الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
المشهد السوري: بين السلطة والمعارضة
جمال الشوفي

تمر ذكرى الثورة السورية الثالثة عشر هذه الأيام على السوريين ولم يزل الحال السوري لم يتغير بعد. فبين السلطة والمعارضة يبدو لليوم المشهد السوري شديد الانحدار ولا يجد أية بوابة للحل أو النفوذ لطريق مختلف. فرغم العطالة التاريخية لمختلف قوى المعارضة السورية، والناتجة عن ممارسات السلطة الأمنية التعسفية، إلا أنها برزت بحكم المد الشعبي العريض بقوة بعد العام 2011، وحملت في مسيرة الثورة مسؤوليات سياسية كبرى في الحل السوري. كان من المفترض أن تلعب دورها التاريخي في تكوين وتشكيل الهوية الوطنية السورية، بطريقة مختلفة عن أداء السلطة القائمة، لكنها مارست كل صنوف الانقسام والتشتت والمعاوقة والخلافات الأيديولوجية، لدرجة بانت وكأنها تقتات من خلافاتها البينية وتمارس السياسة وكأنها فعل مغالبة، وكل طرف يريد غلبة الآخر!

هذا التباين بين ما هو مأمول وفيما نتج عنه لليوم لم يوجد له حل، ويبدو أنه لن يجد سبيله لذلك ما لم تحل المسألة السورية بجذرها. والحل الجذري هو تحقيق دولة الحريات والقانون وتحجيم دور مؤسسة السلطة فيها بالدور الإداري والمهني المعروف بممارسة السياسة بحرفية ومهنية، حسب ماكس فيبر. وشرط هذا ألا تصبغ أية سلطة، قائمة أو بديلة، الدولة وأجهزتها بصبغتها الأيديولوجية كما مارس حكم البعث السياسة كفعل تسلطي على أجهزة الدولة ومؤسساتها، وتحويلها لأدوات لتنفيذ شهوات الحكم المنفرد، كنموذج لدولة الطغيان والحكم الاوليجارشي حسب ابن خلدون.

السوريون اليوم في أزمة وجود حقيقة، جذرها الهوية الوطنية التي تعبث بها شتى صنوف الاعتداءات التاريخية والسياسية من تغير ديموغرافي ممنهج، وعبث في حاضره ومستقبله، مع تغول سياسة سلطات الأمر الواقع العنفية بشتى صنوف العمل العسكري والأمني المحلي والمحمول على قوى إقليمية ودولية، حتى باتت الساحة السورية محطة تصفية خلافات دولية كبرى بين المحورين الروسي/الاوراسالي والناتو الغربي، وما دونها من مشاريع تطييف دينية بين محور "المقاومة" و"الممانعة" الإيراني المنكشف زيفه التاريخي، في مقابل مخططات الشرق الأوسط الإسرائيلية. وتتداخل بين هذه الوصفات باقي الدول من تركيا لدول الخليج العربي في موقعة كبرى، على حساب الوطنية السورية ومشروع دولتها الممكن. فيما يبدو سطحها الطافي صراع سياسي على طريقة إدارة هذه الوطنية وبقايا دولتها القائمة لليوم، سواء بحلول أممية ممثلة بالقرار 2254/2015 في مقابل طرق الحل الروسية السوتشية والأستانية، وكل أطراف النزاع فيها تبحث عن مصالحها من خلال سورية، وعبر السوريين أنفسهم، سواء كانوا سلطة أو معارضة.

ساهمت العديد من المراكز السورية والدراسات البحثية في تحديد نقاط ومحددات وطرق الحل السوري، ما لا يمكن تفصيله في مقال، بقدر ما يمكن الاتفاق حوله أن معادلة السلطة والمعارضة لليوم هو جزء المشكلة الأساسي، من دون ان نعادل بينهما من حيث الفعل ورده، فالحل الأمني والعسكري التي اتخذته سلطة النظام قاد الجميع لهذه الحالة الكارثية اليوم. وبتدقيق أكثر فقد بنت الدول الكبرى مصالحها وطرق تحققها على أساس معادلة السلطة والمعارضة هذه، والتي خلقت حالة من الاستعصاء الجيوعسكري السياسي لا يمكن تجاوز خطوطه الحمر دوليًا من قبيل مواجهة الناتو مع روسيا، أو تركيا مع روسيا، أو مواجهة إيرانية تركية أو إسرائيلية، تتجنبها جميع الأطراف ولكنها تقام عبر السوريين أنفسهم سلطة ومعارضة كأدوات. وفي الجهة المقابلة تمارس كل من السلطة والمعارضة لليوم ذلك النموذج القهري العقابي في سلوكها السياسي، والذي يتسم بتكفير المختلف ووضعه في منزلة العدو المستباح والمهدد بوجوده، ما يضفي على المشهد السوري تكريس نماذج القهر السياسي والأمني المتوارثة، حتى ضمن ذات الفريق المعارض المفترض أن يشكل بديلًا مختلفًا! وخلافات شهوة الحكم المنفرد والاوحد الموثقة، أضف لنماذج الخلاف الحاد والأيديولوجي السياسي بين شتى صنوف المعارضة على طريقة الحكم وسورية المستقبل، واللجنة الدستورية وخلافات الائتلاف والقوى السورية الأخرى فيما بينها دليل فاقع لليوم. وكأن كل الأطراف السورية تتملكها نزعة السلطة العقابية التي فندها ميشيل فوكو، وأجاز فيها قوله: أن السلطة العقابية تنتج نخبًا سياسية وفكرية معارضة تحمل ذات النموذج العقابي الذي تمارسه السلطة ذاتها.

مؤخرًا أفاد السيد بيدروسون في مطالعته أمام مجلس الأمن أن أفاق الحل السياسي السوري باتت ضحلة، فهل سيستنقع الواقع السوري على حاله؟ سؤال مرير ينتظر من السوريين الإجابة عليه، خاصة وأن هناك موجة ثورية سورية جديدة تتمثل في مظاهرات السويداء السلمية المدنية للشهر السابع على التوالي، يمكنها إعادة احياء المسألة السورية تضع كل من السلطة والمعارضة على محك واقع حرج لا يمكنهم تجاوزه. فهل يمكن تغير مربط فرس الحل السوري من أساسه؟

مربط الفرس لا كما يريده بيدرسون بلجوء الطرفين للحل وقد عافت الأنفس العطالة! لكن الإجابة عن الأسئلة الأولى هي مفتاح الحل الممكن، والذي بتنا على يقين أنه ليس حل سحري ولا إلهام سماوي منزل، ولا مسلمة فكرية جاهزة للتطبيق المباشر، كمن يركّب ماكينة بعد تصميمها الدقيق. بل إمكانية تجاوز موضوعة الصراع بين السلطة والمعارضة والتوجه للكلية السورية، والبحث عميقًا في الوطنية السورية المجردة عن هوس الحكم وشرعيته المفردة، والوصول لنماذج الوطنية السورية الفكرية والسياسية والاقتصادية القادرة على:

تحديد معطيات المسألة السورية برؤية متسعة الأفق تأخذ بعين الاعتبار محددات الوضع السوري كعقدة دولية كبرى.

تحديد المصلحة السورية وفق تقاطع المصالح الدولية العاملة فيها، والتمَيز الفعلي بين نقاط القوة فيها ونقاط الضعف التي تنهك السوريين.

تمتلك الفاعلية والاستعداد على تحمل مسؤولياتها التاريخية في خوض مفاوضات شاقة مهنية وحرفية مع دول الصراع على أرضية المصلحة السورية أولًا.

تأخذ بحسّها المسؤول القادر على تحديد الهوية الوطنية السورية بعيدًا عن الاصطفاف الأيديولوجي بين علماني وإسلامي وقومي...

الاعتماد على معادلة التظاهر السلمي في السويداء الرافضة للسلطة القائمة الحالية وأية سلطة بديلة تمارس ذات الدور والأيديولوجيا.

وهذا ما يمكن تفصيله حواريًا من خلال مفاهيم: الوطنية المجردة والحقوق الأفقية المتساوية وطرق العمل المتوازية. فهل هذا ممكن وقريب المنال؟ وهل نمتلك القدرة على تفعيل حوامله السياسية والفكرية والاقتصادية والمؤسساتية البحثية والاستفادة مما يجري في السويداء على المستوى الوطني؟ سؤال برسم القدرة والامكانية والفاعلية والاجابة الراهنة قبل أن تأتينا الذكرى الرابعة عشرة ونعيد ذات التساؤلات.

ليفانت: جمال الشوفي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!