الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
بعد قرن..  هل يتكرر تأريخ الثورة السورية الكبرى
هدى سليم المحيثاوي

من المعلوم أنَ الثورة السورية الكبرى التي قامت ضد الانتداب الفرنسي في العام 1925، بقيادة ثوار جبل العرب، كانت قد بدأت احتجاجاتُها منذ العام 1920، في مناطقَ سوريَة أخرى، إلاَ أنَ ذلك لم يمنع زعماء المناطق السورية كافة، من تغليب المنطق الوطني وتسليم القيادة للقائد الدرزي سلطان باشا الأطرش، في مواجهة المنطق الديني-الطائفي الذي عَمِل الانتدابُ على زرعه، من خلال تقسيمه الأرض السورية إلى خمس دويلات.

يأتي الحراك في محافظة السويداء في الجنوب السوري، ودخوله الأسبوع الثالث على التوالي بمشاركةٍ نسائيةٍ مُلفِتة، وبعد اثني عشر عاماً منذ انطلاق الثورة السورية الثانية (ثورة عام 2011)، ضمن نفس المنطق الوطني الذي ساد انطلاق الثورة السورية الكبرى، وكذلك أيضاً ضمن نفس الظروف والسياسة المُطَبَقة، بعد محاولات التقسيم الديني والطائفي والعرقي التي مارسها نظامُ الأسد في سوريا، وكذلك محاولة تأويل الثورة في بُعدٍ ديني.

أهمية الحراك الحالي في السويداء تأتي من نقطةٍ ذي وَجهَين، كانت العمادَ الأساس، الذي بنى عليه نظامُ الأسد خطابه الإعلامي.

 الوجه الأول، هو في قيام أقليةٍ دينية (بحسب مصطلحات النظام) في تبني طريقة التعبير ذاتها التي اتبعها أبناءُ الشعب السوري، في التعبير عن رفضهم للسلطة الحاكمة منذ عام 2011، وهي المظاهرات، بعدَ أن عبَر جبلُ العرب ومنذ العام 2013، عن رفض إراقة الدم السوري أو الاشتراك فيه، بامتناعه عن إرسال أبنائه لمشاركة الجيش، الذي جيَره نظام الأسد لخدمة مصالحه بعيداً عن مصالح الدولة السورية، ولتكونَ عملياته ضد أبناء المحافظات السورية بدلاً من مواجهة عدوٍ خارجي، وتأتي أيضاً شاملة هذه المرة، من حيث المشاركة الشعبية وتواليها يومياً في الساحات دون انقطاع، بعد أن اقتصرت قبلَ ذلك، على محدوديةٍ عددية واحتجاجاتٍ متفرقة، ليأتي هذا الحراك ويهدَمُ ما جَهِد النظام السوري لتصويره داخلياً وخارجياً عن فكرة حماية الأقليات، والتأويل الديني للثورة.

من جهةٍ مُقابلة، فإنَ العَلم الذي رفعَه أبناءُ السويداء، وهو العلم الخاص الممثل للطائفة الدرزية التي ينتمون إليها، رُفع بعد ذلك في العديد من المناطق السورية الأخرى للتعبير عن دعمهم وفرحهم بهذا الحراك، كاستمرارٍ لما بَدَأ منذ العام 2011، عدا عن الأعمال الفنية العديدة لفنانين من مختلف المناطق السورية، تَبَنَت حتى ألوان العلم العديدة في رسوماتهم، كتعبيرٍ عن التعددية وليس العكس، ليتحولَ علمُ الأقلية إلى علمٍ جامع، وعلم الدولة إلى علمٍ طائفي، والإشارةُ هنا إلى الطائفة الأسدية وليس العلوية، إذ من الضروري التأكيد أن نظام الأسد كانت رؤيته أضيق حتى من الطائفية، ولم يتعدى تمثيلُه للمصالح خلال الخمسين عاماً، نطاقَ المصالحَ الأسدية، وليتجلى أنَ الرايةَ الوطنية الحقيقية، تستمدُ مشروعيتَها من الأفعال الوطنية التي تُمارسُ تحت لوائها.

إنَ تبني أبناءَ سوريا للعلم الأخضر، أتى بعد أن نجح النظام وبعد احتجاجاتِ عام 2011، بربط العلم الرسمي للدولة، بكافة عمليات القتل والتهجير والاعتقال التي مارسها على كل مَن قام أو هلَلَ للاحتجاجات ضده، ولتتم تحته وبشكلٍ مقصود، كافة الممارسات التي أراد بها قمعَ مطالبِ الشعبِ وثنيه، ليرتبط ذاك العلم في المخيال السوري بتلك العمليات، وليبتعد عن رمزيته الأساسية.

تحت مظلة علم الطائفة، الذي ترمز ألوانه، وبحسب دراسةٍ فرنسيةٍ نقلها ووصل إليها الصحفي السوري نورس عزيز، إلى فتراتِ أنبياءٍ بدأت بالنبي نوح، وصولاً إلى النبي محمد (ص)، رُفعت ذاتُ مطالبِ العام 2011، وغيرُها من المطالب التي عبَرت عن السوريين جميعهم، من إسقاط النظام ومطالب الحرية والمعتقلين وإخراج المليشيات الإيرانية وإنهاء كافة الاحتلالات، وحتى الأوضاع الاقتصادية التي كانت بأساسها نتيجةً للفساد، ليس إلاَ.

وبهذا يُعيدُ تأكيدَ مشروعيةِ انطلاق الثورة في العام 2011، كنتيجةٍ طبيعيةٍ وحتمية للاستبداد، وتحويل دولةٍ بكاملِ تاريخها وتنوعها الثقافي والبشري والجغرافي والاقتصادي، إلى مركز مخابراتٍ ليس إلاَ، وإلى ساحةٍ لأي نفوذ يمكن أن يحميه شر السقوط.

يُعيدُ حراك السويداء تأكيدَ أنَ الصوت الأساس والموَجِه، هو صوتُ الساحات أولاً، التي تصدح بصوت المتظاهرين بالمطالب المُحقة، ثم يأتي صوت السياسيين والنخبة المثقفة وليس العكس، والأَولى أن تتبع هاتان الشريحتان، الصوت الحقيقي للناس وتمثله خيرَ تمثيل. وإذ تمكنت عواملُ كثيرة من حَرفِ صدى هذا الصوت بعد العام 2011، يسودُ الحذر والالتزام في التعاملِ مع هذا الحراك، بعد نضوجِ الرؤية أكثر والتعلم من أخطاء الماضي.

عاد الحراك ليخلق الأمل والفعل الحالِم الإيجابي، وليؤكد فكرة الاستمرارية من أجل الوصول لأهداف الثورة، تحت مظلة مطالبٍ تُعبر عن الوجدان السوري بكامله، وربما لم يتبقى سوى التحاقُ أحفاد صالح العلي، حتى يُعادَ تجسيدُ عام 1925، مرةً جديدة.

ليفانت: هدى سليم المحيثاوي

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!