الوضع المظلم
الإثنين ٢٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
انتهاء زيارة السيد العجُوز
الدكتور حسام فاروق \ ليفانت نيوز

أنهى الرئيس الأمريكي جو بايدن زيارته للشرق الأوسط وعاد إلى واشنطن، كانت محطته الأولى في إسرائيل، ثم انتقل إلى الضفة الغربية والتقى بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، بعدها توجه إلى السعودية، والتقي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وقام بتوقيع عدد من الاتفاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، وصولاً إلى مشاركته في "قمة جدة للأمن والتنمية" التي عقدت بمشاركة قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن.

بحسابات الأرباح والخسائر وبلغة الأرقام، هل أخذ بايدن من العرب ما يريد؟ وهل استغل العرب لحظة القوة التي هم فيها الآن، وعرضوا مطالبهم على الرئيس الأمريكي؟ أسئلة كثيرة طرحت نفسها بعد مغادرة طائرة الرئيس الأمريكي الأجواء السعودية.

قبل الخوض في التفاصيل، تجدر الإشارة إلى أن السيد بايدن قدم إلى السعودية مضطراً مرغماً وليس بطلاً مغواراً، فهي نفسها السعودية التي تعهد أثناء حملته الانتخابية بجعلها دولة منبوذة، وهي نفسها السعودية التي لم يقل في حقها كلمة طيبة قبيل مجيئه البيت الأبيض وربما طوال عامه الأول فيه.

جاء بايدن إلى المنطقة محملاً بمخاوفه من النفوذ الصيني والروسي المتزايد في المنطقة، يسعى لحشد دعم حلفاء واشنطن التقليديين، فضلاً عن رغبة واشنطن في تعزيز وتشجيع "تيار السلام الإبراهيمي"، ومحاولة إقناع دول أخرى في المنطقة بالانضمام لهذا التيار.

جاء بايدن محملاً بأزماته، الداخلية مثل بلوغ التضخم مستوى غير مسبوق وارتفاع أسعار النفط والطاقة وموجة غلاء في الأسعار لم تشهدها الولايات المتحدة منذ عقود، كل هذا مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وتراجع شعبيته وحزبه الديمقراطي، ويعتقد بايدن أن الحل موجود لدى السعودية والإمارات، بالنظر إلى الدور الذي يمكن أن تلعبانه في سوق النفط.

وجد بايدن نفسه مضطراً لتغيير بوصلته السياسية، وأدرك أن الوضع يحتاج إلى تفاهمات بعيدة عن أولويات زملائه الديمقراطيين، فبعد أن قرر إهمال المنطقة والانشغال بالتنافس مع روسيا والصين، أعادته إلى المنطقة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي غيرت ترتيب الأولويات، تبين للرئيس الأمريكي أن "النعرة" الحماسية  التي تحدث بها في حملته الانتخابية، لا تسمن ولا تغني من جوع،  فجاء مرغماً مضطراً، طالباً الدعم، وعينه على النفط، فهو في أشد الحاجة إليه أكثر من أي وقت مضى، وما دون ذلك في الزيارة أهداف جانبية بالنسبة له، لكنه سيتظاهر أنها من أولوياته، ولا مانع لديه من أن يعترف بالتقصير أو حتى يعتذر ويكتب قبل أيام قليلة من زيارته مقالاً "طويلاً عريضاً" في واشنطن بوست، وتقريباً ما أورده في المقال هو ما قاله في كلمته بقمة جدة، كان الرجل العجوز الذي يقف على عتبة الثمانين من عمره، منمقاً مجاملاً إلى حد ما عندما تحدث عن ضرورة الاهتمام بالمنطقة العربية والسعودية تحديداً وأعرب عن رغبته في تقوية علاقاته بها، إلى جانب حديثه عن ضمان قُدرة حلفاء الولايات المتحدة على الدفاع عن أنفسهم، وتقديم واشنطن مليارات الدولارات للدول التي تعاني أزمات تتعلق بالأمن الغذائي، وحديثه عن عدم السماح بتهديد الملاحة في المضايق الدولية، وعلى رأسها "هرمز" و"باب المندب"، وخطط التعاون المشترك في قضايا المنطقة، لا سيما خطر إيران والإرهاب وملفات أخرى مهمة، مثل أسعار النفط والطاقة والأمن الغذائي العالمي في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية.

على الجانب الآخر من الطاولة الكبيرة في جدة، جلس العرب وهم في منتهى القوة، فنحن بالفعل أمام شرق أوسط مختلف، وحتماً خليج مختلف، وبقوة جديدة، لم يستقبل العرب بايدن بالتهليل والزغاريد وعند وصوله مطار جدة لم يستقبله الملك سلمان أو ولي العهد، ولكن استقبله أمير مكة، العرب على كرمهم، لا ينسون ورأوا كيف ابتعدت عنهم أمريكا وأهملتهم، فأعادوا ترتيب أولوياتهم، والعالم يتغير ويتجه إلى أن يكون متعدد الأقطاب، ببروز دور دول عدة، كالهند مثلاً، ومن ثم فبعض دول المنطقة بات أقل حماسة للانخراط في استقطاب دولي في ظل تنويع شراكاتهم بعلاقات متعاظمة اقتصادياً وسياسياً مع الجانبين الصيني والروسي، معتبرين أن واشنطن تخلت عن الكثير من التزاماتها تجاه المنطقة، سواء في سوريا أوالعراق أوفلسطين أواليمن، خاصة بعد أن أخرجت الحوثيين من قائمة التنظيمات الإرهابية، ما خلف أزمة ثقة كبيرة مع دول الخليج.

كل ما يريده العرب أن تتعامل واشنطن بجدية مع مصالحهم ومخاوفهم وأولوياتهم، وألّا تكون هذه الأولويات غائبة عن أجندة إدارة بايدن، كما هو الحال منذ توليه السلطة، أقصد هنا القضية الفلسطينية وأزمات المنطقة الأخرى، لا سيما التهديدات الإيرانية التي تحاصر الخليج من الشرق والشمال (العراق) ومن الجنوب (اليمن)، وكأنما هنالك للمرة الأولى (هلال إيراني) يهدد الخليج ويتضاعف خطره مع سعي طهران إلى زج المنطقة في سباق تسلح نووي، إضافة إلى صواريخها التي تزود بها جماعة الحوثي كتلك التي استخدمتها في استهداف حقل بقيق ومنشآت مدنية في الإمارات، وبالتالي العرب يريدون من واشنطن أن تحدد أين تقف تجاه حلفائها التقليديين، وقد تكون فرصة لإعادة تجديد الثقة فيها كحليف يعتمد عليه.

بايدن من جانبه أبدى في كلمته قبولاً واستعداداً لتلبية كل هذه المطالب، وتعهد بأنه سيقف بجانب العرب في الكثير مما يقلقهم، وكاد أن يحلف "يمين طلاق" أن إيران لن تمتلك سلاحاً نووياً، لكن يبقى الأمر مجرد كلام نظري في كلمة داخل اجتماع موسع، وفيما يخص القضية الفلسطينية وأثناء وجود بايدن في إسرائيل والضفة الغربية لم يكن لديه ما يقدمه سوى "الكلام"، فبعد أن أمضى ساعة مع أبو مازن في بيت لحم، كانت المحصلة مجرد "كلام"، ومساعدات مالية، بضع مئات ملايين الدولارات للفلسطينيين، ووعود بتسهيل عيشهم على أرضهم المغتصبة، في حين لم يتأخر بايدن عن إطلاق تصريحات مباشرة لتأكيد دعمه اللامحدود لإسرائيل، (4800 مليون دولار)، مع "إعلان القدس"، بما في ذلك تعزيز اندماجها وضمان أمنها وتفوقها النوعي في المنطقة في مختلف المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية والعسكرية، وهذه المرة أراد التجويد فقال معترفاً أنه يعتبر نفسه صهيونياً، ولو أنه غير يهودي، وأكد اعترافه بإسرائيل كدولة يهودية، بينما حديثه الإنشائي عن دولة فلسطينية لم يقرنه بتعيين حدودها في الأراضي المحتلة عام 1967.

طلب بايدن (الوحيد تقريباً) كان رفع الطاقة الإنتاجية من النفط لحساب المصالح الأمريكية والغربية، والعرب في رأيي يستخدمون دبلوماسية النفط بحرفية عالية، لذلك استبعد أن يحصل بايدن على كل ما يريد، فموقف السعودية والإمارات في إدارة زيادة إنتاج النفط، يسير وفق محددات محسوبة بدقة، كما يتعلق بأولويات جديدة فرضتها تفاعلات سياسية سابقة لم تكن أمريكا حاضرة فيها، وفي نفس الوقت استبعد أن تعطي دول المنطقة ظهرها للولايات المتحدة، فالجانب العربي والخليجي يدرك أهمية الدور الأمريكي وتأثيراته الإقليمية والدولية، ويدرك حقيقة وفعالية القوة الأمريكية، فما زالت الأخيرة ضرورية لأمن المنطقة.

 

ليفانت - حسام فاروق

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!