الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
انقسام الجيش الوطني والحاجة لإعادة الهيكلة
أحمد رحال

شكلت الأحداث الأخيرة التي طالت الشمال السوري الغربي بعد غزوة الجولاني لعفرين ومحيطها نصرة لفصيل الحمزات والعمشات، ورقة ومادة وشواهد أثبتت كل ما كان يقال عن هلامية وضعف وتشتت مؤسسات الثورة ومنها مؤسسة الجيش الوطني، وأكدت غياب سلطة القرار عن وزارة الدفاع، وسيطرة الحالة الفصائلية ميدانياً بعيداً عن أي هرمية أو تراتبية تحكم عمله ومفردات تحركاته وتوجهاته.

على مدار السنوات السابقة ظن البعض أن شراء ذمم بعض الأبواق وبعض المأجورين من أصحاب الأقلام المأجورة التي يتحرك مدادها بحجم الدولارات المدفوعة لأصحابها، تشكل حالة دفاع وسلاح بوجه كل من يتحدث عن أخطاء الجيش الوطني وقادته وانتهاكات فصائله، وثروات مزارعه، وتجاوزات أمراء حربه التي طالت أرزاق الحاضنة الشعبية في زيتونها ومعاصرها وبيوتها وحتى أعراضها، لكن تلك الأبواق بان ضعفها وعدم قدرتها، حتى سياسة (تغطية السموات بالقبوات) لم تفلح بتغطية الكم الهائل من الجرائم التي يرتكبها بعض أمراء الحرب الذين يسمون بهتاناً وظلماً بقيادة جيش وطني أو قادة فصائل ثورية.

غزوة الجولاني الأخيرة فضحت المستور، وكشفت عن تحالفات ومؤامرات استطاع تنظيم هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني نسجها مع فصائل تدعي أنها من ضمن الجيش الوطني، ولطالما ظهر قادة تلك الفصائل مكرمين من قبل أعلى هرم القيادة السياسية بصور وفيديوهات مع قادة الائتلاف ورئيس الحكومة المؤقتة، وظهر جلياً ومع تقدم أرتال الجولاني تقاعس فيلق الشام عن أداء مهامه المتمثلة بحماية معبر الغزاوية وتركه مفتوحاً للجولاني بعد مغادرته لمواقعه، ومثله فعل فهيم عيسى قائد حركة ثائرون وفرقة السلطان مراد، عندما رفض مواجهة أرتال الجولاني المتقدمة باتجاه مدينة عفرين، وعندما دخلت تلك الأرتال مدينة عفرين وأعلن الفيلق الثالث التصدي للجولاني بعد انسحابه من عفرين مفضلاً المواجهة في معاقله الأساسية في كفرجنة وشران وقطمة وإعزاز، مع بقاء عدة فصائل تتبع للجيش الوطني داخل مدينة عفرين اعتزلت القتال مرحلياً وأغلقت مقراتها على عناصرها رافضة التعرض للجولاني ومعلنة حياد غير مفهوم، رغم أن أبسط مبادئ الجيش هي عملية المساندة وحماية الظهر وعدم تخلي الفصائل عن بعضها والدفاع المشترك عن مكوناتها.

لكن فداحة الجريمة لم تقف عند حياد بعض الفصائل بل تعداها لانحياز بعضها للقتال ضد مكونات من الجيش الوطني، والمفارقة أنها رفعت علم الجيش الوطني أثناء قتالها فصائل الجيش الوطني، مثل فرقة الحمزات وقائدها سيف بولاد أبو بكر، وفرقة السلطان سليمان شاه وقائدها محمد الجاسم (أبو عمشة)، والفرقة 32 أحرار الشام، وقاطع أحرار الشام بقيادة حسن صوفان، واشتركت كل تلك الفصائل لتقاتل تحت راية التنظيم القاعدي (جبهة النصرة) أو ما باتت تسمى حالياً هيئة تحرير الشام.

إذاً بكل بساطة وبعيداً عن تقييم مدى ثورية الفصائل، يمكن القول إن ما يسمى جيش وطني انقسم لثلاثة أقسام، الأول: اتخذ قرار مواجهة الجولاني في محاولته لاحتلال منطقة غصن الزيتون، والقسم الثاني: انضوى تحت راية الجولاني وقاتل لأجله ضد الجيش الوطني، وقسم ثالث: آثر الحياد وانصرف لمراقبة الأحداث بعيداً عن أي مسؤولية تمليها عليه أبجديات وحدة الصف ووحدة الجيش الذي يقولون إنه يجمعهم مع الآخرين.

أمام هذا الواقع نعود بالزمن لأربع سنوات مضت، خرج فيها الكثير من المنتقدين والمحللين والناشطين والحريصين على مصلحة الثورة، وطالبوا مراراً وتكراراً بإعادة هيكلة هذا الجيش على أسس وطنية، واعتماد المهنية والحرفية، وإيكال الأمور لأهلها عبر الضباط المنشقين مع عدم إهمال القادة الثوريين الأحرار والمشهود لهم، وليس الطلب من الضباط ذوي الخبرة والمعرفة والتجربة أن يكونوا مرؤوسين لجهلة وأميين كما يحصل اليوم، لكن كل تلك المطالبات وجدت (تطنيشاً) واستهتاراً من القائمين على هذا الجيش، والأنكى من ذلك أنهم والتفافاً على تلك المطالب قاموا بتوزيع الرتب العسكرية على غير مستحقيها من المدنيين والجهلة، فكان العمداء والعقداء وغيرها من الرتب العسكرية التي (بخشش) فيها أمراء الحرب على أبواقهم ومطبليهم، ظناً منهم أنهم حققوا انتصاراً بهذا الخداع الذي مارسوه وكان مكشوفاً للجميع، ولم تنطل تلك الألاعيب إلا على المغشية عيونهم وقلوبهم ممن قبلوا استمرار هذا الواقع المزيف، أما وزارة الدفاع فـ يعين لها ضابط ليكون وزيراً شكلياً مهمته تنحصر فقط بالتصوير والبروظة الإعلامية دون أدنى صلاحيات حتى على سائقه وفراش مكتبه، وهو راض بذلك طالما أن راتباً بآلاف الدولارات يصل لحسابه البنكي بنهاية كل شهر، وما ينطبق من كذب وخداع وعدم مهنية في تشكيل وزارة الدفاع ينطبق تماماً على معظم أركان وزارة الداخلية ومعظم وزارة العدل المتلازم عملهما مع عمل وزارة الدفاع، وكذلك بقية الوزارات التي تخضع جميعها لأمراء الحرب من قادة الفصائل.

وبالتالي وأمام هذا الواقع، وأمام هذا التردي بالأداء لحكومة يفترض أنه منوط بها مهام جسام تتكفل بأعباء الثورة ومسؤولة عن أكثر من 5 مليون سوري مهجر ونازح، ومناط فيها أيضاً إبقاء جذوة الثورة متقدة، وحماية (المحرر) والسهر على أمن من فيه، وتأمين الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والأمني، أصبح لا بد من عملية إعادة الهيكلة وإعادة البناء من جديد نظراً للحال التي وصلت إليه الثورة إن بقيت هناك ثورة بعد تصدر هؤلاء للمشهد الأمني والعسكري والقضائي وحتى السياسي.

وضرورة إعادة البناء مع إعادة الهيكلية ليس فقط كنتيجة لما حصل من تشظي بمكونات الجيش الوطني بأحداث غزوة الجولاني، بل بعد الجرائم التي تكشفت بصفوف فصائل هذا الجيش، لتضاف لجرائم سابقة عملوا جميعاً على طمسها وآخرها ما أقرته وأكدته وأفرزته لجنة رد المظالم، وما ظهر في سجن الزراعة من جرائم وانتهاكات وما خفي أعظم بعشرات السجون والمعتقلات التي أقامها أمراء الحرب بمواقع مختلفة بالدويلات التي تقاسموها، عدا عن جرائم القتل والاعتقال والاغتيال والتغييب القسري وكم الأفواه التي طالت الكثير، ومعظمها كانت تتم تغطيتها وإخفاؤها بالتشارك بين أمراء الحرب، لكن الخلافات البينية دفعت لاكتشاف خلية اغتيال الشهيد الإعلامي محمد أبو غنوم وزوجته وجنينها التي نفذت تحت شعار "هيك بدو المعلم"، والسؤال: كم جريمة ارتكبها أمراء حرب الجيش الوطني وكانت تحت هذا العنوان؟

مظاهرات مدن وبلدات وقرى الشمال أظهرت بوضوح رفض الحاضنة الشعبية والحراك المدني لدخول تنظيم الجولاني لمناطق الشمال، وأفردت لوحات حملت مطالب الحاضنة الشعبية بإعادة هيكلة القيادة السياسية، وإعادة هيكلة الحكومة والوزارات وخاصة وزارات الدفاع والداخلية والقضاء، ومن ثم فتح تحقيق بكافة الجرائم التي نسبت بتحقيقاتهم (الخرندعية) لمجهول، أو لتنظيمات داعش وغيرها من الشماعات الجاهزة للتستر عن جرائم ارتكبوها بأنفسهم، ومن ثم إعادة رسم عقيدة هذا الجيش وتوجهاته والتزامه بتحقيق أهداف وتطلعات حاضنة الثورة، وإعادة رسم شكل العلاقة مع الحليف التركي الذي لا يمكن الاستغناء عنه بحكم الجغرافية وبحكم المصالح المشتركة، تلك العلاقة الضرورية جداً للثورة السورية لكن تحت شعار التشاركية وليس التبعية، وضمن إطار القواسم المشتركة التي تجمع الشعب السوري بالشعب التركي الصديق، المبنية على احترام متبادل وخصوصيات لا يمكن للطرفين تجاوزها، مع احترام كامل السيادة التركية.
 

ليفانت - أحمد رحال

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!