-
بالوثائق.. كيف خططت جماعة الإخوان لاحتلال مصر عبر بوابتها الشرقية؟
رشا عمار - ليفانت
مضت الأيام الأخيرة في حكم مصر شديدة الظلام والارتباك على جماعة الإخوان، التي فشلت، رغم المحاولات المستميتة داخلياً وخارجياً في الإبقاء على رأس السلطة التنفيذية بالبلاد، وسرعان ما اقتلعت رياح الثورة الشعبية الغاضبة جذور التنظيم الممتدة في أعماق المجتمع المصري، باستغلال الشعارات الدينية والدعوة إلى الله على مدار سنوات، فكان رد التنظيم حاضرًا، بالإعلان من أعلى منصة اعتصام لأنصاره في منطقة مدينة نصر (شرق القاهرة)، وعلى لسان أبرز قادته، محمد البلتاجي، أن مسلسل جديد من العمليات الإرهابية قد بدء من شمال سيناء ولن يتوقف إلا بعودة "محمد مرسي" للحكم.
لم تنجح ثورة 30 حزيران/يونيو في مصر فقط بإزاحة الإخوان عن الحكم، لكنها أسقطت عنهم ثوب الادعاء بالحق، والتأثير بالمظلومية، وكشفت عن أكبر مخطط إرهابي استهدف البلاد سعت الجماعة لتنفيذه بالتنسيق مع جهات خارجية وتنظيمات إرهابية مثل داعش والقاعدة، واستهدف المؤسسات المدنية والعسكرية.
مخطط سخّر التنظيم الدولي للإخوان، مدعوماً من دول عدة، وبمقدّرات مالية ولوجستية ضخمة من أجل تنفيذه، حيث اعتمد على الإرهاب كركيزة أساسية لعودة الإخوان للحكم، مدعوماً بالأذرع الإعلامية والدعائية المضللة وكذلك منظمات دولية احترفت تصدير صورة التنظيم باعتباره ضحية وليس مجرم.
وترسم وثائق قضائية وتنظيمة حصلت عليها "ليفانت"، تشمل اعترافات لعناصر التنظيم المتورطين بتنفيذ عمليات إرهابية داخل مصر، خريطة واضحة للمخططات التي نفذتها الأذرع المسلحة للجماعة، ومصادر تمويلها التي اعتمدت على الخارج بنسبة كبيرة، كما تكشف الوثائق طبيعة التنظيم الذي جرى بين الإخوان وحركة حماس لتهريب الأموال والأسلحة عبر الأنفاق، إلى الحركات المسلحة في شمال سيناء شرقي البلاد، ومخطط السيطرة على المحافظة التي تقع على الحدود المصرية، تمهيدًا لإعادة الجماعة للحكم بقوة السلاح منها إلى عدة مناطق أخرى وصولاً للعاصمة.
رحلة الصنايق المفخخة من اسطنبول إلى القاهرة
عام 2013، وبينما كانت الأحداث في مصر تتصاعد بشكل كبير بعد سقوط جماعة الإخوان الإرهابية عن الحكم، وبأحد الفنادق على بعد بضعة كليومترات من مطار أتاتورك، كانت وفود لأعضاء من جماعة الإخوان من شتى بلدان العالم، أبرزهم راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة في تونس، وإبراهيم منير الأمين العام للتنظيم الدولي للإخوان ومدير مكتب الجماعة في لندن، ورجل الأعمال الإخواني غالب همت وغيرهم، قد وصلت للتو لعقد اجتماع لمناقشة "أزمة ما بعد السقوط".
الاجتماع الذي وضع خريطة التنظيم للتعامل مع الأزمة بالإرهاب، واستغلال الإعلام لنشر الفوضى محليًا، واستدعاء حالة "المظلومية التاريخة" دوليًا، حيث وضع الإعلام إلى جانب الإرهاب، كأحد أهم أدوات إعادة الجماعة "الساقطة"، بحكم الثورة الشعبية إلى المشهد السياسي في مصر.
وبعد أيام من الاجتماع الذي وضع خطة الدعم المادي واللوجيستي لعودة الإخوان للحكم خلال بضعة شهور، بدأت الأذرع المسلحة للجماعة، والتي بلغ عددها في هذا التوقيت نحو 13 حركة، أبرزها "حسم" و"لواء الثورة"، المصنفتين إرهابيتين على قوائم الإرهاب الأمريكية، وتنفيذ مجموعة من العمليات على امتداد القطر المصري، كان لسيناء النصيب الأكبر منها بواقع 571 عملية.
ووفقاً لدراسة حديثة صدرت عن مركز ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان المصري، شهد النصف الثاني من عام 2013، وهى الفترة التي أعقبت سقوط الإخوان في مصر، 232 عملية إرهابية (خلّفت 195 شهيداً من الجيش والشرطة، و802 شهيد من المدنيين)، و182 عملية إرهابية في 2014 (خلّفت 157 شهيداً من الجيش والشرطة، و41 مدنياً)، و310 عمليات إرهابية في 2015 (خلفت 178 شهيداً من الجيش والشرطة، و318 مدنياً)، و243 عملية إرهابية في 2016 (خلّفت 273 شهيداً من الجيش والشرطة و79 مدنياً)، و169 عملية إرهابية في 2017 (خلّفت 185 شهيداً من الجيش والشرطة و144 مدنياً)، بنسبة بلغت 42% من الجيش والشرطة، و85% من المدنيين، وفي ما يتعلق بالمصابين، فكانت نسبتهم في صفوف الجيش والشرطة 15%، و85% في صفوف المدنيين.
السلاح العابر من حماس إلى المصريين عبر الإخوان
تشير الوثائق القضائية التي حصلت عليها "ليفانت"، إلى تعاون عسكري ولوجيستي مكثّف بين إخوان مصر، وحركة حماس لتنفيذ عمليات إرهابية في سيناء، كما توضح معلومات مفصلة عن تهريب الأموال من مصر والسودان عبر قيادات الإخوان لحماس، بهدف تمويل نشاط الجماعات المسلحة في شمال سيناء.
ووفقاً للوثائق القضائية، تولى الإخواني "هشام أبو كتيفة" مسؤولية نقل الأموال إلى حماس عبر الأنفاق بهدف شراء الأسلحة للعناصر الجهادية، ودفعهم للتسلل لسيناء ومدن أخرى لتنفيذ عمليات إرهابية.
في 2014 تمكنت قيادات إخوانية، على رأسهم، "كرم عبد الوهاب" و"فاتن إسماعيل" من جلب كمية كبيرة من السبائك الذهبية من دولة السودان عن طريق متجر النوران للمصوغات الذهبية، المملوك للأخير، ثم تهريب الذهب والأموال عبر الأنفاق أيضاً لصالح حركة حماس مطلع عام 2014، تمهيداً لإمداد الجماعات الإرهابية بشمال سيناء بالأسلحة والمتفجرات، للسيطرة على محافظة شمال سيناء.
ووفقاً للوثيقة القضائية، شارك في عملية التهريب مجموعة من المتهمين، هم "عزت عبد الهادي سليمان عبد الهادي" وشهرته (عزت حلاوة)، و"رضا محمود عبد الله" وشهرته (رضا الروبي)، وهما غير منتمين للجماعة ولكن تعاونوا معها، ومن عناصر التنظيم، "عطوة سليمان إبراهيم أبو رياش"، "حسن سليمان سلامة"، "أحمد ميراز عبد العال"، وشقيقه "محمد ميراز".
عملاء إيران وتركيا وقصة صناعة الفوضى بمصر
بحسب الوثائق، اعترف المتهم الأول "كرم عبد الوهاب" أمام نيابة أمن الدولة العليا بمصر، إن "إجمالي ما اشترك في تهريبه من الذهب يقدر بمائة وخمسين كيلو جرام بقيمة حوالي تسعة وثلاثين مليون جنيه مصري".
وتطابقت المعلومات التي أوردتها الوثائق من اعترافات المتهمين، مع ما ورد في تحقيقات نيابة أمن الدولة بمصر في القضية المعروفة إعلامياً باسم "التخابر مع حماس"، حيث أثبتت الأوراق وجود تعاون بين حماس والتنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية وحزب الله اللبناني، وثيق الصلة بالحرس الثوري الإيراني لتنفيذ مخطط للفوضى بمصر، عن طريق تهريب السلاح والمتفجرات للجماعة الإرهابية بسيناء من جهة الحدود الشرقية عبر الدروب الصحراوية، وفق ما نشرته تقارير متابعة التحقيقات.
اقرأ المزيد تركيا تطارد الإخوان و«داعش» كلمة السر.. «ليفانت» تنشر القصة كاملة
وفي الفترة ما بين 2012 حتى 2014، تسلل المئات من عناصر جماعة الإخوان إلى قطاع غزة عبر الأنفاق، لتلقى التدريبات العسكرية اللازمة بمعسكرات حركة حماس على يد عناصر من الحرس الثوري الإيراني، وعادوا بعدها إلى مصر لتنفيذ عمليات إرهابية تخدم مصالح الإخوان لإسقاط الدولة المصرية عقب ثورة 30 يونيو/حزيران، وفقاً لما رصدته تقارير أمنية مصرية.
وتوثق أوراق قضية "التخابر مع حماس"، المتهم فيها عدد كبير من عناصر تنظيم الإخوان، أبرزهم "محمد بديع" المرشد العام، و"محمد مرسي"، و"خيرت الشاطر" وغيرهم، حيث ثبت وقوف الإخوان خلف حماس لمساعدتها على تنفيد العمليات الإرهابية التي حدثت في سيناء.
ولم يتوقف التعاون بين حماس والإخوان عند الدعم اللوجيستي والمالي، لكن الجماعة استغلت تواجدها بالسلطة في مصر لتسريب معلومات سرية وعسكرية إلى حركة حماس، وحزب الله اللبناني، والحرس الثوري بإيران، فيما وصفته الصحافة المحلية بمصر "مكافأة الوصول إلى السلطة"، وهو ما جرى التحقيق به من جانب القضاء المصري.
ويقول الكاتب الصحفي المصري، "هاني عبد الله"، وهو متخصص بشؤون الإرهاب، ورئيس تحرير مجلة روزاليوسف سابقاً، إنه "بالتزامن مع حملة تصعيد العنف فى الشارع المصرى (عبر الضغط وتوجيه الرأى العام ضد الدولة من الخارج)؛ كان ثمة عديدٌ من التحركات التى ينظمها عددٌ من "إخوان تركيا" بالتعاون مع وكالة الاستخبارات القومية التركية هناك، للغرض نفسه، إذ مرت الجماعة الإرهابية (فى الخارج) بأكثر من مرحلة فى هذا السياق، منذ بدايات العام 2016".
ويوضح عبدالله لـ"ليفانت" إنه "بالتزامن مع دعم عديد من أجهزة الاستخبارات لتأسيس كيانات حركية عنيفة من شباب الإخوان، فإن قيادات التنظيم الهاربة بتركيا، هى الأخرى (عبر الأجهزة الاستخبارية ذاتها) كانت ولاتزال تحاول حشد (منافذ التنظيم الإعلامية) لتهيئة الرأى العام لتقبل هذا العنف وتبريره".
من جانبه يرى الباحث المصري المتخصص بالحركات الإرهابية "عمرو فاروق" إن "تعامل جماعة الإخوان مع الدولة المصرية يهيمن عليه النسق والسلوك الانتقامي الثأري، لكونها لم ولن تنسى أبداً سقوط مشروعها الديني والسياسي على أيدي المصريين، بعدما تحقق حلم الوصول للسلطة، ومن ثم فشل بقائهم على قمة المشهد".
ويوضح إن "سعيهم ومختلف تحركاتهم وأهدفهم يتمحور حالياً نحو مشروع الهدم، وليس البناء، وهي استراتيجية واضحة المعالم في نهج الإخوان وتيارات الإسلام السياسي الجهادي، وفقاً لنظرية (النكاية والإنهاك)، أو (النكاية والإرباك)"، وتعني السقوط والإنهيار، مثلما طرحها كتاب (إدارة التوحش)، الذي استلهم فكرته من نظريات سيد قطب.
اقرأ المزيد سقوط محمود عزت يعزّز فرضيات نهاية الإخوان في مصر
ويشير "فاروق" إلى أن المنطلق الأيدلوجي المسيطرة على الإخوان ليس الأيدلوجية الدينية أو الأيدلوجية السياسية، لكنها "الأيدلوجية النفسية"، التي تنتظر لمصر الهلاك مشمولاً بفكرة العقاب الإلهي، شفاء لغليل صدور قيادات الجماعة وعناصرها.
الحرب السيبرانية.. ذراع آخر قوية للإرهاب الإخواني
في خضم الإرهاب، لم تكن مهمة الإعلام الإخواني في نشر الفوضى وقلب الحقائق أقل خطورة أو أهمية من العمليات الإرهابية، وبالتوازي مع تنفيذ تلك العمليات كانت الكتائب الالكترونية الإخوانية تمارس أعلى مهمات للترويج للشائعات وإثارة الفوضى وتبيّض وجه الجماعة.
حيث تلقي الوثائق التنظيمية، التي حصلت عليها "ليفانت" بظلالها على خلاف حاد، يمكن وصفه بـ"الاقتتال الداخلي" بين قيادات التنظيم، مجموعة "محمود عزت" من جهة، و"الكماليون" أتباع "محمد كمال" قائد الجناح العسكري السابق للتنظيم، من جهة أخرى، للسيطرة على الإعلام، وتبرز الوثائق مراحل المعركة التي حسمت لصالح "محمود عزت" و"صقور الجماعة".
ووفقاً للوثائق، فإن خلافاً حاداً نشب بين المجموعتين بهدف السيطرة على المنافذ الإعلامية للإخوان، بالتزامن مع الصراع بين الجبهتين للسيطرة على الجماعة ومصادر التمويل، بيد أن مقتل "محمد كمال" في العام 2016 بعد مواجهات دامية مع الشرطة المصرية، حسم الأمر لصالح مجموعة "محمود عزت"، فيما استمر خلاف، تحت السطح، حيث تسبب في انشقاق المئات وخروجهم من عباءة التنظيم.
وترسم الوثائق خريطة كاملة للعمل الإعلامي لتنظيم الإخوان في مصر منذ مطلع عام 2014، حيث اعتمد على محورين رئيسيين، الأول تأسيس شبكة إعلامية تضم قنوات تلفزيونية ومواقع إخبارية ضخمة، وتأسيس شراكات مع عدد من الصحف والمجلات والمواقع الإخبارية الدولية، ذات المتابعة الكبيرة والثقة لدى الجمهور، من خلال المساهمة المباشرة أو ضخ الإعلانات والمقالات المدفوعة.
ويعتمد المحور الثاني على تأسيس شبكة ضخمة للإخوان تبث المحتوى (الذي يحث على الفوضى وينشر الشائعات عن مصر والمنطقة العربية)، عبر صفحات التواصل الاجتماعي، والاعتماد على شخصيات بارزة ودولية وتحظى بمتابعات مليونية لبث الأخبار والأفكار المسمومة من خلالها.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!