الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الوطن ما بين الصدر والأسد
أحمد رحال

كان لافتاً للانتباه تطورات المشهد العراقي الأخيرة، وما حدث بشوارعه من هبة شعبية أعقبت اعتزال المرجع الشيعي العراقي كاظم الحائري المقيم في مدينة قم الإيرانية، ومن ثم نصيحته لمريديه باتباع مرجعية الخميني، بانقلاب واضح عن سيرته السابقة الداعية لأن تكون النجف هي المرجعية الأولى للطائفة الشيعية، وعدم قبول ولاية الفقيه التي أعلنها آية الله خميني وكل من تبعه.

 والزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر أيضاً يتبع طريق المرجع الحائري، ويطالب بأن تكون النجف هي المرجعية المعتمدة، والصدر أدرك مع اعتزال الحائري أن هناك مؤامرة واضحة وأن هناك ضغوطاً مؤكدة مورست على المرجع الحائري، وأن ما عجزت عنه عشر زيارات لقائد فيلق القدس إسماعيل قاآني لبغداد بالضغط على مقتدى الصدر لتغيير قناعاته وتوجهاته، قد اختزلت بالضغط على الحائري فأعلن اعتزاله، لحق به الصدر معلناً اعتزاله للعمل السياسي، وهو يدرك تماماً أن هذا القرار سيشكل فتيل اشتعال لانتفاضة شعبية لأتباعه من التيار الصدري الرافضين قطعاً لسياسة إيران، وفساد أدوات إيران، وسيطرة ميليشيات تابعة لإيران على المشهد العراقي.

بإعادة المشهد منذ البداية، كان العراق أمام صورة تتجلى بأجندة إيرانية عبر أدوات وميليشيات محلية تأخذ الصفة السياسية لكنها تحكم بعصا عسكرية ميليشياوية عبر عشرات التنظيمات العسكرية التي تتسلح وتتقاضى راتبها من الحكومة العراقية لكنها تتبنى سياسة وأوامر فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني، لتبسط سيطرتها وترهن العراق لولاية الفقيه، ولتسهيل الأمر كان رؤساء الوزراء المتعاقبون على سدة السلطة في الحكومة العراقية كـ نوري المالكي وأمثاله ينفذون أوامر قائد فيلق القدس والسفير الإيراني في بغداد بجعل العراق ليس حديقة خلفية لإيران بل إحدى المحافظات الإيرانية التي تخضع لأوامر وتوجهات وسياسة ولاية الفقيه في طهران، لكن سطوع نجم الزعيم الشيعي مقتدى الصدر ومن خلفه حاضنة شعبية عريضة (التيار الصدري)، ولا يستهان بها على المشهد السياسي والعسكري العراقي، قلب الموازنات، وخرب كل ما رسمته إيران وعملت عليه خلال العقدين الماضيين، وتجلت تلك المشهدية مع الانتخابات العراقية الأخيرة قبل تسعة أشهر، وفيها حصد الزعيم الصدر على الغالبية في مقاعد مجلس النواب العراقي، وبحكم الدستور ستوكل له مهمة تشكيل الحكومة العراقية المقبلة.

ما رفضه الحشد الشيعي الموالي لإيران أو الولائيين، كما بات اسمهم في توجهات حكومة الصدر المقترحة، ليس لأن الصدر أراد امتلاك كل مقاعد الوزراء، أو أنه أراد حكومة تتبع لبلد أجنبي، أو أنه أراد الحقائب السيادية منفرداً، بل فقط لأنه الصدر طالب بتشكيل حكومة عراقية وطنية تضع مصلحة العراق والشعب العراقي بمقدمة أولوياتها، وألا تكون الحكومة القادمة مطية لأي دولة أخرى شقيقة كانت أو صديقة.

توجهات الصدر الوطنية سببت بتكاثر الذئاب المأجورة عليه، وكلها تعمل بالأجندة الإيرانية، فمنعوه من تشكيل حكومة عراقية وطنية، فما كان منه إلا أن سحب نوابه من مجلس النواب، واعتذر عن تشكيل الحكومة.

مع انسحاب الكتلة الصدرية من مجلس النواب واستباحة العراق من قبل قوى ما تسمى الإطار التنسيقي التابعة كلياً لإيران، قدم الإطار التنسيقي مرشحه لرئاسة الوزراء عبر شخصية معروفة بولائها الأعمى لإيران والمتمثلة بمحمد شياع السوداني، ظناً من الولائيين أنها فرصة سانحة للاستدارة وإعادة العراق للحضن الإيراني، لكن الصدر وبحركة ذكية حرك الشارع العراقي وفاجأ الجميع أنه قادر على قلب الطاولة ساعة يشاء، وقادر على تحريك مئات الآلاف (إن لم نقل الملايين) وإنزالهم لشوارع المحافظات العراقية بثورة سلمية اقتحمت البرلمان وأحاطت بمقر المحكمة الاتحادية العليا، ومع تسريب تسجيلات صوتية وقحة لنوري المالكي عاد التيار الصدري النزول للشوارع مع محاولة اقتحام مكاتب ومقرات حزب الدعوة الإسلامية الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، ومكاتب تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، وأغلقوا نحو 15 مكتباً بمواقع مختلفة لتيار الحكمة، إضافة إلى عدد كبير من مكاتب حزب الدعوة في بغداد وبابل والبصرة والنجف وديالى، بعد تصريحات لعمار الحكيم اعتبرها أنصار التيار الصدري موجهة ضد زعيمهم مقتدى الصدر، حيث انتقد فيها نزول الصدريين للشارع، وخلال ثلاث ساعات، أغلق أنصار التيار الصدري مكاتب تيار "الحكمة" في أحياء متفرقة من بغداد، منها "مدينة الصدر والزعفرانية والعامل والحسينية والكاظمية وأبو دشير والدورة والمشتل"، فيما أغلق المتظاهرون مكاتب "الحكمة" في الكوت (محافظة واسط) والإسكندرية (شمال محافظة بابل)، وعدداً من مكاتب البصرة، ومكتباً واحداً في النجف، وحاصروا أيضاً منزل المالكي الذي ظهر بإحدى الصورة مسلحاً على مدخل قصره محاطاً بحراسه لكن كان واضحاً أنه يضع الهروب بمخيلته مع جواز السفر الذي كان واضحاً بجيب قميصه.

أمام رجل يحمل الهم الوطني لبلده كـ مقتدى الصدر، ويقاتل ويشاكس بكل ما يملك لتحصين القرار السيادي العراقي وجعله بخدمة أبناء شعبه، يطل على الضفة الأخرى شخصية مهزوزة باعت الوطن والمواطن هو بشار الأسد، بشار الذي ضحى بالوطن كرمى لكرسي السلطة، وضحى بالشعب كرمى لمشاريع إيران، وضحى بالطائفة كرمى لديكتاتوريته، وقبل أن يستمر بالحكم حتى ولو على جماجم السوريين.

بشار الأسد الذي فرط بالجيش والاقتصاد والثقافة والتاريخ وكل مقدرات وتاريخ الشعب السوري وقدمها على طبق من فضة لقاسم سليماني ولولاية الفقيه، وقدم سوريا العراقة والتاريخ خالصة لفلاديمير بوتين وآلته العسكرية، فعقد الصفقات المخلة بالدستور والقانون، وأصدر كل القرارات والقوانين التي تشرعن المحتل الإيراني والروسي، ولإرضاء هؤلاء باع المرافئ والقواعد الجوية ومراكز البحث العلمي ومراكز التصنيع العسكري ومصادر الدخل الوطني من فوسفات ونفط وغاز، بل حتى المؤسسات الحكومية باتت تحت سيطرة الملحقيات الثقافية الإيرانية، فانتشرت الحسينيات والحوزات والقبيسيات، وسيطرت إيران على التعليم وأصبح لها ثمانية جامعات عدا عن عشرات المدارس والثانويات التي تتبنى المذهب الشيعي، حتى أفرع المخابرات وقيادات الجيش باتت ما بين موال لإيران وموال لروسيا، وفي آخر الأخبار إن لدى الحرس الثوري الإيراني سجوناً سرية للسوريين في سوريا، كما لحزب الله سجوناً للسوريين في القلمون أيضاً، القلمون الذي أصبح أكبر ممول ومصنع للمخدرات في العالم، مخدرات سوريا التي حولت اسم العاصمة دمشق من عاصمة الياسمين إلى عاصمة الكبتاغون العالمي.

فرق شاسع بين رجل يعمل لوطنه ويخلص لشعبه ويتجاوز الطائفية ليعيد استقلالية القرار للعراق، وبين مهزوز باع الوطن وباع الشعب وباع الطائفة ليبقى على كرسي السلطة في بلد محطم، مدمر، يحتاج وفق آخر الإحصائيات الأممية إلى أكثر من 800 مليار دولار لإعادته كما كان قبل عام 2011.

من حق مقتدى الصدر أن توجه له التحية لأنه الوفي لشعبه، المتجاوز للطائفة، المخلص للعراق، والعار كل العار لبشار الأسد الذي باع الوطن والمواطن من أجل خازوق السلطة.

 

ليفانت - أحمد رحال

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!