-
اليونان تساهم في قمع المعارضة التركية على ضفاف "إفروس"
لم تكن عائشة أردوغان، معلمة الرياضيات المحكومة بالسجن 6 سنوات لانتمائها لحركة فتح الله غولن، تعلم أن وصولها اليونان عبر نهر "إفروس" لن يوفر لها الأمن ويعتقها من قمع النظام التركي، حيث أعيدت، مثلما جرى مع العديد من المعارضين الهاربين من الاضطهاد السياسي، إلى الضفة الأخرى قسراً بتواطؤ واضح من السلطات اليونانية، وفق تحقيق صحفي لـ"دير شبيغل" الألمانية ومؤسسات أخرى.
ففي صباح يوم 4 مايو 2019، كانت عائشة "28 عاماً" مختبئة بالقرب من قرية نيا فيسا اليونانية، مع اثنين من رفاقها الأتراك بعد أن نجحوا في قطع رحلة محفوفة بالمخاطر في قارب مطاطي عبر نهر إفروس، وهو النهر الحدودي بين تركيا واليونان.
رحلة هروب عائشة أردوغان (ليس لها أي علاقة بالرئيس التركي وإنما تشابه أسماء) بدأت بعد أن أصدرت محكمة تركية حكم بسجن المعلمة الشابة 6 سنوات، بعد اتهامها بالانتماء إلى حركة الداعية الإسلامي فتح الله غولن الذي يتهمه النظام التركي بتدبير الانقلاب المزعوم في 2016.
ولم تكن عائشة الأولى التي تسلك نهر إفروس إلى اليونان هرباً من قمع رجب طيب أردوغان، حيث سلك الآلاف من أتباع غولن الطريق نفسه منذ 2016.
عائشة كانت تريد التقدم بطلب لجوء في اليونان، وهو الحق الأصيل الذي يمنحه الاتحاد الأوروبي لأي شخص مضطهد يصل حدود التكتل.
وبالفعل، صورت الشابة التركية مقطع فيديو بعيد وصولها قرية نيا فيسا اليونانية، قالت فيه "نريد التقدم بطلبات لجوء.. نحن هاربين من الاضطهاد في تركيا ونختبئ في نيا فيسا ونخشى الترحيل"، وأرسلته لشقيقها إحسان المقيم في أثينا، ووصل إلى صحيفة Kathimerini اليونانية التي نشرت تقرير حول قضيتها.
وأرسلت عائشة في نفس نفس اليوم، موقعها عبر تطبيق واتس آب، لأخيها. كما أرسلت رسالة بالبريد الإلكتروني إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قالت فيها "إذا أعيدنا إلى تركيا، فستكون حياتنا في خطر".
لكن استغاثات الشابة لم تلق صداً، وأعيدت إلى تركيا قسراً كما جاءت منها؛ عبر إفروس. حيث قبض عليها جنود أتراك في تمام الـ8:10 دقائق في صباح اليوم التالي في الضفة الأخرى من النهر، ووضعوها في السجن، وأضيفت تهمة جديدة إلى لائحة اتهامها: مغادرة البلاد بشكل غير شرعي.
وبقى ما حدث في الـ24 ساعة بين هروب الشابة واعادتها لتركيا غامضاً، حتى أعدت وكالة Forensic Architecture البحثية، وهي وكالة تتبع كلية جولد سميث في لندن، دراسة تتبعت فيها الساعات الأخيرة لعائشة في اليونان. كما تحدثت مجلة دير شبيغل الألمانية لمحامي الشابة، وشقيقها، وأطلعت على أوراق القضية في تركيا.
وخلصت الدراسة والمقابلات لاستنتاج واحد: كانت عائشة أردوغان تحت سيطرة السلطات اليونانية، قبل أن يجري ترحيلها بشكل غير قانوني من قبل حرس الحدود اليونانيين، أو كما وصفتهم بنفسها بـ"رجال ملمثيمن"، من مركز شرطة يوناني إلى الضفة الأخرى من إفروس.
ولم ترغب الشرطة اليونانية في التعليق على الواقعة. واكتفت بالقول لـ"دير شبيغل" إنها تلتزم دائماً بالقانون اليوناني والأوروبي عند أداء واجباتها.
لكن في ديسمبر الماضي، قامت دير شبيغل ووكالة البحث البريطانية في دراسة مقاطع فيديو وتتبع مسار عائشة، لاكتشاف آليات الترحيل القسري للمعارضين الأتراك عبر نهر إفروس: رجال ملثمين بلكنة يونانية يقودون المعارضين طالبي اللجوء إلى قوارب مطاطية تحملهم إلى الضفة الأخرى عبر نهر إفروس، حيث يقعوا في أيدي الشرطة التركية.
وفي أثناء عمليات الترحيل، يتعرض هؤلاء المعارضون للإيذاء البدني، وتقوم الشرطة بائتلاف هواتفهم المحمولة. ووفق دير شبيغل، تنفذ السلطات اليونانية بشكل ممنهج عمليات الترحيل القسري عبر إفروس.
وذكرت وثائق تركية اطلعت عليها المجلة الألمانية أن اليونان تقوم بشكل غير قانوني بترحيل عشرات الآلاف من المهاجرين واللاجئين، بينهم العديد من المعارضين الأتراك، لتركيا. وطلبت المفوضية الأوروبية إجراء تحقيق في هذا الأمر، لكن لم يحدث شيء حتى الآن.
إلا أن "محامي المواطن" وهي سلطة مستقلة تحمي حقوق المواطنين في اليونان من تغول السلطات الحكومية، هي من تحقق في عمليات الترحيل القسري لتركيا، منذ يونيو 2017، وتدرس العديد من ملفات المرحلين قسراً، وبينها حالة عائشة.
وبشكل واضح، تظهر قضية عائشة أردوغان أن هناك انتهاك واضح للغاية، حيث يقوم حرس الحدود اليونانيين بترحيل طالبي اللجوء الأتراك دون السماح لهم ببدء إجراءات اللجوء، رغم أنهم يتعرضون للاضطهاد لأسباب سياسية في بلدهم الأم، وفق دير شبيغل.
وتعتبر عمليات الترحيل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي، وقوانين الاتحاد الأوروبي، والقانون اليوناني، لأن لكل لاجئ الحق في إجراءات لجوء عادلة، ويجب ألا يُعاد أي شخص يطلب اللجوء إلى بلدان يتعرض فيها لخطر أو اضطهاد.
لكن السلطات اليونانية لم تراعي هذه القوانين في التعاطي مع عائشة التي أرسلت رسائل كثيرة لشقيقها عبر واتس آب، والتقطت صور مع مرافقيها في القرية اليونانية يظهر فيها بشكل واضح مبنى البلدية اليوناني. كما التقت في القرية محامي حقوقي، هو نيكولاوس أوزونيديس، ما يجعل أي محاولة لإنكار وصولها الأراضي اليونانية صعبة للغاية.
بل أن وكالة Forensic Architecture اقتنت الصور ومقاطع الفيديو ورسائل WhatsApp ورسائل البريد الإلكتروني وملفات المحاكم وتقارير الشرطة، بالتعاون مع منظمة HumanRights360 اليونانية غير الحكومية، وقارنت هذه المواد بصور من برنامج Google Earth، ما أثبت بشكل قاطع أن عائشة دخلت بشكل مؤكد الأراضي اليونانية قبل اعتقالها. وقال المحامي أوزونيديس لدير شبيغل: "رأيتها بأم عيني".
ووفق المعلومات المتوفرة لـ"شبيغل"، فإن عائشة تقدمت بطلب لجوء لليونان في مركز شرطة نيا فيسا، ومع ذلك نقلها المسؤولون إلى مركز شرطة في نيو شيمونيو، وهي بلدة تبعد 18 كيلومتراً جنوب نيا فيسا.
وحاول المحامي أوزونيديس مرتين التحدث إلى عائشة أردوغان في مركز شرطة نيو شيمونيو، وجاء شقيقها إحسان من أثينا على عجل. لكن الشرطة رفضت محاولات المحامي وإحسان، بل ونفت وجود أي محتجز باسم عائشة.
وفي تمام الساعة 18:53 مساء يوم 4 مايو، أرسلت عاشة آخر رسالة من اليونان، لشقيقها عبر واتس آب، وأشار الموقع المرسل في الرسالة، إلى مركز الشرطة.
ويقول إحسان أردوغان "اعتقدت أن عائشة في مأمن في مركز الشرطة، بعد هذه الرسالة، لكن تم خداعنا بكل بساطة".
وتوضح الوثائق التركية التي حصلت عليها "دير شبيغل"، طريقة ترحيل عائشة، حيث اقتادها رجال شرطة ملثمون في سيارة ليلاً، إلى ضفة إفروس، ووضعوها في قارب مطاطي.
وفي صباح اليوم التالي، اعتقلتها الشرطة التركية في الضفة الأخرى، ووضعتها في السجن في مقاطعة أدرنة قبل أن تنقل إلى سجن آخر في محيط إسطنبول.
ووجهت محكمة اتهام جديد لعائشة "مغادرة البلاد بطريقة قانونية". فيما تقول تحريات المحكمة بوضوح "لكن تم ترحيلها إلى تركيا".
ووفق دير شبيغل، لجأ عشرات الآلاف من أتباع غولن إلى بلدان أوروبية هرباً من القمع في السنوات الأخيرة. ومنذ ٢٠١٦، طلب أكثر من ١٠ آلاف تركي اللجوء في اليونان وحدها، لكن السلطات في الأخيرة تقوم بعمليات ترحيل قسرية للعديد دون السماح لهم بالمضي قدماً في إجراءات طلب اللجوء.
وحرك محامون يونانيون، منهم ماريا بابامينا، دعاوى قضائية ضد الشرطة في اليونان، لكن الشرطة أكدت إن "عائشة لم تسجل طلب لجوء في اليونان".
لكن بابامينا لم تصمت، وتريد الآن اختصام السلطات اليونانية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في قضية عائشة التي أعيدت قسراً إلى مكان تتعرض فيه للقمع، وستقضي فيه سنوات في السجن.
ويعد اجتياز نهر إفروس محفوفاً بالمخاطر. وعُثر على العديد من المهاجرين غرقى في السنوات الأخيرة.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!