الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • تركيا من صفر المشاكل إلى صفر الأصدقاء داخل الناتو

تركيا من صفر المشاكل إلى صفر الأصدقاء داخل الناتو
تركيا

يبدو أنّ وجود تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، قد يضحى موضع شك في الأعوام القادمة، مع مواصلة أنقرة اللعب بالنار مع مجموعة من الحلفاء المفترضين المتواجدين في ذات الحلف، الموجّه بشكل خاص إلى مواجهة روسيا ومخاطرها.


ورغم أنّ الدول الأوروبية وواشنطن تحاول التخفيف من حدة مواقفها تجاه أنقرة، إلا أنّ الأخيرة تثبت بجدارة أنّها ناجحة جداً في خسارة الأصدقاء، وأنّها تحولت بشكل فعلي من إستراتيجية صفر مشاكل إلى صفر صديق داخل الناتو ذاته.


انزعاج غربي متصاعد


ولعل أبرز معالم التوتر بين أنقرة وبقية دول الحلف، كانت قد أتت على خلفية صفقة الصواريخ الروسية أس-400 المثيرة للجدل، وتلويح واشنطن بفرض عقوبات على النظام التركي، كون الصفقة تشكل خطراً أمنياً على الناتو، خاصة وأنّ تركيا تشارك في عملية تصنيع المقاتلات أميركية الأف 35.


ثم أتى الاحتكاك بين سفينة فرنسية وأخرى تركية، قبالة السواحل الليبية، أوائل شهر يونيو الماضي، وهو ما دفع مركز دراسات دفاعية بريطاني للتنبيه إلى عدم وجوب التقليل من أهميته الحادث، الذي جاء نتيجة ما وصف بـ”استفزازات” السفن التركية، وقال المركز إنّه يعكس الانقسام الإستراتيجي بين دول حلف الناتو، حيث نوّه التقرير الذي كتبه الجنرال البحري المتقاعد، باتريك تشيفاليرو، المستشار السابق لوزير الدفاع الفرنسي، إلى أنّ الحادث مماثل بخطورته لقيام تركيا بغزو جزيرة قبرص عام 1974، الذي لم يؤثر على وحدة الناتو بسبب التهديد الوجودي للاتحاد السوفييتي في تلك الفترة.


اقرأ أيضاً: العقوبات على إيران.. تتأرجح بين إصرار أمريكي ومُعاضدة روسية


مردفاً أنّ الظروف تغيرت بشكل كبير الآن، بشكل خاص نتيجة المواقف الكارثية للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي أصبحت تهدد مصداقية الناتو، والتزام واشنطن باتخاذ أي عمل ضد دولة عضو تهاجم أو تهدّد دولة أخرى في الحلف، حيث رأى الكاتب في التقرير الذي نشر في نهاية يوليو الماضي، أنّ تدخل أردوغان “الاستبدادي” في ليبيا وإرساله مقاتلين متشددين يعزّز صورة تركيا على أنّها دولة إمبريالية باتت تشكل خطراً أمنياً على مصالح الناتو.


ولفت التقرير إلى أنّ الناتو أصبح في خطر، وأنه في حال استمرت عضوية الحلف في توفير الغطاء لأعمال تركيا الاستفزازية من دون تحملها عواقب تلك الأعمال، فإنّ ذلك لن يكون مقبولاً لفرنسا، وسيكون من الخطأ التقليل من حجم الإحباط الذي تشعر به فرنسا، ولا ينبغي أبداً نسيان أنّ فرنسا هي ثالث أكبر مساهم في ميزانية الناتو، وقبل كل شيء فهي تعتبر ثاني أكبر عضو ذي مصداقية عسكرية.


حرب كلامية مع باريس


وبالإشارة إلى الصراع المتنامي بين الجانب الفرنسي وأنقرة، يمكن الإشارة إلى طالب وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، في الرابع والعشرين من يونيو الماضي، عندما طالب الاتحاد الأوروبي بإجراء مُناقشة “بلا حدود” بخصوص علاقته مع أنقرة، مشيراً من أمام مجلس الشيوخ الفرنسي: “فرنسا تعتبر ضرورياً أن يفتح الاتحاد الأوروبي سريعاً جداً مناقشة بالعمق وبلا محرمات وبدون سذاجة، حول آفاق العلاقة المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة، وأن يدافع بحزم عن مصالحه الخاصة لأنه يملك الوسائل لذلك”.


وأتى الطلب الفرنسي، عقب اتهام أنقرة لباريس بلعب لعبة خطرة في ليبيا بدعمها القوات المناهضة لحكومة الوفاق (الإخوانية) في طرابلس، مكررة بذلك الصيغة نفسها التي استخدمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تجاه أنقرة، حيث ردّت وزارة الخارجية التركية في الثالث والعشرين من يونيو، على وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، دعم أنقرة لحكومة الوفاق في ليبيا بـ”اللعبة الخطيرة”، بأنّه لا يمكن تفسيره سوى بأنّه “خسوف للعقل” على حدّ زعمها.


اقرأ أيضاً: بمزيد من التهاوي والانكماش.. الاقتصاد يدفع ثمن سياسات التوسع التركية


وزاد حينها الناطق باسم الوزارة، حامي أقصوي، في شعر المُواجهة بيتاً، فقال إنّ “فرنسا تتحمل مسؤولية كبيرة في جرّ ليبيا إلى الفوضى عبر دعمها كيانات غير شرعية لسنوات، وبالتالي فهي التي تلعب اللعبة الخطيرة في ليبيا”، وأردف أنّ “ماكرون لو تفقد ذاكرته واستخدم تفكيره السليم فسيتذكر أنّ المشاكل التي تعيشها ليبيا ناتجة عن هجمات الانقلابي حفتر الذي يدعمه”، حسب تعبيره.


ترجيح إقصاء أنقرة من الناتو


وفي ذات السياق، نشرت مجلة ماريان الفرنسية، في الخامس والعشرين من يونيو، تقريراً رجحت فيه إقصاء تركيا من حلف شمال الأطلسي الناتو في فترة مقبلة، وأشارت المجلة إلى أنّ أنقرة التي تعتبر همزة الوصل جغرافياً بين الشرق والغرب، ولم يجد رئيسها من يسانده في الصراع الذي يقوده في ليبيا، خاصة من حليفه الروسي، الذي زوده بمنظومة الصواريخ أس-400 التي كادت أن تفسد العلاقات مع الحلف في وقت مبكر، لاسيما في ظل الانقاد داخل الناتو.


وبحسب المجلة الفرنسية، باتت أنقرة تشكل خطراً في المتوسط، حيث قالت إنّ زوارق تركية كادت أن تعترض أعمال سفينة حربية فرنسية في مهمة للحلف بالبحر المتوسط، كما أشارت إلى أنّ فرقاطة فرنسية رصدت في يونيو/ حزيران، سفينة شحن تركية ترفع علم تنزانيا، كان يشتبه في أنّها تنقل أسلحة إلى ليبيا، في انتهاك واضح لحظر السلاح المفروض، وبعد تهديدات السفينة التركية اضطرت الفرقاطة الفرنسية للمغادرة، وهو ما اعتبرته باريس تهديداً صريحاً وتصرفاً عدائياً ضد شركائها في حلف الناتو، هذه الواقعة أدّت إلى تصاعد الانتقادات الفرنسية لتركيا، لا سيما بعد رصد باريس وصول المئات من المعدات العسكرية والأسلحة المختلفة من تركيا إلى ليبيا، فضلاً عن استمرار عملية نقل المرتزقة السوريين إلى محاور الصراع في طرابلس.


اقرأ أيضاً: ألمانيا قلقة من الإخوان.. وتحذيرات من الاستهانة بخطرهم


فيما كان عدم اتخاذ أي إجراءات فعلية لقطع الروابط بين أنقرة والناتو، دفاعاً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كي يصف سابقاً، الحلف بأنّه في حالة موت سريري، بينما شككت المجلة الفرنسية في احتمالية استمرار تركيا في حلف الشمال الأطلسي.


ابتزاز الناتو


وإلى جانب التصادم مع فرنسا، وأزمة الصواريخ الروسية، أفصح، في الخامس من يوليو الماضي، موقع “نورديك مونيتور” عن تفاصيل جديدة في قضية شبكة تجسس، تورّط فيها ضباط أتراك، تشاركوا مع شبكة دعارة لابتزاز ضباط الناتو الأجانب الموجودين في إزمير، عبر تسجيل مشاهد مصورة لهم مع نساء في فنادق أو منازل، لجلب المعلومات السرية منهم.


وتبعاً لوثائق المحكمة التي حصل عليها الموقع، فقد استحضر الضابط التركي، أنداش كسكين، البالغ من العمر 45 عاماً، نساءً لأفراد عسكريين أجانب عاملين في تركيا، من الدول الأعضاء في الناتو؛ بغية جمع المعلومات والحصول على وثائق سرية، ولفت ملف القضية إلى أنّ بعض تلك الوثائق تم تسليمها إلى روسيا.


وعليه، يبدو أنّ تراكم المشكلات والاعتراضات على سلوكيات أنقرة بالشكل الحالي، تقودها بلا شك للانفصام عن كونها دولة ضمن الناتو، ما يعني أن قضية وجود أنقرة ضمن الحلف ستكون رهناً مستقبلاً بالنظام الحاكم في البلاد، فلو نجحت الانتخابات في إزاحة أردوغان وزبانيته في أي انتخابات قادمة، من المُرجح أن يعيد الناتو رسم العلاقات من جديد مع أنقرة، لكن وفيما لو واصل أردوغان التفرّد بسدة الحكم، فإنّ الإشارات تشير بشكل فعال إلى احتمالات طرد أنقرة من الناتو، رغم أنّه لن يكون القرار المحبب إلى قلبهم بطبيعة الحال.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!