-
الناشط الفلسطيني عمر فارس: الحل العادل هو دولة واحدة نعيش فيها بالتساوي
تقديم وحوار: ميرنا الرشيد
قبل واحد وستين عاماً، وعند نصب لينكولن التاريخي في العاصمة واشنطن، وقف زعيم النضال الأمريكي من أصل إفريقي، مارتن لوثر كينغ الابن، أمام حشد كبير من التواقين للحرية والعدالة، وخطب فيهم خطابه التاريخي لديّ حلم. قال لهم في الختام: «عندما نسمح للحرية أن تُقرع، عندما نسمح لها أن تُقرع، من كل قرية وكل كَفر، من كل ولاية وكل مدينة، فإننا نُعجّل مجيء ذلك اليوم، الذي يتمكن فيه أبناء الله، سود وبيض، يهود وشعب الأمم، بروتستانت وكاثوليك، من شَبْك أياديهم، وإنشاد كلمات الأنشودة الروحية الزنجية القديمة: أحرارٌ أخيراً! أحرارٌ أخيراً! يا الله العظيم، نحن أحرار أخيراً!».
لم تكن كلمات الدكتور كينغ هذه استسلاماً لعنف أمريكا البيضاء، فقد دفع الزنوج هناك أثماناً باهظة على مدار أربعمئة عام من العبودية. كانت كلماته تلك تجسيداً حقيقياً للشجاعة والنبل الأخلاقي والبصيرة الثاقبة والقلب المليء بالحب الخالص، تجاه شعب أمريكا المختلف في العرق والدين والانتماء. فبعد سنوات من الاضطهاد والإرهاب والتمييز العنصري والقتل بحق الزنوج الأمريكيين، وجد الدكتور كينغ أن لا سبيل لإيقاف نزيف الدم، سوى بالعيش في بلد واحد، يضمن المساواة والكرامة، لجميع أبنائه وبناته، وينبذ العنف ضد أي إنسان فيه.
في الحوار الآتي مع عمر فارس، الناشط الفلسطيني، ورئيس الجمعية الثقافية والاجتماعية غير الحكومية للفلسطينيين في بولندا، يستحضر لحل قضية الشعب الفلسطيني المضطهد والمحروم من أرضه، الرؤية نفسها التي نادى بها زعماء الحركات النضالية في العالم؛ المهاتما غاندي وكينغ ونيلسون مانديلا. إنّه ليس مقبولاً أن يستمر العنف طويلاً، واستمراريته هذه تطيل أمد الكراهية، وتشعل نار الحروب إلى أجل غير مسمى. بالطبع، لا تعني هذه الرؤية أنْ يُصَفق للضعف والتقوقع بخوف، فهذا أعظم عنف بالتأكيد، أعظم بكثير من سفك الدماء.
بعد 76 عاماً من احتلال أرض فلسطين، وقتل الأبرياء، وتشريدهم، لم تكسب إسرائيل شيئاً من كل ما فعلته، سوى أنها ازدادت وحشية، وازداد كره أحرار العالم لها. لا يمكن لبلد أن يُبنى فوق أشلاء أهله، وصرخات استغاثتهم، ومهما روي عن التطور التقني والازدهار العمراني، تبقى الممارسات الإنسانية والقوانين العادلة للجميع، هي الحد الفاصل لقياس التطور في أيّ بلد.
حتى الآن، ما تزال حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، ترفض إيقاف الحرب، وإعادة الفلسطينيين إلى بلدهم. لابد أنّها منتشية بقتل الآلاف من المدنيين العُزل في غزة ولبنان. لكن إلى متى ستستمر بهذا القتل؟ وما هي النتيجة التي تحصل عليها؟ إنّ القاتل كلما تمرغ بالدم، يجعل نهايته وشيكة لا محال.
يحدثنا عمر فارس في هذا الحوار عن نشاطه الفلسطيني في بولندا، وعن رؤيته لحل هذه القضية، وزيارته الأولى إلى غزة عام 2010، بعد أن شنت إسرائيل عدواناً عليها عام 2009، استمر مدة 23 يوماً، استخدمت فيه أسلحة محرمة دولياً، مثل الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب، وأطلقت قواتها أكثر من ألف طن من المتفجرات.
درس عمر فارس في إحدى مدارس جوبر بدمشق، وكان من المتفوقين، ثم انتسب إلى مدرسة جودت الهاشمي لاستكمال الدراسة الثانوية. وبسبب حبه للكيمياء، التحق بكلية العلوم في جامعة دمشق. سكنه الدافع النضالي منذ صغره، بعد استشهاد والده في فلسطين. حينها شعر أنّه لم يعد طفلاً، وأنّ قضية بلده ستكون شغله الشاغل. عندما سافر إلى بولندا عام 1974، بهدف التخصص بدراسة تكرير النفط والغاز، نشط في الحركة الطلابية، وتسلم رئاسة اتحاد الطلبة الأجانب، والاتحاد العام لطلبة فلسطين. بعد الانتهاء من الدراسة، سافر للعمل في الإمارات، وبقي فيها مدة 13 عاماً، ثم عاد إلى بولندا ليكمل حياته فيها، آملاً بتحقيق العودة إلى فلسطين.
* لقد وُلِدتَ في سوريا بعد أن هُجّر أهلك عام 1948، من بلدة الزنغرية القريبة من صفد، والمواجِهة لمرتفعات الجولان المحتل. تنقلتَ في العديد من البلدان، ثم استقريتَ في بولندا، لكن مع ذلك لا يزال الوطن ساكناً فيك بعد كل هذه السنوات. ألم يكن الوقت كفيلاً باستبدال الذاكرة، والتعافي من غربة اللجوء؟
أنا من مواليد منطقة السنابر في هضبة الجولان عام 1952. كان أهلي يستقرون في أربع قرى، تبعد عن صفد حوالي 12 كيلومتراً. لقد عومل الفلسطينيون في سوريا معاملة المواطن السوري، وكما تعرفين، كان الوعي الوطني والقومي حاضرَين فيها. درسنا نحن الفلسطينيين السوريين في مدارس الأونروا، وكانت كوادر التدريس فلسطينية، ضمت شباباً متحمساً، أرادوا أن نكون من خيرة الطلاب. في الوقت نفسه، ركّز الأساتذة والآنسات جهدهم على شرح القضية الفلسطينية ونكبة عام 1948. في كثير من الأحيان، أشعر أنّنا نحن الفلسطينيين المغتربين عن أرضنا، تشغل فلسطين حيزاً كبيراً من أفكارنا، أكثر مما تشغله في أذهان المواطنين العرب، وفلسطينيّ الداخل أنفسهم.
نعم، إنّ فلسطين تسكن بداخلنا. لطالما أكرر هذه العبارة في اللقاءات التي تُعقد معي، والمحاضرات التي أحاضر بها أمام البولنديين والأوروبيين. وعلى الرغم من أنّ زوجتي بولندية، لكنّ بناتي متحمسات جداً لهذه القضية، ولم تبتعد عن ذاكرتهن، كما أنّهن يمارسن النشاط الفلسطيني في كل مكان يصلن إليه. فلسطين قضية استثنائية. صحيح أنّ هنالك فلسطينيون يحملون جنسية أخرى إلى جانب جنسيتهم، لكنّ القضية هنا ليست قضية جنسية، إنّها قضية إنسانية تتجاوز أيّ انتماء آخر.
* الصورة المرسومة في أذهاننا عن فلسطين، ممن عاشوا فيها قبل أن يغادروها قسراً، أو ممن سمعوا عنها من أجدادهم، هي صورة بساتين الزيتون وأشجار البرتقال والتفاح وسنابل القمح، وبساطة العيش، وأعراس القرية، ودفء العلاقات الإنسانية. الآن نشاهد صورة لبلد محتل، شُرد أهله إلى كل بقاع العالم، وتغيرت فيه أسماء المدن والبلدات والأزقة والشوارع، ووضِعت حواجز التفتيش في المناطق الآهلة بالفلسطينيين، كما تشكّل مشاهد الدمار والقصف والموت اليومي ما تبقى من صورة الحاضر، هل ترى أنّ العودة محققة في ظل واقع كهذا؟
حالفني الحظ بأن زرتُ فلسطين من أقصى الشمال إلى الجنوب. وبما أنّي أحمل الجنسية البولندية، فقد سهّلت عليّ السفر إلى هناك، مع أنّه كان أمراً مؤلماً، وباعثاً على الحسرة، أن أدخل بلدي بجواز أجنبي، لكن لم يكن أمامي وسيلة أخرى، كي أخدم قضية شعبنا، وأشرح الواقع على نحو عملي، للوفود البرلمانية التي رافقتُها، ولأصحاب القرار السياسي في أوروبا، كما أنّ هذه الزيارات كانت ضرورية من أجل نسج العلاقات مع المؤسسات الفلسطينية في الداخل. فلسطين هي قضيتنا اليومية، وشغلنا الشاغل، ومن حقنا أن نعود إلى وطننا بالتأكيد. لقد كانت بولندا مقسمة ومحتلة من ثلاث دول، هي ألمانيا والنمسا وروسيا، وبقيت على هذه الحال 123 عاماً. لذلك، لطالما أقول للبولنديين بأنّ قضية فلسطين مشابهة لما كانت عليه بولندا. ومثلما أنّ بلدنا مُقسم، فإنّ بولندا لم تكن على الخارطة الجيوسياسية لسنوات طويلة، لكنّ الشعب البولندي استطاع أن يحقق الاستقلال، وأن يبني وطنه في نهاية المطاف.
العودة إلى فلسطين هي جوهر ما نناضل من أجله. وعندما يتحقق هذا الحق، من المحتمل ألا يعود كل الفلسطينيين، لكن لابد أن نحظى به على أية حال. عندما أتينا للاستقرار في بولندا، وجدنا أنّ كثيراً من البولنديين كانوا يغادرون بلدهم، ويستقرون في بلدان أخرى. وعندما انتهى نظام الحكم الشيوعي، لم يرجع كل البولنديين الذين غادروا. بعد ذلك انضمت بولندا إلى الاتحاد الأوروبي، وأصبح التنقل بين هذه الدول أكثر سهولة من قبل. لذلك أقول بأنّه من حقنا أن نعود، وفقاً لحقنا التاريخي وللقوانين الدولية. لقد جاء اليهود إلى فلسطين من كل بقاع العالم. وبحجة أنّ نبيهم وأجدادهم كانوا فيها، قتلوا أهلنا، وهجرونا. حصل كل ذلك بمساعدة من الاحتلال البريطاني آنذاك. يقول محمود درويش بأنّ على هذه الأرض ما يستحق الحياة، لذلك سنناضل بكل الوسائل حتى نعود إلى بلادنا.
* كيف يمكن الرد على سردية اليهود التاريخية والتوراتية، بأنّ فلسطين هي أرضهم الموعودة، وأنّ ما يفعلونه هو استرجاع لحقهم المسلوب؟
عندما وصلتُ إلى بولندا منذ سنوات طويلة، كان عليّ أن أملي بعض المعلومات الشخصية عني، فكتبتُ في إحدى الخانات بأنّ جنسيتي فلسطينية، لكنني تفاجأتُ بأنّ ضابط الجوازات في المطار شطب جنسيتي، وكتب كلمة «بدون». لم يكن الأمر مقبولاً بالنسبة إليّ، لأنني كنتُ أعتبر نفسي في دولة اشتراكية. حقيقة الأمر، إنّ هذه الدول، كانت وما زالت، مقتنعة بالسردية الإسرائيلية الصهيونية، وخاضعة لها، فهي تمتلك وسائل الإعلام، ولديها كل الإمكانيات. الآن، بعد العدوان على غزة، بدأت الشعوب الأوروبية تفهم حقيقة الأمر. لقد نُظمت في أوروبا 26 ألف مظاهرة منذ العام الماضي، شارك فيها الملايين. أتاحت لنا هذه المظاهرات أن نتحدث عن الرواية الحقيقية، وعن الأحداث التي جرت، وأنّ الصهيونية هي مشروع استعماري إمبريالي غربي. لقد سقطت المفاهيم الديمقراطية والإنسانية التي كنا نسمع بها، كما سقطت مفاهيم الإخوّة العربية والإسلامية.
تتمثل مهمتنا بأن نشرح قضيتنا بطريقة يفهمها الغرب. والحقيقة هي على النحو الآتي: لقد تأسس المشروع الصهيوني في فلسطين على طرد الشعب الفلسطيني وإحضار اليهود، وبعد 76 عاماً من النكبة، أصبح تعداد الفلسطينيين في الداخل حوالي 7 ملايين نسمة، كما أنّ هنالك 7 ملايين يهودي أيضاً. لقد شوهت الحركة الصهيونية مفهوم التاريخ والجنسية والدين. إنّ اليهودية عقيدة، مثلها مثل المسيحية والإسلام، وهي ليست قومية، فعندما أسألكِ عن أصولكِ، تقولين بأنّك سوريّة، ولا تقولين إنك مسيحية أو مسلمة، لكن عندما نسأل أي شخص من الإسرائيليين عن أصله، يجيب بأنّه يهودي. في الحقيقة، نجحت الصهيونية في هذا الأمر، على الرغم من أنّ معظم اليهود الأوروبيين لا يربطهم بفلسطين أية رابط. لقد جاؤوا من مملكة الخزر، وقد أوضح هذه الحقيقة البروفسور اليهودي من أصل بولندي شلومو ساند، في كتابه «اختراع الشعب اليهودي».
من وجهة نظري، أجد أنّ الحل العادل لهذه القضية، هو دولة واحدة، يعيش فيها الجميع بحقوق وواجبات متساوية. لدينا مثال حي يمكن أن نستفيد منه، وهو تجربة جنوب إفريقيا. لقد تمكن المؤتمر الإفريقي بقيادة الرئيس الراحل نيلسون مانديلا، وبعد سنوات طويلة من النضال، من تحطيم النظام العنصري البريطاني، وتأسيس دولة ديمقراطية، يعيش فيها السود والبيض بالتساوي. وبتقديري، سيتحطم النظام العنصري الصهيوني، وسيحل مكانه دولة يعيش فيها اليهود والمسيحيون والمسلمون، إلى جانب بعضهم بعضاً. قد لا يكون هذا الطرح مقبولاً لدى الأشخاص الذين لا يدركون الواقع، لكن هذه هي وجهة نظري، وهذا ما أعبّر عنه، وأطرحه في لقاءاتي العربية والبولندية. إنني لا أعارض اليهود، لكنني أعارض الحركة الصهيونية. بالمناسبة، ثمة كثير من اليهود يقفون معنا، ويشاركون في المظاهرات والنشاطات الرسمية.
* لقد انخرطتَ في النشاط الطلابي في مرحلة الدراسة الجامعية، والآن تترأس الجمعية الاجتماعية والثقافية غير الحكومية للفلسطينيين في بولندا، كيف أثّر السابع من تشرين الأول/أكتوبر على النشاط السياسي الفلسطيني في الخارج؟
لطالما كان للحركة الطلابية دوراً كبيراً في قضايا الشعوب المضطهدة. أذكر أنّ جامعة كولومبيا ساهمت بإسقاط النظام العنصري في جنوب إفريقيا. كما كان لهذه الجامعة دور كبير في إنهاء حرب فيتنام، وإجبار الإدارة الأمريكية على الانسحاب. وفي بولندا، بعد بدء العدوان على غزة، احتل الطلاب الجامعات في ثلاث مدن، هي كراكوف وفروتسواف والعاصمة وارسو. استمر الاعتصام في كراكوف مدة 5 أشهر، أُلقيت فيه المحاضرات من الفلسطينيين والبولنديين. كنا نشرح للحضور بشأن المفاهيم الإنسانية، وحق أي شعب في أن يكون حراً. كما تعرفين، فلسطين هي الدولة الوحيدة في العالم التي ما تزال تحت الاحتلال، ومع ذلك، إنني لا أؤيد الشعارات التي تنادي برمي الإسرائيليين في البحر، لأنّه ليس كل يهودي هو صهيوني، كما أنّ إسرائيل تستغل هذه الشعارات حتى تروّج لرواية معاداة السامية.
بالطبع، في كل بلد نجد أشخاصاً عنصريين. هنا في بولندا، حاول العديد من البولنديين العنصريين المشاركة في المظاهرات، لكنني حاورتُ بعضاً منهم، وقلت لهم بأنّ من يقف ضد اليهود، فهو يقف ضد العرب أيضاً. القضية التي نؤمن بها وندافع عنها واضحة، ولا نريد أن نكون عنصريين، لأننا ضحايا لهذه العنصرية، وضحايا الأبارتايد. إنني متأكد أنه سيأتي يوم تقول فيه إسرائيل إنّ العالم كله معادٍ للسامية، ذلك لأنّها تُنتقد فقط على ممارستها بحق الفلسطينيين.
في وقتنا الحالي، بدأت الشعوب الأوروبية تتقبل السردية الفلسطينية، والدليل أننا نشاهد خروج مئات الآلاف إلى الشوارع، لكن يبقى أملنا بأن يُترجم هذا التأييد في صناديق الانتخابات. يجب ألا ننسى أنّ الأحزاب الأوروبية الحاكمة أسيرة للصهيونية وأمريكا، كما أنّ إسرائيل هي بالأساس مشروع أمريكي، وبغض النظر عن تصريحات هاريس وبايدن بشأن وقف إطلاق النار، وضرورة إرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة، لكن في الوقت نفسه، فإنّ أمريكا ترسل الطائرات والقذائف الصاروخية.
* في حوار لك مع مجلة ميركوريوز24 البولندية، قلتَ: «نحن محكومون بالسلام، لا يمكن لليهود أن يقتلوا 7 ملايين فلسطيني، ولا يمكن للفلسطينيين أن يقلتوا 7 ملايين يهودي. هنالك حد للجنون». سؤالي هنا: هل يمكن بعد 76 عاماً من الحروب المتتالية والعمليات العسكرية أن يوضع السلاح جانباً، ويكون للسلام الكلمة الفصل في هذه القضية؟ كيف يمكن تحقيق ذلك؟
هدفنا أن نعود إلى وطننا، وأن نعيش أحراراً فيه. وكما قلتُ سابقاً، لا يمكن القضاء على الصهاينة جميعاً، كما أنّه لا يمكن القضاء على كل الفلسطينيين. هم حاولوا ذلك منذ عام 1948، وما زالوا يحاولون حتى الآن، إنهم يقتلون ويأسرون. الحُكم اليميني الصهيوني الحالي لا يريد السلام. شرح نتنياهو وجهة النظر هذه في كتاب أصدره عام 1996، فهو يعارض تأسيس دولة فلسطينية، ويؤيد إقامة دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات. بالطبع، لن يستطيعوا تحقيق ذلك، ومع أنّ هنالك فئة قليلة جداً في إسرائيل تعارض الحرب، لكن علينا أن نتحالف معها.
في عام 1993، وقّع الرئيس الراحل ياسر عرفات على اتفاقية أوسلو، وكان من المفترض أن تتأسس الدولة الفلسطينية على 22% من مساحة الأرض، بعد التنازل عن 78% من الحق التاريخي. لكن على الرغم من موافقة عرفات، قُسّمت الضفة وفقاً لأوسلو إلى ثلاثة مناطق، (أ) و(ب) و(ج)، وازدادت الاعتقالات، وبُنيت المستوطنات، وجدار الفصل العنصري. إنّ الحكم الحالي في الكيان الصهيوني لا يريد السلام، لكن بتقديري عندما يتغير النظام الحاكم، يمكن أن يتحقق السلام الحقيقي. في بعض الأحيان، يُطرح حل العودتين، وهي عودتنا إلى أرضنا، وعودة اليهود إلى بلدانهم الأوروبية، لكننا نعرف أنّ الأوروبيين لا يريدون عودة اليهود، على الرغم من أنّ لديهم استثمارات ونفوذ مؤثر هناك. لذلك برأيي أنّ الحل الأنسب هو أن نعود نحن إلى وطننا، ونحصل على كامل حقوقنا، وإنّ أيّ طرح آخر لن يكون عملياً.
إنّني أتعجب من أولاد وأحفاد أولئك الذين سُجنوا وقُتلوا في معسكرات الاعتقال النازية، كيف أنّهم يرتكبون الأفعال نفسها التي ارتكبها هتلر بآبائهم وأجدادهم. بالمناسبة، يبعد بيتي 70 كيلومتراً فقط عن معسكر الاعتقال الشهير أوشفيتز. وفي هذا العام، تظاهرنا أمام هذا المعسكر، حيث كان الآلاف يجتمعون هناك للتعرف إلى أحداث المحرقة، ورفعنا أمامهم اللافتات التي كُتب عليها بأنكم تسيرون على نهج هتلر. للأسف، ما زال العالم يبكي على محرقة لم يرها منذ 70 عاماً، لكنّه يصمت على المحرقة التي تُرتكب الآن في غزة.
* ذهبتَ إلى فلسطين مرات عديدة، وزرتَ الضفة الغربية وغزة، هل تذكر شعورك الأول عندما وصلتَ إليها، ومشيتَ بين أزقتها، وتنفستَ من هوائها؟
في المرة الأولى التي زرتُ فيها غزة عام 2010، بعد عام من العدوان آنذاك، شعرتُ بشعور لا يمكنني وصفه. كنّا حينها أكثر من مئة شخص من السياسيين والنواب والناشطين. تعرفين أننا نصل إلى غزة عن طريق مصر. كانت المسافة الفاصلة بين مطار القاهرة وغزة حوالي 300 كم، لكن على الرغم من الطريق الطويل والحواجز العسكرية، فقد نسينا كل التعب والمشقة، عندما وصلنا إلى غزة، واستنشقنا هواءها، الهواء الفلسطيني. لقد شعرتُ للمرة الأولى أنّني في بلدي. كان أول شيء فعلتُه أنني ذهبت إلى البحر، وغمرتُ قدميّ في الماء. في تلك اللحظة، أحسست بالفرح والحزن في آن معاً. كنت أتمنى لو أنّ والدي كان على قيد الحياة. لقد أمضى حياته يناضل ضد الاحتلال البريطاني وضد العصابات الصهيونية، واستُشهد عندما كنتُ في سن العاشرة من عمري.
في تلك الزيارة إلى غزة، تسنى لنا أيضاً أن نشاهد النفق التجاري الممتد من مصر، الذي من خلاله كانت تدخل البضائع التجارية إلى داخل القطاع المحاصر. كما شاهد الوفد الأجنبي آثار القصف الذي تعرض له المدنيون هناك، والحصار الخانق المفروض عليهم. كانت قنابل الفوسفور التي قذفتها إسرائيل حينها ما تزال مشتعلة. لقد أعادت مشاهد الدمار التي رآها البولنديون في غزة، ذكريات مؤلمة عن مدينتهم وارسو بعد الحرب العالمية الثانية.
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!