-
المناخ يُخيّر البشرية.. الاستجابة الحقيقية أو الفناء الجماعي
تتصاعد خلال السنوات الأخيرة، التحذيرات من كوارث طبيعية قد تهدد البشرية جمعاء، لكنها لم تلقى آذاناً صاغية، حتى بدأت بتلمس آثار الاحتباس الحراري والتغيير المناخي الناجم عنه، والذي انعكس على شكل ظواهر بيئية غير مألوفة، وفي توقيتات غير معهودة، فبدأ الجفاف يضرب مناطق اتسمت بغناها المائي، بينما ازداد الجفاف في مناطق تعانيه منه أساساً، إضافة إلى ازدياد الظواهر المناخية القاسية، على شكل عواصف واعاصير في مناطق لم تشهدها سابقاً.
تحذيرات عالمية
ليست الدول الفقيرة أو دول العالم الثالث هي وحدها التي سوف تعاني مع التغيرات المناخية، بل الدول الكبرى والقوية أيضاً، ولعلها من سيخسر أكثر، على اعتبار أنها تمتلك أكثر من غيرها منشآت ومدن وحضارة، وبالصدد، ناشد الرئيس الأمريكي جو بايدن في الواحد والعشرين من سبتمبر الماضي، الوفود المشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، باتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ. وقال إن الوضع في مرحلة "خطيرة بالنسبة للإنسانية"، وذلك في أول خطاب له أمام الجمعية العامة، حيث اعتبر أن العالم "يقترب سريعاً من نقطة اللاعودة"، بالنسبة للأحداث المناخية المتطرفة التي تتسبب في خسارة الأرواح وتكبد خسائر بمليارات الدولارات.
اقرأ أيضاً: تجنيد القصّر بمناطق “الإدارة الذاتية”.. المُعضلة المُنفّرة والمُبررات المُفرّغَة
مشيراً إلى أنه يتعين على كل دولة "تقديم أقصى طموحاتها الممكنة" في مؤتمر المناخ العالمي في غلاسكو، بإسكتلندا. كم دخل رجال الدين على خط المواجهة، فوقع حوالي 40 زعيماً دينياً على نداء مشترك، قدمه البابا فرنسيس إلى رئيس قمة (Cop26) حول المناخ في غلاسكو ألوك شارما، للضغط على الحكومات من أجل تعاون مشترك نحو طاقة نظيفة، حيث انضم إلى النداء ممثلون رفيعو المستوى من جميع الطوائف المسيحية، والإسلامية، واليهودية، والهندوسية، والسيخية، والبوذية، والكونفوشيوسية، والطاوية، والزرادشتية والجاينية.
وطالب النداء بشكل خاص بأن "يصل العالم إلى الصفر من ناحية صافي انبعاثات الكربون بأسرع وقت ممكن، للحد من الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية وإيصالها إلى 1.5 درجة فوق مستويات ما قبل الصناعة"، داعياً "أغنى الدول وكل من يتحمل أكبر قدر من المسؤولية، على تولي زمام المبادرة، وتكثيف الإجراءات المناخية داخلياً، وتقديم الدعم المالي للدول الضعيفة للتكيف مع التغيّر المناخي والتصدي له".
المياه والهواء على رأس الإشكالات
وبالتأكيد أن التغير المناخي لن ينحصر في صورة واحدة، فقد تتعرض ذات البلد إلى الخفاف والعواصف وندرة المياه على فترات متباينة، خاصة الدول التي لا تمتلك استراتيجيات أو إمكانيات للتعامل مع كل ظاهر على حدا، والاستفادة منها في مواجهة غيرها من الظواهر، وبالصدد، فقد حذرت الأمم المتحدة في الخامس من أكتوبر الماضي، من أن أكثر من 5 مليارات شخص في العالم قد يواجهون صعوبة في الوصول إلى المياه في عام 2050، وحثت القادة على اغتنام المبادرة في قمة المناخ COP26 التي ستعقد في غلاسكو.
اقرأ أيضاً: واشنطن والضاحية الجنوبية.. مواجهة متعددة الأوجه مع المدّ الإيراني
فيما أطلقت منظمة الصحة العالمية، في الحادي عشر من أكتوبر، تحذيراً شديد اللهجة حول مخاطر التغير المناخي على العالم، قائلةً إن تغير المناخ يعتبر أكبر تهديد صحي يواجه البشرية، حيث تقتل الأحداث المناخية الشديدة الآلاف وتضعف أنظمة الرعاية الصحية التي تشتد الحاجة إليها، كما بينت أن تسعة من كل عشرة أشخاص يتنفسون الهواءً الملوث بشكل مفرط، وأن حرق الوقود الأحفوري يؤدي إلى وفاة الملايين قبل الأوان بشكل سنوي.
كذلك، فقد حذرت الأمم المتحدة في التاسع عشر من أكتوبر، من اختفاء الأنهار الجليدية في شرق إفريقيا خلال عقدين، جراء الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، وما يصاحب ذلك من آثار مثل القحط والفيضانات، ونبهت هيئة المناخ التابعة للأمم المتحدة من أن الأنهار الجليدية في شرق إفريقيا ستختفي خلال عقدين، بينما سيواجه 118 مليون فقير ما يصاحب ذلك من آثار مثل القحط والفيضانات أو الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، وربما يؤدي تغير المناخ أيضا إلى انخفاض ثلاثة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للقارة بحلول منتصف القرن.
مؤتمر غلاسكو للمناخ
وفي الواحد والثلاثين من أكتوبر، انطلقت اعمال مؤتمر غلاسكو للمناخ، والذي استمر مدة أسبوعين، وجمع أكثر من 120 من قادة العالم، والتي دعا فيها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، دول العالم إلى أخذ قضية تغير المناخ على محمل الجد، محذراً المشاركين في مؤتمر "كوب 26" من "أننا نحفر قبورنا بأنفسنا"، وأضاف أن "إدماننا للوقود الأحفوري يدفع البشرية إلى حافة الهاوية، نواجه خياراً صارماً: إما أن نوقفه أو يوقفنا، لقد حان الوقت لنقول: كفى!".
اقرأ أيضاً: أنقرة ومساعي المحاصصة مع دمشق.. زمن المقايضات التي ولّت
وقد تعهدت عدة دول بخفض انبعاثات الاحتباس الحراري بشكل كبير، ووعدت بالوصول إلى مستوى "صفر انبعاثات الكربون" خلال السنوات القادمة، فيما أعلن البيت الأبيض أن أكثر من 90 دولة وافقت على مبادرة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لخفض انبعاثات الميثان بنسبة 30٪ بحلول عام 2030، بينها 15 دولة من أصحاب أعلى الانبعاثات، لكن رغم ذلك، نزل عشرات الآلاف من الشباب في الخامس من نوفمبر، إلى شوارع غلاسكو للتنديد بالتقاعس عن العمل وما وصفوه بجعل المؤتمر الأخضر في COP26 لمؤتمر علاقات عامة.
وأيا كانت النتائج النظرية الناجمة عن المؤتمر، فإن تحويل تلك الأقوال إلى أفعال هي فقط الحكم والفيصل في مدى جدية الساسة وقادة الدول بالتعاطي الحاسم مع مأساة البيئة، وإلا فإن البيئة والطبيعة ستردان في الغالب الصاع صاعين على البشر، بعد أن طفح الكيل بها.. فتجاهل البعض، وتغاطي الآخر عن الاستجابة لضرورات مواجهة التغير المناخي، لن تقيهم من غضب الطبيعة، بالذات أن الأخيرة بدأت تكشّر عن أنيابها، وتسدد خسائر اقتصادية جمة لاقتصاديات كبرى.
اقرأ أيضاً: بايدن وبوتين.. والتطبيع المعتمد على تطابق المصالح القصوى
ويعني ذلك أن الحكومات والدول الكبرى، ملزمة بالتوجه الفعلي نحو الطاقة الخضراء والمتجددة، والوصول إلى الحياد الكربوني في أسرع فرصة ممكنة، علها تكون أسباباً تعيد السكينة إلى كوكب الأرض، وتوقف الكوارث الطبيعية المتتالية شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!