-
تركيا "المُدافعة عن نفسها" أم "الغازية" لـ شمال سوريا؟
أكد مصدر أمني تركي اليوم الاثنين، أن أنقرة ملتزمة تماماً بالاتفاقات التي أبرمتها مع روسيا والولايات المتحدة بخصوص شمال شرق سوريا، وأنها لن تستأنف هجومها العسكري هناك، مردفاً إن أنقرة ترد على هجمات "وحدات حماية الشعب" في المنطقة في إطار الدفاع عن النفس.
وعقب شنها هجوماً على مناطق قوات سوريا الديمقراطية في التاسع من أكتوبر الماضي، توصلت أنقرة إلى اتفاقين منفصلين مع موسكو وواشنطن لإبعاد مقاتلي "وحدات حماية الشعب" من منطقة في شمال شرق سوريا على الحدود مع تركيا، مُقابل وقف هجومها العسكري على قسد.
غياب المُبرر..
ولكن، منذ بداية هجومها على شمال سوريا، في التاسع من أكتوبر الماضي، لم يبدو أن أنقرة قد قدمت حججاً مقنعةً للعالم في سبيل تبرير هجومها على قسد، إذ تمتعت الأخيرة بصورة إيجابية في الوعي الجمعي العالمي، نتيجة دورها البارز في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، بدءً من معارك كوباني وصولاً إلى الباغوز، حيث تم إنهاء التنظيم رسمياً في الثالث والعشرين من آذار العام 2019، كوجود عسكري وجسم إدراي، نتيجة تعاون قسد مع التحالف الدولي بريادة أمريكا.
وفي هذا السياق، كان رئيس مركز أبحاث "إيدام" في إسطنبول "سنان أولجين" قد حذّر مع بدء الهجوم التركي على شمال سوريا، من أن رجب طيب أردوغان يطمح لاحتلال شمالي سوريا بأكمله وضمه لبلاده، وتكرار سيناريو عفرين، موضحاً خلال تصريحات لصحيفة "ليبراسيون" الفرنسية أن العدوان التركي على شمالي سوريا ستكون له تداعيات خطيرة على السياسة التركية الداخلية والأزمة الاقتصادية، بجانب القضاء على فرص استئناف مفاوضات السلام مع الأكراد في تركيا.
وقال "سنان أولجين" في التاسع من أكتوبر، أن أردوغان يسعى من وراء هذه العملية لتكرار سيناريو عفرين، وإنشاء منطقة نفوذ لتوطين اللاجئين السوريين، وتابع "بعد أسبوع من تهديدات ومراوغات، تغزو تركيا سوريا للمرة الثالثة، بعد احتلال عفرين مطلع ٢٠١٨، وعمليات جرابلس أغسطس ٢٠١٦ التي تسببت في تهجير الأكراد، واستبدالهم بعشرات الآلاف من اللاجئين السوريين".
رفض عربي..
معطيات يبدو أن المحيط العربي كان قد أدركها، ولخصها حينها الدكتور مشعل بن فهم السلمي، رئيس البرلمان العربي، في التاسع من أكتوبر، بإدانته بأشد العبارات في بيان أصدره ووصف فيه الفعل التركي بأنه يُعد تعدياً سافراً على سيادة واستقلال دولة عربية، وانتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي والأعراف الدولية، وخرقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي وعلاقات حُسن الجوار.
وأكد السلمي حينها أن الهجوم التركي مُدان ومرفوض ويُعد تهديداً خطيراً للأمن القومي العربي ويُعرض أمن واستقرار المنطقة والأمن والسلم الدوليين للمخاطر، مطالباً المجتمع الدولي بتحمل المسؤولية واتخاذ خطوات عاجلة لإلزام الجمهورية التركية بالوقف الفوري لهذا العدوان وسحب قواتها من جميع الأراضي السورية.
إدانة إسلامية..
أدانت جهات إسلامية عدة الهجوم على شمال سوريا كـ مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، والذي أعتبر أن "الاعتداء التركي على شمال الدولة السورية فيما سمي بـعملية (نبع السلام)... تستهدف الأبرياء والمدنيين ويعد اعتداءً على وحدة التراب السوري إلى جانب المسعى التركي نحو السيطرة على جزء من أراضي دولة مجاورة".
وأشار المرصد إلى أن "تركيا في إطار تلك العملية تتحالف مع جماعة الإخوان الإرهابية بسوريا، حيث يسعى التنظيم الدولي للإخوان إلى تقسيم الدولة السورية ووضع أجزاء منها تحت الوصاية التركية، ويتولى فصيل الجيش السوري الحر الإرهابي تنفيذ هذا المخطط مع النظام التركي، وهذا يندرج ضمن سياسة الإخوان التي تعتمد على الكذب والتضليل لتنفيذ مخططهم التقسيمي بسوريا".
استهجان أوروبي..
تقاطرت الإدانات الغربية، حيث أدانت كل من فرنسا وبريطانيا وهولندا وإيطاليا، والكثير غيرهم، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي الهجوم التركي، محذّرة من تداعياته على المنطقة، واستقرارها، فضلاً عن مساهمته في مفاقمة الأزمة الإنسانية في البلاد التي مزقتها الحرب، في الوقت الذي حثَّ فيه الاتحاد الأوروبي تركيا، على وقف عمليتها العسكرية في شمال سوريا، قائلاً إنه يرفض خطط أنقرة لإقامة منطقة آمنة للاجئين، ولن يقدم أي مساعدات هناك.
وقالت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وعددها 28 دولة، في بيان مشترك، في العاشر من اكتوبر، إن "الاتحاد الأوروبي يدعو تركيا لوقف العملية العسكرية التي تنفذها من جانب واحد.. فما يسمى بالمنطقة الآمنة في شمال شرقي سوريا، التي لن تفي على الأرجح بالمعايير الدولية لعودة اللاجئين".
حدية إعلامية..
فيما تعاطت الصحافة الغربية بحدية مع الهجوم التركي، فاعتبرت مجلة كـ "لوبوان" الفرنسية أن رجب طيب أردوغان خان حلفاءه الغربيين ببدء عمليات عسكرية على الشمال السوري، وقالت إنها تعد بمثابة هدية لإيران وحلفائها في المنطقة ولتنظيم داعش الإرهابي، وتحت عنوان "بالنسبة لأردوغان.. البقاء على قيد الحياة يمر بخيانة حلفائه"، ورأت المجلة الفرنسية أن هذا العدوان العسكري التركي المباشر في شمال سوريا، يمثل كارثة لمصالح الغربيين وهدية لخصومهم وأعدائهم الرئيسيين في المنطقة؛ "إيران" وتنظيم "داعش" الإرهابي، برحيل الأمريكيين وضعف الأكراد.
وقالت المجلة الفرنسية: "من خلال هذه العملية التي تمت تسميتها بلا خجل (نبع السلام) يسعى أردوغان أولاً إلى ضمان بقائه السياسي عبر التخلي عن مصالح حلفائه في الناتو"، مشيرة إلى اتباعه المبدأ الميكافلّي الذي يرى أن الغاية تبرر الوسيلة، حتى ولو كانت على جثث الأبرياء، ووفقاً للمجلة الفرنسية، فإن إحدى الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، المزودة بطائرات أمريكية من طراز "إف-16" قصفت قوات سوريا الديمقراطية أفضل حليف للغرب في حربها ضد تنظيم "داعش" الإرهابي.
فيما رأت صحيفة "فورين بوليسي" أن ذلك الأسبوع الذي شهد الهجوم التركي "شهد حدثاً نادراً في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، وهو اتفاق بين كل دولة إقليمية تقريبًا باستثناء تركيا، على أن توغل تركيا في شمال سوريا لا يهدد مستقبل الأكراد فحسب، بل يهدد أيضاً الاستقرار الأساسي للبلد بأسره، وهكذا، فإن أوضح نتيجة لقرار الولايات المتحدة بالانسحاب كانت ضماناً لأن الصراع المستمر منذ ثماني سنوات سيستمر دون أي نهاية في الأفق".
دفاع أم غزو..
ومن اللافت أن تستخدم دولة كتركيا هي الثانية في الناتو وفق تصنيف الأخيرة، تعبير "الدفاع عن النفس"، في مواجهة قسد، علماً أن جميع المناطق التي يجري الصراع فيها هي أراضي سورية، بمعنى أن أنقرة قد سحبت من تحتها بساط تلك الحجة، كونها باتت في موقع المعتدي وليس المعتدى عليه، وفي موقع الغازي وليس المدافع عن نفسه، يقول مراقبون.
فالهجوم التركي الذي أرادت له أنقرة الظهور بموقع الضحية، لم ينجح فيه الأتراك فيما يبدو بذلك، بدليل الإدانة الواسعة التي تعرضت له، والتي دفعتها في نهاية المطاف لوقف نظري لعملياتها العسكرية الواسعة، مُبقيةً في الوقت عينه على هجمات محدودة، تقضم من خلالها الأراضي السورية بشكل تدريجي.
مواصلة الهجوم التركي..
يوم أمس فقط، كانت القوات التركية على وشك إطباق سيطرتها مع الفصائل السورية الموالية لها والمعروفة بمسمى "الجيش الوطني السوري"، على مدينة عين عيسى، التي تتمتع بأهمية رمزية كبيرة لـ الإدارة الذاتية، كونها العاصمة المفترضة لها، نظراً لموقعها الجغرافي الذي يتوسط مجموعة مناطق خاضعة لها، كـ كوباني وتل ابيض (سابقاً)، والرقة وغيرها، لولا تدخل روسي أجبر فيما يبدو الاتراك على الإيعاز لمسلحيها بالانسحاب لمسافة 2كم بعيداً عن المنطقة.
هجومٌ دفع مجلس سوريا الديمقراطية، لإصدار بيانٍ، إتهم فيه الجانب التركي بمواصلة تنفيذ مخططاتها الرامية، لـ "قضم الأراضي السورية واحتلالها بشكل تدريجي، وذلك عبر حجج واهية وكاذبة تريد من خلالها خداع العالم"، مشيراً إلى أن الهجوم على عين عيسى، الخارجة من الاتفاق بخصوص إقامة منطقة آمنة بعمق 32 كلم، يهدف بشكل أساسي للسيطرة على الطريق الدولي” M 4″، وفصل الشمال السوري عن شرقه.
ويبدو أن أياً كانت الحجة الأنسب لها، فسوف تعمل تركيا على استخدامها بغية تبرير هجومها على شمال سوريا، والتي تحولت بالمحصلة من المنطقة الأكثر أمناً على مدار ثمان سنوات من الحرب السورية إلى أخرى لم تعد تشبه ماضيها الذي كان حتى الثامن من أكتوبر، إذ باتت تقترب فيما يبدو من أن تكون منطقة منكوبة لا آمنة.
ليفانت-خاص
متابعة وإعداد: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!