الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
تقلبات الدور الآسيوي في النظام العالمي
صورة تعبيرية

رابط مختصر: https://tlns.live/qBf3RN
 ترجمات ليفانت


وائل سليمان

 

يشير الكاتب د. جيفري ويلسون مدير البحوث في مركز بيرث USAsia في بداية هذا المقال التحليلي إلى تنبؤات بالعقود المستقبلية التي ستؤثر على الأمن القومي عموماً ولاسيما الولايات المتحدة والغرب حتى عام 2035 وكيف يمكن أن تتقاطع هذه الاتجاهات في سيناريو مستقبلي.

يضيف، في هذا المقال سنرى أن آسيا ستنتقل من كونها مركزاً عالمياً للنمو الاقتصادي والاستقرار السياسي إلى مركز للقوة الاقتصادية ولكن لعدم الاستقرار السياسي.


الاتجاهات الرئيسية

الترابط: قويَ الترابط جداً في العالم النامي نتيجة للبنية التحتية الضخمة

خلال معظم سنوات القرن العشرين كان الترابط ضعيفاً بين غالبية سكان العالم، انطلاقًا من حركة السلع ورأس المال والأفراد والمعلومات، باتجاه الخارج الجغرافي. كانت البنية التحتية الحديثة إما دون المستوى أو متهالكة أو غائبة تماماً نستثني من ذلك منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وعدد قليل من العواصم المتحضرة في العالم النامي.

الكاتب، د. جيفري ويلسون
مدير البحوث
مركز بيرث USAsia

لكن في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، سارعت الحكومات إلى سد فجوات البنية التحتية هذه. أُطلقت برامج ضخمة للبنية التحتية – على سبيل المثال لا الحصر، مبادرة الحزام والطريق الصينية – التي خُصص لها تريليونات الدولارات لإنشاء بنية تحتية حديثة في جميع أنحاء العالم النامي. في غضون عقد من الزمان، سيتمكن مليارات الأفراد من التواصل بسرعة تقترب من مستويات العالم المتقدم.   

من شأن تقوية الترابط تسريع تفكك القوة في الاقتصاد العالمي. وستتضاءل الأهمية النسبية للمزايا الجغرافية التي تتمتع بها الاقتصادات المتقدمة، وسيتلاشى أحد العوائق الرئيسية أمام مشاركة البلدان النامية في التدفقات الاقتصادية العالمية. لدينا التحول التكنولوجي إلى أنواع التجارة عبر الإنترنت، الموجود سابقاً ولكن تسارع بسبب أزمة كوفيد-19، سيمحي المسافة المادية باعتبارها عائقاً له أهميته في الاقتصاد العالمي.

الاقتصاد: نهاية الاتجاه الليبرالي في السياسة الاقتصادية وعودة (جزئية) للسياسة الاقتصادية القومية

على مدار الأربعين عاماً الماضية، كان اتجاه إصلاح السياسة الاقتصادية عالمياً يتجه نحو التحرير. ويشمل ذلك الإصلاحات الرئيسية (بالصدمة) في البلدان الكبيرة (سياسة الباب المفتوح في الصين لعام 1978، ودوي موي (أي التجديد أو الابتكار) في فيتنام عام 1986، والتحرير الاقتصادي في الهند عام 1991، وتحويل الاقتصاد الاشتراكي إلى اقتصاد سوق في عام 1993 في الاتحاد السوفيتي السابق، وإلغاء القيود في إندونيسيا عام 1999) بالإضافة إلى المزيد من التغييرات الإضافية عبر العديد من اللاعبين الآخرين. في حين أن بعض البلدان جربت القومية الاقتصادية في أوقات معينة، كان الاتجاه العام على الصعيد العالمي هو أن يشير الإصلاح الاقتصادي إلى اتجاه تحريري.

انعكس هذا الاتجاه منذ الأزمة المالية العالمية (GFC). جربت العديد من الحكومات أشكالاً من رأسمالية الدولة بما في ذلك جميع دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا). كانت الحواجز الوقائية للتجارة ترتفع ببطء لكن باستمرار بينما عانت منظمة التجارة العالمية (WTO) من (أزمة الدوحة). استحوذت الشركات المملوكة للدولة وصناديق الثروة السيادية على حصة كبيرة من التدفقات الرأسمالية العالمية مما أخضع الأسواق المالية للسيطرة والنفوذ السياسيين. انهار دعم "إجماع واشنطن" (وهي تسمية خاطئة) خصوصاً في واشنطن نفسها.

مع ذلك، فالقومية الاقتصادية للقرن الحادي والعشرين ليست تكراراً بسيطاً للأفكار الاستبدادية التي راجت خلال الثلاثينيات واستمرت حتى الستينيات. تظل الحكومات ملتزمة "بالانفتاح" قدر ما تدرك أهمية التدفقات الدولية للتجارة ورأس المال والمعلومات للاقتصادات الحديثة. بدلاً من ذلك، يريدون التحكم بهذه التدفقات وتشكيلها استراتيجياً بطرق يرونها ستزيد المنافع الوطنية. إنهم لا يبحثون عن باب “مغلق” ولا “مفتوح” بل عن باب “مسير”.

الاقتصاد: تسطيح المعجزة الاقتصادية لشرق آسيا مع تبدد مزايا الصناعيين الجدد

كانت المعجزة الاقتصادية لشرق آسيا (التي بدأت في منتصف السبعينيات) أكبر إنجاز تنموي منفرد في تاريخ البشرية. ففي غضون جيل واحد، تم انتشال مليار شخص من براثن الفقر وقفزت معظم الاقتصادات الآسيوية من أسفل إلى منتصف التسلسل الهرمي للدخل العالمي وحققت عدة دول مركزاً (فعالاً) كبلد متقدم. نجت هذه المعجزة من الأزمة المالية الآسيوية 1997-8 والأزمة المالية العالمية 2008-09. لم يكن أي جزء آخر من العالم النامي قادراً على الحفاظ على النمو السريع والتحضر والتصنيع باستمرار لمدة أربعين عاماً.

ضمنت هذه المعجزة الاقتصادية مستوىً ملحوظاً من الاستقرار السياسي عبر آسيا. في حين أن أنواع الأنظمة تختلف بشكل كبير في جميع أنحاء المنطقة، إذ تتراوح بين الديمقراطية الواقعية والسلطوية المتشددة، إذ أثبتت جميعها امتلاكها لخاصية الديمومة. الجودة المؤسساتية محل جدل لكن المنطقة استفادت من المؤسسات “المستقرة” لمدة أربعين عاماً؛ فهي لم تشهد أي حالة من عدم الاستقرار أو الانهيارات المؤسساتية المعروفة عبر العالم النامي. استند هذا الاستقرار في جزء كبير منه إلى “الشرعية التنموية” حيث تشتري العائدات المتجانسة للتنمية الشرعية الشعبية والنخبوية للأنظمة والمؤسسات التي وضعتها.

لكن ربما تختفي هذه المعجزة. فأساسها الاقتصادي يكمن في مزايا من التحقوا بالركب مؤخراً: وهي أن البلدان يمكن أن تبني علاقات تجارية واستثمارية بالاقتصادات المتقدمة لتسريع آفاق تنميتها. كانت استراتيجيات التصنيع الموجه للتصدير (التي تستخدم رأس المال الأجنبي لتطوير الصناعات التصديرية نحو الأسواق الغربية) مكوناً عالمياً للنجاح. ولكن مع إغلاق المنطقة تدريجياً للفجوة مع الاقتصادات المتقدمة يتضاءل مجال الاستفادة من مزايا هؤلاء الملتحقين الجدد. وستتجه معدلات النمو والتصنيع والتحضر ببطء نحو المستوى المتوسط للعالم المتقدم.

كوميك رمزي نشر في جريدة فايننشال تايمز البريطانية على مقال للكاتب Philip Stephens MAY 2 2013 بعنوان التهديدات التي يتعرض لها ميزان القوى الهش في آسيا

وهذا من شأنه أن يقوض الشرعية التنموية التي أسست لاستقرار النظام والمؤسسات على مدى أربعين عاما. وعندما يدب الخلاف بين المؤسسات ويتزعزع إجماع النخبة الداعمة لها ستكافح الأنظمة السياسية لتبرير نفسها للجمهور في عصر يتسم بالنمو المتواضع (وفي بعض الأحيان الركود). عند احتمال تجربة العديد من الدورات السياسية المختلفة فمن المرجح أن يختفي الاستقرار السياسي المحلي في آسيا الذي اعتدنا عليه.

التوقعات المستقبلية لعام 2035

سوف يتغير دور آسيا في الاقتصاد العالمي. ستصبح مركزاً للقوة الاقتصادية لمنافسة الولايات المتحدة وأوروبا لكنها ستتوقف في الوقت نفسه عن كونها محركاً للنمو العالمي مع تباطؤ معدلات التنمية إلى المستويات الطبيعية. حدث هذا التحول في الدور لليابان في الثمانينيات وسيحدث نفس الانتقال للصين قريباً.

سيصبح دور آسيا في النظام الدُّوَليّ أكثر تقلباً، حيث تؤدي زعزعة استقرار النظام إلى تقويض الأنظمة السياسية التي أعقبت الحرب الباردة. ومن الأمثلة المبكرة الفلبين (موقف محير بشأن نزاع بحر الصين الجنوبي) وتايوان وهونغ كونغ (حشد الضغط من أجل التحول إلى الديمقراطية مما أثار بؤر التوتر مع الصين) والهند (التخلي عن عدم الانحياز في ظل حكومة مودي).

سيقوى أيضاً ترابط آسيا مع النظام العالمي مع بناء البنية التحتية، مما يضخم قدرتها على تشكيل النتائج الاقتصادية والسياسية على المستوى العالمي. وتوضح اضطرابات سلسلة التوريد، التي كُشف عنها كاملةَ خلال أزمة كوفيد-19، قدرة التطورات في آسيا على أن يتردد صداها عبر الاقتصاد العالمي. (قارن مع الاتحاد الآسيوي الذي كان له تأثير اقتصادي عالمي محدود). ستصبح توقعات القوة الآسيوية في المؤسسات الدولية التي كَشفت عنها أيضاً مشاركة الصين في منظمة الصحة العالمية خلال أزمة كوفيد-19 أكثر اضطراباً.

لن تتخلى الحكومات الآسيوية عن “الانفتاح” ولكنها ستتحول من الأطر “الليبرالية” إلى الأطر “المُدارة” للتحكم في تدفقات السلع ورأس المال والأفراد والمعلومات. سيخلق هذا نقاط احتكاك إضافية لأن الحكومات غالباً سترغب في “إدارة” علاقاتها الاقتصادية في اتجاهات متنافسة. سيتكرر اندلاع الخلافات التجارية الدولية حول المنتجات الطبية و”دبلوماسية الأقنعة” التي شوهدت خلال الشهر الأول من أزمة كوفيد-19 في العديد من القطاعات والمجالات الأخرى.

ماذا سيعني هذا لأستراليا؟

ستواجه أستراليا صعوبة كبيرة في إدارة عملية الانتقال في آسيا. وستتدهور التوقعات الأمنية لأستراليا باستمرار وبشكل كبير. وفي حين أن ضمانات التحالف الأمريكي قادرة على الأرجح على إدارة التهديدات النووية فإن أربعين عاماً من الاستقرار السياسي تعني أنها لم تُختبر بالشكل الأمثل في المجال التقليدي منذ نهاية الحرب الباردة. ستُضخم التهديدات الأمنية غير التقليدية بشكل هائل عندما يقوى الترابط وهو ما لم تتهيأ له الترتيبات الأمنية الحالية.

سوف تتدهور التوقعات الاقتصادية لأستراليا في الوقت نفسه. فقد اعتادت الطلب المتزايد على صادراتها (السلع الأساسية والخدمات إلى حد بعيد) من آسيا النامية التي لن تستمر بذات المعدلات السابقة. وستحتاج أيضاً إلى إدارة القومية الاقتصادية المتصاعدة في جميع شركائها التجاريين والاستثماريين الرئيسيين.

 

المصدر: اضغط هنا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!