-
تقرير يتهم نيويورك تايمز بغياب المصداقيّة.. حول عفرين
أصدر مركز آسو للدراسات، في السابع من مارس الجاري، تقريراً تطرّق إلى مقالة نشرتها صحيفة أمريكية، التي تمكن أحد موظفيها من الولوج (برعاية تركية) إلى عفرين (ذات الخصوصية الكردية) في شمال سوريا، والتي تقبع منذ آذار العام 2018، تحت السطوة العسكرية التركية، المُرافقة بمسلحي ما يعرف بـ"الجيش الوطني السوري"، في ظل توارد الأخبار منها بشكل مستمر، عن جرائم وانتهاكات المسلحين بحق أهالي عفرين الأصليين الكُرد، علماً أنّ أكثر من 75% منهم، مُهجر فعلياً خارجها، نتيجة الحرب التركية على المنطقة.
وجاء في التقرير: "بتاريخ 16 فبراير 2021، نشرت مديرة مكتب صحيفة نيويورك تايمز في إسطنبول، مقالاً حول الزيارة التي قامت بها إلى مدينة عفرين الكردية وريفها -1-. علماً أنّ هذه الزيارة قد تمّ الإعداد لها والإشراف عليها، من قبل سلطات الاحتلال التركي، لذلك جاء التقرير الصحفي مطابقاً لما تنتظره منها سلطات الاحتلال، فبمجرد نشر المقال في جريدة نيويورك تايمز، حتى سارعت وكالة الأناضول التركية وجريدة ديلي صباح المقربتان من الحكومة التركية، بإعادة نشر المقال على موقعهما".
وأضاف التقرير: "وقد عكست الكلمات المفتاحية للمقال، نية الصحفية في تقديم صورة مخالفة لحقيقة الجرائم التي ارتكبتها قامت سلطات الاحتلال التركي والميلشيات الراديكالية التابعة لها، وذلك بما يتعارض مع كافة التحقيقات والتقارير الدولية التي صدرت من قبل لجان التحقيق ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، كتقرير منظمة العفو الدولية 2018، وتقرير لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة سنة 2019 و2020، والتقرير المتعلق بقيام فرقة الحمزات بإخفاء نساء عفرين في سجون سرية، والصادر من قبل مؤسسة سوريون من أجل الحقيقة العدالة 2020 -2، وتقرير اللجنة الدولية لحقوق الإنسان 2021، والتي توثق جميعها جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية المرتكبة من قبل الميلشيات المنضوية تحت اسم " الجيش الوطني السوري"، الذي بات يشكل إلى جانب تنظيم الذئاب الرمادية، الذراع الثانية للدولة العميقة في تركيا، وذلك وفقاً لبحث استقصائي نشر حديثاً -3- حيث تكفلت شركة سادات SADAT الأمنية بنقل المرتزقة لمحاربة الأرمن في كاراباخ، وبشكل خاص، الميلشيا التي تعتمد أسماء عثمانية مثل" سليمان شاه" و"السلطان مراد" التي ينحدر أعضاؤها من التركمان، وذلك في إشارة رمزية إلى إعادة قيام أذرع العثمانية الجديدة بإبادة الأرمن -4-.
اقرأ أيضاً: بتعذيبه حتى الموت.. مليشيات أنقرة تقتل مسنّاً في عفرين
وتابع التقرير: "ناهيك عن العشرات من التقارير التي قدمتها الصحافة الاستقصائية حول التطهير الديني ضد الأيزيديين في عفرين وريفها، إلى جانب مجموعة كبيرة من الوثائق والتقارير التي نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان حول عمليات التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي في عفرين ورأس العين وتل أبيض، وجميعها وثائق متوفرة باللغة الإنجليزية والعربية ولغات أخرى، ويمكن الوصول إليها مجاناً على الإنترنيت".
ورأى تقرير آسو أنّه "لذلك، لا يمكن افتراض أنّ الصحفية كانت تجهل حقيقة جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي، المرتكبة من قبل سلطات الاحتلال في هذه المنطقة غير الآمنة، علما أنّه كان كافياً بالنسبة لصحفية في جريدة مثل نيويورك تايمز، أن تراجع فقط المعايير التي تعتمدها مؤسستها لتحافظ على مكانتها كجريدة يمكن الوثوق بها، إذ لا تتعدّى نسبة الذين لا يصدقون ما ينشر في جريدة النيويورك تايمز في أمريكا الـ14 % وفقاً لمعهد Pew الأمريكي للدراسات -5-، وهي نسبة منخفضة نسبة إلى الوضع الراهن للإعلام المعاصرة، لذلك فإنّ محتوى هذا المقال يشكل فضيحة أخلاقية قياساً إلى المعايير المهنية المعتمدة على أقل تقدير من قبل جريدتها".
وأردف التقرير: "على خلاف ما جاء بصريح العبارة في تقارير اللجان الدولية لحقوق الإنسان منذ (تقرير الأمنستي أغسطس-6- 2018. ووصولاً إلى التقرير الأخير للجنة الدولية لحقوق الإنسان-7- HRW 2021. والتي حددت الوصف القانوني للوجود التركي في سوريا بالاحتلال. استعادت كاتبة المقال توصيفاً ذرائعياً مناسباً لتركيا التي حاولت دون جدوى أن تسوق لهذه الصفة ولم تفلح. مروجة بذلك للاحتلال التركي بتبنيها لعبارة "المنطقة الآمنة". وهو استخدام مضلل ومتعارض مع مفهوم المنطقة الآمنة في العرف القانوني الدولي. حيث بدأ مجلس الأمن منذ 1991/ القرار 688. بخصوص الخط 36 في كردستان العراق. ولاحقاً في سنة 1993/ القرار824 بخصوص البوسنا والهرسك، إلى اعتماد لائحة معايير مستندة على اتفاقية جنيف الأربعة 1949 ومعدلة لها. بحيث جرى تنظيم مفهوم المنطقة الآمنة باشتراط وجود قرار صادر من مجلس الأمن، يحدد فيه المنطقة الجغرافية التي ستكون منطقة آمنة للمدنيين، وبأن تكون المنطقة خالية من أطراف النزاع العسكري، ومحمية من قبل جيش أممي. وأن لا يؤدي إحداثها إلى حصول عمليات تطهير عرقي أو تغيير ديموغرافي. وهي معايير تمّ خرقها بشكل فاضح في كافة المناطق التي تحتلها تركيا. غير أنّ كاتبة المقال لم تضع في حسبانها المعايير القانونية لصياغة تعابيرها".
واستكمل التقرير بالقول: "يضاف إلى ما تقدم، أن النصوص القانونية التي قد حددت بوضوح لا لبس فيه طبيعة قوى الاحتلال، هي من المواد غير السجالية في القانون الدولي. سواء في لوائح لاهاي 1907، أو في اتفاقات جنيف الأربعة 1949، أو ملحقات اتفاقيات جنيف 1958، حيث ترسخ جميعها صفة الاحتلال على قوة أجنبية تغزو أرضاً أخرى وتحتلها، سواء بوجود مقاومة أم بعدم وجودها. وكذلك يفرض القانون الدولي من خلال لائحة لاهاي 1907 (المواد 42 ـ 56)، واتفاقية جنيف الرابعة (المواد 27 ـ 34 و47 ـ 78) -8- يفرض على سلطات الاحتلال مجموعة من القيود، من بينها: إنّ الاحتلال لا يمنح سلطة الاحتلال حق السيادة على الأرض المحتلة، بينما تدار مدينة عفرين من قبل الوالي التركي لمدينة هاتاي. وتخضع كل من سري كانية/ رأس العين وتل أبيض لولاية أورافا، وتتبع مدينة إعزاز لولاية كلِّس التركية".
واستطرد: "كما تمنع المواد القانونية الآنفة سلطات الاحتلال من تدمير المواقع الثقافية. بينما قامت تركيا والميلشيات الراديكالية التابعة لها، بتدمير الرموز الثقافية الكردية، ونهب ممتلكات السكان الأصليين وتدميرها في منطقة عفرين ورأس العين (الفقرة 47 ـ 48 ـ 49 ـ 50. تقرير لجنة التحقيق الأممية 2020). كما يمنع القانون الدولي سلطات الاحتلال من اختطاف السكان المدنيين، أو القيام باغتصاب النساء والمراهقات. بينما نجد بأن لجنة التحقيق الأممية قد وثقت قيام المجموعات الجهادية التابعة لتركيا وتحت إشرافها بعمليات خطف واغتصاب ممنهجة ضد النساء الكرديات. (الفقرة 59 ـ 60)".
وأكمل: "كما يمنع القانون الدولي سلطات الاحتلال من تدمير التراث والممتلكات الثقافية (المادة 8. اتفاقية جنيف الرابعة). بينما نجد بأنّ ذات المجموعات الجهادية التابعة لتركيا، قد قامت بتدمير موقع كورش الأثري الهلنستي، وتدمير موقع عين دارة الموجود على قائمة اليونسكو للتراث الإنساني، وكذلك تدمير مقابر ومواقع العبادة الأيزيدية (الفقرة 63 ـ 64 لجنة التحقيق الأممية). ويمنع القانون الدولي سلطات الاحتلال من نقل السكان المدنيين ومحاكمتهم على أراضيها أو الاقتصاص منهم. بينما قامت تركيا، بنقل محتجزين ومحتجزات في مدينة رأس العين، ونقلتهم إلى تركيا وحاكمتهم، وفقاً للقانون الجنائي التركي، ووجهت لهم تهمة الإرهاب. (الفقرة 57 لجنة التحقيق الأممية)".
وقال التقرير: "كما أقدمت تركيا على نقل محصول الحبوب وغيرها من المحاصيل الزراعية إلى تركيا، بل وتضع الشركة التركية المصدرة لزيت زيتون "عفرين" إلى السوق الأوربية والأمريكية، وكذلك الملح الذي يتم تعبئته في مدينة إدلب، بأنّ بلد المنشأ هي تركيا. وهو ما يبدو ظاهراً على العبوات والمغلفات التي تصدر بها هذه المواد. وقد عمدت تركيا إلى فرض اللغة التركية، وعجلة الاقتصاد في هذه المناطقة تتحرك بالعملة النقدية التركية، كما يرفع العلم التركي على كافة الإدارات التي استحدثتها قوات الاحتلال التركي، ومن الطبيعي أن يستتبع ذلك، وصول الخدمات العامة لدولة الاحتلال، كالكهرباء والقطاع الصحي. بعد أن تحولت هذه المنطقة المستقطعة من سوريا في الحرب التي تفوقت فيها الدرونات التركية على القطاعات العسكرية الكردية، إلى أرضٍ تركية. وباتت عفرين ورأس العين بمثابة قبرص تركية أخرى".
وأكد تقرير آسو أنّ "كل شيء في المقال عبارة عن تبييض للاحتلال التركي -9-. فالصحفية قامت فقط بمقابلة بمسؤولين أتراك وبعض العوائل العربية من المستوطنين في عفرين، دون العودة إلى السكان الكرد الأصليين الذين تعرضوا إلى التهجير القسري، وفقاً للسياسة التي اعتمدتها تركيا من أجل إحداث تغيير ديموغرافي في المدن الكردية التي احتلتها. كما سمح المقال بتمرير اتهامات مجانية على لسان المسؤولين الأتراك ضد حزب كردي".
كما لفت إلى أنّه "لا يمكن أن يكون ما تقدم منصفاً ولا محايداً، بل إنّه يعيد مرة أخرى طرح تساؤلات حول مصداقية جريدة عريقة مثل نيويورك تايمز. فهي كمؤسسة كانت قد تعرضت لحملة من التشكيك في مصداقيتها سنة 2003 مع فضيحة الصحفي جميسون بيلر، الذي تبين بأنّه قد نشر مقالات مسروقة في الجريدة. لذلك، وفي سنة 2004، قام مدير تحرير جريدة نيويورك تايمز بتأسيس لجنة من 18 موظفاً لاستعادة مصداقية الجريدة التي اهتزت حينذاك. ومن بين المبادئ التي وضعتها تلك اللجنة، هو موضوع التدقيق في مصادر المعلومات. وعدم تزوير الحقائق".
وذكر التقرير: "تزوير الوقائع في هذا المقال المشار إليه أعلاه، يعيد طرح اسئلة أخلاقية جديدة حول مصداقية النيويورك تايمز، والى أي مدى يمكن لجريدة مثلها أن تضع في "أخلاقياتها المهنية" مجالاً لتمرير أجندة سياسية مبطنة وممولة بكل تأكيد، لا سيما أنّه تم نشر هذا المقال بالتزامن مع إعلان قناة الجزيرة القطرية عن اتفاق شراكة مع جريدة نيويورك تايمز في منصة "ريادة" التي ستكون مخصصة للتقارير الاقتصادية المشتركة بين المؤسستين".
وأضاف: "ومن الجدير ذكره، أنّ شركة فيسبوك أيضا كانت قد تواطأت مع الاحتلال التركي في عمليتها الدموية في مدينة عفرين وريفها سنة 2018. فقد نشرت مؤخراً مجلة -10- Propublica الاستقصائية وثائق تظهر أنّ إدارة فيسبوك وقفت إلى جانب النظام التركي، والذي كان قد زوّد تنظيم داعش بالذخيرة، وفقاً للفيديو والوثائق التي نشرها جان دوندار، رئيس تحرير جريدة جمهوريت التركية سنة 2015، وحُكم بالسجن لأنه فضح التنسيق بين النظام التركي وتنظيم داعش".
واستنتج التقرير: "يشبه هذا المقال نمطاً خاصاً من صحافة الإثارة الانجليزية، ابتكره لورد بريطاني في "هارمسورث"، وكان موجهاً إلى "الذين يستطيعون القراءة ولا يستطيعون التفكير"، لكنه أيضاً مقال يشارك مع الجناة في الجريمة عبر تورية الحقيقة، وقد كانت إحدى أسباب الغضب في الشارع الكردي من هكذا مقال، ليس لأنه يتضمن على تزوير للواقع، فذلك غير ممكن في وقت بات الواقع مكشوفاً "على نحوٍ فاحش" بتعبير الفيلسوف الفرنسي بودريار، وكل ما ورد في المقال من تزييف، تفنّده أكوام من الوثائق، بل لأن جريدة مثل نيويورك تايمز قبلت أن ينشر في موقعها، وعلى حساب مصداقيتها، مقال يعمق جراح الناس الذين تعرضوا للتطهير العرقي في المنطقة غير الآمنة بسبب وجود الاحتلال التركي".
ليفانت-آسو
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!