الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الوباء الذي أصاب أمتنا
ثروت الخرباوي

في عالم السياسة ـوفي العوالم الأخرى أيضاًـ لا تنخدع بالظاهر، لكن تمهل وانظر واستبصر وحلّل واجمع المعلومات ما استطعت، وقتها ستعرف أنّ الظاهر ليس هو الحقيقة دائماً، وكم خدعت المظاهر البراقة عيون وعقول الدهاة، ولكنها لابد وأن تنكشف يوما ما، فالظاهر الخادع يعيش دهراً ثم يتبددّ فتنكشف الحقائق من خلف دخانه. الوباء





رأينا لسنوات طويلة، مظاهرات إخوانية تخرج بهتافات صاخبة حماسية: "خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود" و"يا أقصانا لا تهتم راح نفديك بالروح والدم"، وعاش شباب الإخوان المغيب الذي شوهوا عقله ومشاعره وهو غاضب وحانق على هذه الأنظمة التي قالوا لهم عنها إنها أنظمة كافرة لا تحب الإسلام ولا تحفل بالمسجد الأقصى، وحين كان غضب هؤلاء الشباب يشتدّ يزداد حنقهم على هذا النظام المهادن لإسرائيل والذي يسير طوعاً لأمريكا فلا يفتح باب الجهاد، وحين قام شاب إسرائيلي إرهابي متعصّب بقتل عدد من المصلين في المسجد الإبراهيمي بالقدس عند صلاة الفجر عام 1994 خرجت مظاهرات الإخوان في كل مكان وهي تصبّ جام غضبها على الأنظمة التي لا تسمح لهم بالجهاد والدفاع عن أولى القبلتين، حينها كنت أشاهد شباباً يبكون وفي ذات الوقت يلتمسون العذر لقيادات الجماعة التي لا تستطيع أن تفعل شيئاً لفلسطين والأقصى إلا جمع التبرعات.







وراحت الأيام وجاءت الأيام، وأصبح الإخوان حكاما ونظاماً ورئيساً، ويقف مرسي بعد مائة يوم ليتحدث في استاد القاهرة عن إنجازاته، كان يتحدث عن مصر أخرى غير التي نعرفها، مصر التي في خاطره هو، لا في واقعنا نحن، مصر التي تعيش حتماً على كوكب آخر غير كوكب الأرض، وكان من البلاهة أن يصدق هو أو جماعته أنّ هناك إنجازات فعلا، ولكنني شاهدت شباباً من الإخوان يتحدثون عن إنجازات خيالية وكأنها حدثت، فأيقنت أن هناك من أصابتهم الهلاوس السمعية والبصرية، وهو مرض معروف في الأوساط الطبية النفسية، وفي ذات اليوم الذي كان فيه مرسيهم الغريب العجيب صاحب القدرات العقلية العجيبة يتحدث متفاخراً بإنجازات وهمية كانت إسرائيل تنتهك المسجد الأقصى، فإذا الأقصى الذي كانوا يبكون من أجله غائب عن قلوبهم ومشاعرهم، لم يقف أحدهم صارخاً أو هاتفاً، فقد نساه الكلّ ولم يعودوا يذكروه في الحياة، والكون يدفن في ظلال الحكم حتى المقدسات، وفاتهم أن يطالبوا مرسيهم بفتح باب الجهاد.







وتوالت الأحداث، ويكتب مرسيهم رسالة حب مفعمة بالمشاعر لصديقه الحميم شيمون بيريز فلا يستنكر أحد من شبابهم المغيب هذا الفعل القبيح ويلتمس الأعذار لمن قدم فروض الطاعة والصداقة لإسرائيل، بل إنّ البعض اعتبرها حنكة سياسية، بمعنى أنها كانت حين تصدر من الأنظمة السابقة كانوا يعدّونها خيانة، وإذ تصدر من مرسيهم فهي الذكاء والألمعية، هكذا هي العقول الممسوخة تصدّق كل ما يقال لها ولا تعمل عقلها. الوباء







وللمقاربة الغريبة فإننا حين جاءت حقبة الثمانينات كنا نسمع ونرى أفواجا من الحجيج الإيراني وهم يتظاهرون في موسم الحج ضد أمريكا وإسرائيل، فأكبرْنا وقتئذ موقف هؤلاء الشيعة الذين يناصبون أمريكا وإسرائيل العداء، كنا نظنّ أن إيران هي العدو الأكبر لأمريكا شيطان العالم، ولكن الشيطان كان يمدّ يده في الخفاء لإيران يداعبها فتستنيم له ويلهج لسانها بالتسبيح له سراً، ولما لا وهو الذي يمدها بالسلاح في حربها ضد العراق، ثم انكشف لنا بعدها أن سيلاً من الأسلحة وقطع الغيار كانت تشحن من أمريكا عبر إسرائيل إلى طهران، وعرف العالم هذا الأمر من خلال ما سمي بفضيحة "إيران كونترا جيت" التي أدهشت العالم. الوباء







هل كان أحد يصدّق أن هتافات إيران ضد إسرائيل وأمريكا كانت خادعة؟، إيران الثورة الإسلامية، إيران الشيعية، إيران التي تتظاهر ضد إسرائيل، كانت ترمي نفسها في الخفاء في أحضان أمريكا وإسرائيل، ولكن الله شاء أن تنكشف هذه العلاقة المحظورة، لتظهر بعد ذلك جماعة الإخوان الحالمة في الحكم وهي تتظاهر ضد إسرائيل وتهتف ضدها، ويقف قادتها ليهتفوا: "على القدس رايحيين شهداء بالملايين"، ولكن خطواتها كانت مفضوحة وشعاراتها لم تخف علاقاتها المحظورة بأمريكا وإسرائيل، فالكل يعرف أن الجماعة عقدت صلات قوية مع أمريكا وإسرائيل، ووصلت للحكم عن طريق أمريكا ومن خلال تعهدها بالحفاظ على مصالح إسرائيل، ثم شاء الله أن تنكشف جماعة الإخوان وينزل الستار على المسرحية التي كانت تقودها ضد إسرائيل، كانت مجرد حرب كلامية ومسرحية خادعة.





ومرت سنة حكم الإخوان لمصر بطيئة بليدة باردة إلى أن أسقطهم الشعب بثورته الرائعة، ومرت سنوات على سقوطهم، وإلى الآن فإن أسلحة تلك الجماعات التي رفعت رايات الجهاد لا تتجه إلا إلى صدور أمتنا، أما إسرائيل فهي أكبر دولة آمنة لم يقترب منها سلاح الإخوان وجماعات الجهاد المزيفة، ومع ذلك فإلى الآن يقع شباب الإخوان في وهم أنهم جماعة ربانية، وما هم إلا الوباء الحقيقي الذي أصاب أمتنا.  






ليفانت - ثروت الخرباوي


 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!