-
المنطقة الآمنة شمال سوريا.. الأحلام التركيّة تنتهي باقتتال عصاباتها
إذ قال أردوغان، في الرابع والعشرين من سبتمبر العام 2019، في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأنه يمكن إعادة 3 ملايين لاجئ سوري حول العالم حال توسعة المنطقة الآمنة، محاولاً توريط المنظمة الدولية في مشروعه للهندسة الديموغرافية في شمال سوريا، من خلال السعي لإقناعها بتنظيم مؤتمر للمانحين بقيادة الأمم المتحدة لدعم عمليات عودة اللاجئين إلى المناطق الآمنة المزعومة.
دون أن ينسى أنّ تركيا هي من "أطلقت عملية انهيار تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، علماً أنها لم تشارك منذ البدء في محاربة التنظيم، ولم تنتسب للتحالف إلا عندما بات واضحاً بأنه لم يعد هناك من مستقبل لتنظيم داعش الإرهابي، بجانب دعوته من هناك إلى "القضاء على تنظيم "ي ب ك/ بي كا كا" الإرهابي، شرق نهر الفرات في سوريا"، على حدّ زعمه، في محاولة حثيثة منه، لجعل العالم يتقمّص أفكار تركيا، رغم الخلاف المتنامي بينها وبين الغرب حول الأحزاب الكردية، ودورها الواضح في محاربة الإرهاب، وإنقاذ منطقة الشرق الأوسط من شروره، وليس فقط مناطق شرق الفرات.
فيما أعلنت قوات سوريا الديمقراطية رفضها وجود أي انتشار تركي في شمال سوريا، مشترطة أن تكون المنطقة الآمنة تحت حماية التحالف الدولي أو قوات دولية لا تكون أنقرة من ضمنها، وهو ما ذهب إليه، في الحادي عشر من يونيو العام 2019، أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، عندما قال إنّ التدخلات الإيرانية والتركية وراء إطالة أمد الأزمة في سوريا، بما في ذلك المسعى التركي لإقامة ما يسمى “منطقة آمنة” في شمال سوريا ومنطقة إدلب، وهو ما يؤثر على وحدة الإقليم السوري، ويمثّل انتهاكاً في ذات الوقت للسيادة السورية.
أردوغان يهدّد.. نغزو أو نترك المهاجرين يغزونكم
لكن أنقرة واصلت ابتزازها للعالم، فقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الخامس من سبتمبر العام 2019، إن أنقرة مصممة على بدء تنفيذ وإنشاء المنطقة الآمنة شرق الفرات في شمال سوريا، مهدّداً بفتح الباب أمام اللاجئين السوريين المتواجدين لدى بلاده للتوجه إلى الدول الأوروبية، في حال لم تقدّم المساعدة الضرورية لتركيا لدعم اللاجئين.
لتحصل بعد ذلك صفقة أو توافق من نوع ما، بين الرئيس التركي، والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي تنصّل من كل تعهداته لقوات سوريا الديمقراطية، وعمد إلى سحب قواته من المنطقة الممتدة ما بين مدينتي رأس العين وتل أبيض، في السابع من أكتوبر العام 2019، مكرراً بذلك انسحاب القوات الروسية من عفرين شمال غرب سوريا، في يناير العام 2018، ما أعطى ضوءاً أخضراً لتركيا لشنّ غزو عسكري على المنطقة، واحتلالها عقب 58 يوماً من المعارك الطاحنة.
فتبدأ تركيا، في التاسع من أكتوبر، غزوها العسكري على مناطق شمال سوريا، التي تحميها قوات سوريا الديمقراطية، وتديرها حكومة محلية تسمى "الإدارة الذاتية".. وشاركها في الغزو عشرات المليشيات السورية المسلحة المسماة بـ"الجيش الوطني السوري"، وهي ذاتها التي قامت بغزو مدينة عفرين، وعقب مجموعة من المجازر وعمليات الترهيب، ومنها قتل السياسية الكردية السورية هفرين خلف، رئيسة حزب سوريا المستقبل، جاء قرار قسد بالانسحاب، نتيجة عدم التكافؤ العسكري، في العشرين من أكتوبر من ذات العام.
ماذا حصل بالمنطقة الآمنة؟
ومنذ ذلك اليوم (أي العشرين من أكتوبر العام 2019)، وإلى اليوم، لم تتمكّن تركيا من إقناع العالم، سوى بعض الدول التي تدعم الراديكالية الدينية كـ"قطر وباكستان"، وبعض الجمعيات في بعض الدول، كالكويت، بمشروعها المزعوم للمنطقة الآمنة، إذ يدرك العالم بأسره، أن أنقرة لم تتدخل في المنطقة لمساعدة السوريين أو حمايتهم، وأن كل جهدها محصور في إزالة الكورد السوريين من الخارطة الدستورية المستقبلية في البلاد، ومنعهم من تحقيق أي مكسب سياسي يترجم انتصاراتهم العسكرية على القوى الإرهابية التي كانت تركيا بوابتها الرئيسة لغزو سوريا.
ليس ذلك فحسب، فالفشل التركي في ترجمة حلمها بمنطقة آمنة شمال سوريا، يقتلع فيها الكورد من جذورهم، ويوطّن فيها أحباب تركيا من أنصار تنظيمات الإسلام السياسي، وتحديداً الإخوان المسلمين، ازداد وتعمق مع فشل المليشيات المسلحة السورية، من تقديم أي نموذج قد يقنع العالم بهم كقوة بديلة لقوات سوريا الديمقراطية، التي يشهد العالم على انضباطها وتنظيمها وقوتها العسكرية في المعارك.
أما معارك مليشيات تركيا السورية، المسماة بـ"الجيش الوطني السوري"، فقد تحوّلت إلى احتراب داخلي بين بعضها البعض، لأسباب عدة، على رأسها الخلاف الاجتماعي فيما بينها، حيث تنحدر كل مليشيا من منطقة، وغالباً ما تنتصر للسكان من منطقتها، أكانوا مظلومين أو ظالمين، فمثلاً ستقاتل مليشيا "جيش الإسلام" التي ينحدر غالب مسلحيها من ريف دمشق، ضد مليشيا "أحرار الشرقية"، التي ينحدر غالب مسلحيها من مناطق دير الزور، فقط لانحدارات المتخاصمين وانتمائهم لإحدى المنطقتين، وهي قاعدة تسري على كل المليشيات.
المواجهات متواصلة ولا تحصر
وتتنوع أسباب المواجهة إلى الخلاف على المسروقات، أو المنهوبات من السكان الأصليين لـ(عفرين ورأس العين وتل أبيض)، باعتبار أن المدن الثلاث قاومت الغزو التركي لمناطقها، ولم تقبل به، ليُهجّر معظم سكانها مع تمكّن أنقرة من سلبها، في حين لم تحصل تلك المقاومة في مناطق، كـإدلب وجرابلس وإعزاز والباب ومارع، التي استقبل فيها الجيش التركي بالورود والغار، إذ تناسى سكان تلك المناطق، أن مَن يجري استقبالهم هم أحفاد العثمانيين الذين نكّلوا بأجدادهم لأربعة قرون من الزمن.
ولا يمكن بأية حال من الأحوال، حصر المواجهات المسلحة التي تقع بين المليشيات التركية السورية، إذ تتواصل منذ اليوم الأول لاحتلال مدن (عفرين، رأس العين وتل أبيض)، وحتى الوقت الراهن، ومنها في الرابع من يوليو الماضي، عندما اندلعت مواجهات في قرية درويش بناحية شران بريف عفرين، بين ميليشيتي "جيش النخبة" و"صقور الشمال"، إثر خلافهم على تقاسم أموال الآثار، التي تمّت سرقتها من موقع النبي هوري.
وفي الثامن من يوليو، اندلعت اشتباكات عنيفة بين لواء شمر التابع لما تعرف باسم "فرقة الحمزة" من جهة، و"الجبهة الشامية وحركة أحرار الشام" من جهة أُخرى، في منطقة السكرية الواقعة قرب مدينة الباب شرق حلب، بسبب خلاف على فتح طريق التهريب، نحو مناطق النظام.
اقرأ المزيد: الحدود التركية.. بين الاحتضان المزعوم والتنكيل الفعلي بالسوريين
وفي السابع عشر من يوليو، اندلعت اشتباكات عنيفة بين مسلحي مليشيا "الفرقة التاسعة" بزعامة المدعو أبو عبدو القلمون، المستولية على قرية موساكو بالناحية، ومسلحي مليشيا "أحرار الشرقية" بزعامة المدعو أبو مورو في مركز الناحية، عقب خلاف المجموعتين على أحقيّة الاستيلاء على منزل أحد مهجري ناحية راجو.
وفي الحادي عشر من أغسطس، أصيب ثلاثة مسلحين من مليشيا "الشرطة المدنية"، وثلاثة آخرين من "فرقة الحمزة"، إثر اشتباكات بين الجانبين وقعت وسط مدينة رأس العين، نتيجة خلاف بين مسلحين تطور إلى اشتباكات، وهو ما تكرر في الثاني والعشرين من أغسطس، عندما وقعت مواجهات بين مليشيا "الشرطة العسكرية" ومليشيا "الشرطة المدنية" في مدينة رأس العين، دون أن تتضح الأسباب.
ثم تجدّد الاقتتال في التاسع والعشرين من سبتمبر، فقتل 6 مسلحين موالين لتركيا وأصيب 5 آخرون، جرّاء اقتتال مجموعتين من مسلحي مليشيا واحدة، هي "فرقة المعتصم" في مدينة رأس العين، نتيجة الخلاف على أحقية أي منهما في السيطرة على الحواجز والاستيلاء على منازل المدنيين الذين هجروا.
اقرأ المزيد: كيف غدا ريف حمص الغربي بعد ثماني سنوات من سيطرة حزب الله اللبناني
وبكل تأكيد، ليست هذه إلا عينة صغيرة من احتراب مسلحي أنقرة السوريين، وهو ما يظهر جلياً، أنّ أحلام أنقرة بـ"المنطقة الآمنة" ماتت قبل أن تولد، وقد زادها هؤلاء المسلحون بؤساً وقتامة، بتشرذمهم وتناحرهم، حتى بات اللاجئون السوريون في تركيا يرفضون أن يجري إعادتهم إليها، كونها لا توفر للإنسان أبسط حقوقه، وهي "الحق في الحياة".
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!