-
تصدع “بيت” النهضة.. هل بدأت النهاية؟!
إعداد وتحرير: مرهف دويدري
على الرغم من مرور 41 عاماً على اللقاء الأول بين راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو، وثالثهم أحميدة النيفر، الذين أسسوا نواة حركة النهضة الإسلامية التونسية؛ على الرغم من ذلك أعلن عبد الفتاح مورو انسحابه من حركة النهضة واعتزاله العمل السياسي بشكل مفاجئ، ما يشي بخلافات داخل "بيت" النهضة، وصل حد التصدّع العامودي، الذي لربّما يخلّف انشقاقاً داخل الحركة قد يؤدي إلى انهيار الحركة على المستوى السياسي في تونس، وانتهاء تأثيرها "الشعبوي الديني" على المجتمع، الذي خُدع من قبلها على مدى عقد من زمن ثورة الياسمين
لم تدخل حركة النهضة في العمل السياسي، بشكل فعّال، قبل الثورة التونسية عام 2011، حيث كانت الحركة محظورة في تونس، بعد الاعتقالات التي طالت قيادات الحركة زمن “الحبيب بورقيبة”، وعلى الرغم من بعض التسويات مع زين العابدين بن علي، إلا أن راشد الغنوشي رئيس الحركة هرب من تونس في بداية التسعينيات إلى منفاه اللندني، وهو ما كوّن له “حاضنة شعبية” من كارهي الديكتاتور؛ هذه النمطية التقليدية لصناعة “الزعماء” عززتها حركة النهضة في بدايات عام 2011، بعد هروب الرئيس التونسي في طائرته الخاصة وترك البلاد ليحكمها أبناؤه الذين اجتاحوا شوارع تونس، في ثورة عارمة ضد الفساد والظلم، بعد أن أحرق “محمد بوعزيزي” نفسه احتجاجاً.
عاد راشد الغنوشي “زعيم” حركة النهضة التونسية، ومساعد الأمين العام لشؤون القضايا والأقليات في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونائب رئيسه، وعضو مكتب الإرشاد العام العالمي لجماعة الإخوان المسلمين؛ عاد إلى تونس محملاً بهالة “القائد المجاهد” عند مواليه ما جعل حركة النهضة تفوز بانتخابات تشرين أول/أكتوبر عام 2011، بعد الاعتراف بالحركة كحزب سياسي، حيث تقاسمت الحركة حكم تونس، ضمن “الترويكا” التي اتفق عليها سياسيو تونس لقيادة البلاد آنذاك.
بعد عقد من الزمن على دخول النهضة العمل السياسي، كأحد أركان الحكم، بدأ ينكشف الوجه الحقيقي للحركة، وبالتالي سقوط هالة “القائد المجاهد” عن الغنوشي، الذي بات يواجه عريضة شعبية تطالب البرلمان التونسي بسحب الثقة منه وعزله من رئاسة البرلمان، والسؤال هنا هل يكون التونسيون يوم الـ3 من يونيو القادم على موعد مع سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي؟ خاصة أن هذا التوجه تقوده أحزاب عدة، أبرزها الحزب الدستوري الحر، حيث دعت رئيسة كتلته البرلمانية عبير موسى النواب من مختلف الكتل الأخرى، إلى التوقيع على عريضة لسحب الثقة من الغنوشي، وإزاحته من رئاسة البرلمان، على خلفية اتصالاته الخارجية المشبوهة، والزج بتونس في خانة الاصطفاف وراء أجندات خطيرة؟
بدايات حركة النهضة.. محاولات بناء الحاضنة
تمثل التيار الإسلامي في تونس، والتي تأسست عام 1972، وترجع بدايات الحركة إلى سنة 1969 بالتقاء كل من راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو وأحميدة النيفر، ونظم بعد ذلك أول لقاء تنظيمي للحركة في أبريل 1972 عندما أصبحت تسمى «الجماعة الإسلامية» وعرف اللقاء «باجتماع الأربعين»، الذي نظم في مدينة مرناق في ضواحي تونس العاصمة، وأعلنت رسمياً عن نفسها في 6 يونيو 1981. في 5 ديسمبر 1980، تمكنت قوات الأمن من كشف التنظيم السري للجماعة، وذلك بالقبض على كل من صالح كركر وبن عيسى الدمني، اللذان كان بحوزتهما جميع الوثائق المتعلقة بالجماعة الإسلامية.
أقامت الجماعة مؤتمرها الثاني (بشكل سري أيضاً) في مدينة سوسة يومي 9 و10 أبريل 1981، في نفس الفترة، التي عقد فيها الحزب الاشتراكي الدستوري مؤتمره الاستثنائي، الذي أعلن فيه الرئيس الحبيب بورقيبة أنه لا يرى مانعاً في وجود أحزاب أخرى إلى جانب الحزب الحاكم.
أقرّ المؤتمر الثاني للحركة ضرورة اللجوء إلى العمل العلني، كما أقر تغيير الاسم ليصبح “حركة الاتجاه الإسلامي”.
لم يُعترف بالحركة كحزب سياسي في تونس إلا في 1 مارس 2011، من قبل حكومة محمد الغنوشي الثانية، بعد مغادرة الرئيس زين العابدين بن علي البلاد على إثر اندلاع الثورة التونسية في 17 ديسمبر 2010. وتُعد حركة النهضة في الوقت الحاضر من بين أهم الأحزاب السياسية في تونس.
تصدعات متتالية داخل النهضة
هزت الاستقالات والانشقاقات من جديد، حركة النهضة الإسلامية التونسية، المقرّبة من جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما دفع محللين سياسيين، للحديث عن ما يشبه حالة “تمرد” على الخيارات السياسية لرئيس الحركة “راشد الغنوشي”، وفشلها خلال الأشهر الماضية، في إقناع الكتل النيابية في الدخول بائتلاف مع الحركة، الأمر الذي جعلها تعيش في عزلة تامة، وتواجه خطر فقدان أغلبيتها البرلمانية، في حال وصلت الأمور إلى حد إجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
وفي خطوة مفاجئة أعلن نائب رئيس حركة النهضة، والمرشح عن حركة النهضة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بتونس، عبد الفتاح مورو، أنّه “قرّر الانسحاب من العمل السياسي، والانصراف إلى مشاغل اخرى لها علاقة بالشأن العام، ويرى مراقبون أن قرار مورو بالانسحاب، يعمّق حالة التصدع داخل الحركة، التي تعيش خلافات غير مسبوقة، خاصة وأنها تأتي بعد أسابيع من استقالة القيادي عبد الحميد الجلاصي، الذي أكد أنّ خطوته جاءت بسبب تحكم رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، والمجموعة المقرّبة منه بقرارات الحركة على حساب قادتها التاريخيين، والذي يريد أن يحتكر السلطة داخل الحركة لمصلحته.
اقرأ المزيد تونس.. آلاف الإمضاءات الشعبية لسحب الثقة من الغنوشي
أعلن عبد الحميد الجلاصي، نائب رئيس «النهضة»، عن استقالته من مهامه، وذلك تزامناً مع تلويح عدد من أعضاء مجلس شورى الحركة بالاستقالة أيضاً في حال عدم إجراء المؤتمر الـ 11 للحزب في موعده المقرر في مايو (أيار)، بحجة أن التأجيل يمثل انحرافاً خطيراً في المسار الديمقراطي داخل الحركة، حيث أرجع الجلاصي أسباب استقالته إلى عدم رضاه عن الخيارات السياسية للحزب، مؤكداً أن خيار التوجه الديمقراطي داخل الحركة “بات مهدداً”
اقرأ المزيد تونس.. انسحاب مورو يعمّق حالة التصدع داخل الحركة
منذ سنة 2011، شهدت النهضة عدداً من الاستقالات، كان أبرزها تنحي أمينها العام حمادي الجبالي في 5 مارس/آذار 2014 عن كافة هياكل الحزب، بسبب خلافات حول شكل الحكومة، كما استقال القيادي رياض الشعيبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، احتجاجاً على قبول الحركة الخروج من السلطة، وتشكيل حكومة كفاءات يقودها مهدي جمعة.
كذلك، شهدت الحركة استقالة زبير الشهودي، رئيس مكتب رئيس الحركة سنة 2019 من كافة مؤسسات الحركة، تلتها استقالة زياد العذاري الأمين العام في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من المناصب القيادية، احتجاجاً على تعيين الحبيب الجملي لرئاسة الحكومة، وعدم تقدم الحركة بمرشح من قياداتها.
يراهن البعض -فيما يبدو- داخل الحركة على فترة ما بعد الغنوشي، لكن الغنوشي لديه حسابات أخرى ليبقى متجذراً داخل الحركة، سواء بالبقاء في مركزه، أو من خلال من يعتبرهم خلفاء له، مثل صهره أو ابنه أو أحد من يتفق معهم لضمان تواجده بعد ترك منصبه، حيث يرى بعض المراقبين بأن هذه الاستقالات والخروج من الحركة لم يكون له تأثير على زعامة “الغنوشي” لها، وإنما من جهة أخرى ستودي بالمستقبل السياسي الكامل للحركة، مؤكدين أنه كثيراً ما تقوم الحركات والتيارات الإسلامية على فرضية التبعية التامة للزعيم أو المرشد، الذي غالباً ما تعتبر وصايته ذات بعد ديني أكثر من كونها سياسية أو نقابية، لذا فإن الإطاحة بزعيم حركة إسلامية يكون صعباً بعض الشيء، لكن في ذات الوقت، فإن حالات التمرد من قبل بعض الكوادر القيادية، في تلك الحركات، وجذبهم لتيارات معينة من أنصار الحزب، يضعف مكانته الشعبية ويقسم أصواته ومقاعده البرلمانية، وبالتالي يفقد وزنه وثقله السياسي.
من الواضح أن حركة النهضة بدأت تفقد وزنها السياسي داخل المجتمع التونسي بعد أن أظهرت الانتخابات الأخيرة تراجع شعبيتها، التي باتت على المحك، وهو ما ينذر ببداية انفراط العقد النهضوي السياسي، وقد لا تنتهي حركة النهضة بشكل كامل كحزب سياسي، ولكن بالتأكيد هي في طريقها إلى الانهيار السياسي، خاصة إن نجح نواب البرلمان التونسي في سحب الثقة من الغنوشي، والذي سيكون آخر مسمار في نعش النهضة السياسي.
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!