حظيت بطريقة ما بدعم دونالد ترامب حين كان رئيساً للولايات المتحدة" على حد ما كتب مراسل الصحيفة Richard Spencer.

اقرأ أيضاً: فضيحة في الهلال الأحمر السوري.. تقاضي "رشوى" لتسجيل أسماء العوائل في قوائم المساعدات الإنسانية

التحقيق حينها تحدث إلى سوري حول قريتي "تل طويل" قرية "أم وغفة" على ضفة نهر الخابور، فذكر أندريوس زيابدو، البالغ 60 سنة، أن القريتين أضحيتا خاليتين من النساء والأطفال "فقد نقلناهم بعيداً" كما قال، والسبب أن "تل طويل" تعرضت سبتمبر الماضي، قرب كنيستها بشكل خاص، لقصف متكرر من قوات تركية قريبة 3 كيلومترات تقريباً، فسقطت 5 قذائف عليها، منها واحدة أصابت منزل جار له، كنيته أبو كارلوس "كان نائماً مع زوجته وأطفاله حين سقطت فوقهم مباشرة، لكنهم خرجوا سالمين من أي أذى".

المسيحيون وداعش وتركيا

ورغم ذلك كان أبو كارلوس آخر من غادر وعائلته القرى التي لم يبق فيها إلا رجال 7 عائلات فقط للدفاع عنها، من أصل سكان كانوا 1300 تقريباً قبل عقد من الزمن، وجاء في تحقيق الصحيفة كذلك، أن الطوائف المسيحية بسوريا والعراق، نجت من مذابح طائفية شاملة، شنها النظام السوري وتنظيم "داعش" وقوى أخرى في الدولتين، بيد أنها لا تزال تشعر بالتهديد نفسه، وهي طوائف غالبها من أصل آشوري، يتحدث أبناؤها إحدى لهجات الآرامية، لغة السيد المسيح، ويتبعون طقوساً مستقلة عن الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية، وكان 20 ألفاً منهم باتوا في هذه المنطقة لاجئين بالفعل زمن المذابح العثمانية للمسيحيين في الحرب العالمية الأولى، ثم جاءهم التهديد في الوقت الراهن من تركيا.

اقرأ أيضاً: للحدّ من تفشي كوفيد.. بريطانيا تدرس إرسال فرق طبية إلى المنازل

وأشار التحقيق آنذاك، إلى أن الطوائف المسيحية كانت "تشعر بخطر الانقراض، حتى في أوقات السلم، حيث كانت بعض الدول الغربية تعطي الأولوية لأبنائها في منح التأشيرات، وهو ما زاد مع بداية الصراعين السوري والعراقي، حتى أصبح للآشوريين جاليات كبيرة في كندا والسويد وأستراليا والولايات المتحدة، ثم أدى غزو "داعش" لمناطق العيش المسيحي بالعراق، ومن بعده التركي في 2019 للشمال السوري، إلى زيادة الرحيل عن تلك المناطق، فأصبحت تلك الطوائف مهددة بالانقراض من دولة مجاورة هذه المرة، هي تركيا التي مضت قواتها منذ عامين إلى الشمال الشرقي السوري بعد أن أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ومن دون إنذار مسبق، أنه سيسحب القوات الأميركية منها، وفاء لتعهد قطعه أثناء حملته الانتخابية".

ضحايا التغيير الديموغرافي

تلك النتيجة يؤيدها تقرير من موقع منظمة "ذي تابليت"، والذي قال في الثلاثين من أكتوبر الماضي، أن المسيحيين في سوريا يرون "أنفسهم أكبر ضحايا "التغيير الديمغرافي" الذي تنهجه أنقرة، في الخفاء تحت غطاء "التهديدات" التي تواجه الأمن القومي التركي، وأن "التصعيد العسكري من تركيا وحلفائها يدفع المسيحيين المتبقين إلى الفرار ويمنع الآخرين من العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم".

ولفت وقتها قادة المسيحيين في سوريا، إلى إن التصعيد التركي يطال المسيحيين والأقليات الأخرى، ووفقاً لتقرير منظمة "ذي تابليت"، فإن "التهجير القسري للأقليات في شمال سوريا هو أولوية بالنسبة لتركيا"، وتوجد أساليب تستعملها الجماعات المتطرفة المدعومة من تركيا لمنع عودة المسيحيين وغيرهم من السكان إلى شمال سوريا.

اقرأ أيضاً: التطرّف الديني في أرض غاندي

كما أشار التقرير حينها، نقلاً عن سنحاريب برسوم، وهو رئيس حزب الاتحاد السرياني، قوله: "استولت هذه الجماعات على منازل وأراضي وممتلكات للسكان الذين فروا قبل نحو عامين عندما غزا الجيش التركي المنطقة في عام 2019"، مردفاً: "هذا نزوح منهجي، وفي ظل وجود هذه المجموعات، لا شيء يشجع النازحين على العودة إلى ديارهم"، مستكملاً: "نحن نعرف سياسة تركيا في التغيير الديموغرافي، وقد تم ذلك بالفعل من قبل في عفرين ومدن أخرى، ويجري الآن تنفيذه في تل أبيض ورأس العين من خلال المجموعات الموالية لتركيا".

اختفاء المسيحيين

حديث سنحاريب أيدته فيه نادين مانزا، رئيسة اللجنة الأميركية للحرية الدينية الدولية التي قالت: "لا يزال الاحتلال التركي للأراضي في شمال سوريا يشكل تهديداً خطيراً، ليس فقط للأقليات الدينية الضعيفة في تلك المنطقة، ولكن أيضاً لإدارة الحكم الذاتي في شمال وشرق سوريا نفسها"، متابعةً: "تركيا والجماعات المتحالفة معها، أو المدعومة من أنقرة، استهدفت على وجه التحديد المسيحيين والأكراد لتغيير التركيبة السكانية في شمال سوريا".

اقرأ أيضاً: الطلاب الجامعيون في بريطانيا تحت خطر تعاطي "عقاقير الدراسة'

وذكرت "ذي تابليت"، أنه قبل الحرب الأهلية في عام 2011، كان هناك أكثر من 130,000 مسيحي يقيمون في شمال سوريا، وهو عدد تقلص بشكل كبير إلى مئات أو بضعة آلاف من الناس الآن، وأضحت بعض القرى التي تسطير عليها التنظيمات الموالية لتركيا خالية من المسيحيين، وتبعاً لمعطيات التقرير، كانت هناك 100 عائلة في مدينة رأس العين و120 عائلة في تل أبيض قبل عام 2019 (أي قبل احتلالها تركياً)، بيد أن تلك العائلات اختفت الآن، ومنذ 2015، أضحت قرابة 35 قرية مسيحية مهجورة الآن.

ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!