الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
جدار نظام الملالي في إيران بات آيلاً للسقوط
سامي خاطر

يقول العزيز الكريم بسم الله الرحمن الرحيم (ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون) صدق الله العظيم.

بعد قرابة أربعة عقود ونصف من البغي وقمع الشعب، وقتل الأنفس التي حرم الله، واضطهاد واستعباد العباد، والاعتداء على الجوار والإفساد في الأرض وتشويه الإسلام.. ها هو نظام الملالي يتآمر لصالح الغرب ويشارك سفك دماء الأبرياء في غزة هروباً من ضعفه ووهنه وخشية السقوط.

هذه سنة الله في خلقه فلا يتجبرون ولا يستكبرون فالأولى والعاقبة هي الضعف والوهن.. كُنّا صغاراً ضعافاً بحاجة إلى من يرحمنا، وكباراً مسنين نعود لضعف الطفولة وأشد منه ونحتاج لمن يرحمنا.. فمن سيرحمني إن لم أكن في يوم قوتي رحيماً، وفي يوم اقتداري مُعيناً؟ وينطبق الأمر على رب البيت ورب القوم وولي أمر المجتمع خاصة إن كان مدعياً بالوصاية الدينية كأولئك الحاكمين في طهران.

لسنا علماء دين ولا ندعي بذلك، لكن القيم الرحيمة النبيلة هي ثوابت الدين وفهمها والعمل بها ليس بالأمر الصعب ولا المُكلف كونه ضمن السلوكيات العامة للبشر فإن شاءت استقامت وإن أبت فعليها ما جنت، ولكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه، وكل شيء في هذه الدنيا دينٌ واجب السداد.

شخصياً قد أجد مبرراً لجرائم أولئك الطغاة في التاريخ إن لم يكن لهم دين ولم ينزل فيهم نبي ولم يكن فيهم حكماء؛ لكن من نزل فيهم نبي وكان فيهم تُقاةً صالحين وحكماء مُرشدين كيف سيبرر لهم مجتمعهم جرائمهم وبغيهم وكيف سأبرر لهم أنا وغيري ذلك.

نظام الملالي يخشى السقوط

يشعر نظام الملالي بأنه ملاحقٌ ومُطارد كلصّ يترقب لحظة وقوعه في يد العدالة منذ قيامه بسرقة ثورة عام 1979 الوطنية الإيرانية وسلطة الشعب الذي ضحى بأبنائه من أجل وطنهم وصلاح أمرهم وضمان مستقبلهم من خلال نظام سياسي بديل، واليوم لم يعد هذا اللص مجرد لصاً فحسب بل أصبح قاتلاً ومفسداً في الأرض أيضاً وتراكمت عليه الإدانات من كل حدب وصوب ولم يعد أمامه سوى أمرين، إما الرضوخ لمطلب الشعب بالنزول عن السلطة والذهاب إلى السجون ومحاكم الشعب وإما البقاء بالقتل وسفك الدماء والقمع والظلم والتجويع، وعلى الرغم من اختيار النظام العمل بنظرية قتل الأغلبية العظمى من الشعب وتعزيز قدرات قواه القمعية في الداخل ومرتزقته بالوكالة في الخارج من أجل البقاء إلا أن كابوس السقوط ما يزال يرافقه منذ اعتلائه السلطة بلا شرعية وطنية، وأكثر ما يرعب هذا النظام اليوم هو أن مجاهدي خلق ما يزالون على قيد الحياة وقد نقلوا فصائل جيش التحرير الوطني إلى طهران وباقي المحافظات من خلال وحدات المقاومة، وقد كسرت هذه الوحدات عامل الخوف لدى الشعب وتحولت الانتفاضات إلى مواجهات صعبة بين المنتفضين العُزل قوى الملالي القمعية من حرس وبسيج وشرطة ومخابرات واستخبارات الحرس ووحدة القوات الخاصة والجيش وباقي القوى القمعية التابعة للنظام، ورغم محاولاته لم يفلح النظام في قمع وكبح انتفاضة 2022/ 2023 الوطنية الأخيرة التي أرعبته وكانت أكبر تحد له منذ استيلائه على السلطة عام 1979.

نظام الملالي يتآمر لصالح الغرب ويشارك سفك دماء الأبرياء في غزة

تآمر نظام الملالي لصالح الغرب ليس بجديد والعلاقات مع الغرب في هذا الإطار قديمة ومنذ قيام نظام الملالي كخليفة للشاه ومنذ ذلك الوقت لم تنقطع حبال العلاقة التي سادت لصالح الغرب في ظل دكتاتورية الشاه في حينها وأتت دكتاتورية الملالي لتكمل المسيرة، وعلى الرغم من انتهاك نظام الملالي لقيم حقوق الإنسان والقيم التي تدعو لها أوروبا، ورغم تهديد الملالي  للأمن والسلامة الأوروبية من خلال نشر الإرهاب والتطرف في أوروبا برعاية وزارة خارجية الملالي وكانت آخر الجرائم الإرهابية تلك التي قام بها الدبلوماسي أسد الله أسدي وأدانته محكمة بلجيكية وتم تبديله بصفقة مشينة، لم نرَ هناك موقفاً غربياً جاداً في وجه الملالي بل على العكس فعندما أقر البرلمان الأوروبي بالأغلبية وضع حرس الملالي على قائمة الإرهاب الأوروبية رفضت الحكومات الأوروبية ذلك، وتابع تيار المهادنة والاسترضاء في أوروبا نهجه الداعم للملالي على حساب المقاومة الإيرانية والشعب الإيراني وتستروا مراراً على جرائم نظام الملالي ضد منظمة مجاهدي في العراق وأوروبا، وبالتالي فإن لهذه المواقف الأوروبية الداعمة للملالي ثمنا يجب على الملالي دفعه ومن هنا يأتي تآمر الملالي لصالح الغرب كما رأيناه في تراجعه عن شعاراته وتخاذله مع غزة التي جعل من أهلها الأبرياء قرابين فداء لنظامه وغدا سيفعل أكثر، وما دعم نظام ولاية الفقيه لبعض الفصائل الفلسطيني إيمانا بها أو بقضية فلسطين وإنما لتنفيذ مخططات النظام وخلق مخارج لأزماته، وكان الأجدر بنظام الملالي إن كان لديه إيمان بالقضية الفلسطينية ألا يسمح لجماعاته في العراق باضطهاد الفلسطينيين المقيمين في العراق وسلب ممتلكاتهم وتشريدهم وكانت الحدود العراقية الأردنية والسورية شاهدة على مأساتهم.

للقياس

لو وضعنا نظام الملالي الحاكم في إيران كنموذج للقياس وكنظام يدعي قادته ليس بالإسلام فحسب بل بالولاية المطلقة لآل بيت رسول الأطهار ويزاودون الكل على ذلك على اعتبار أنهم في مقدمة ركب الموالين وليس غيرهم.. وهنا ما هو المطلوب منهم مراعاته في حكمهم؟ وكيف سننظر في أمرهم وكيف سيكون الحكم عليهم، خاصة عندما يحكمون في دولة متعددة التكوين العرقي والديني والمذهبي وسبقهم فيها مؤسسات قانونية وضعية تدير شؤون البلاد، وسبقهم فيها طاغية رأوا بأم أعينهم كيف كانت عاقبته؟ سنحاججهم ونحاسبهم هنا على أربع؛ الأولى حق نظيرٌ لهم في الخلق وكلكم لآدم وآدم من تراب، والثانية حق نظيرٌ لهم في الدين والعقيدة، والثالثة حق شريكٌ لهم في الحياة منضبطاً معهم في المسار السلوكي والاجتماعي وإن اختلف معهم في العقيدة الدينية أو الفكرية أو السياسية، والرابعة سنحاججهم ونحاسبهم على ادّعاء الولاية لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وبالقياس والمحاججة والمحاسبة هنا أمامنا مجموعة من الجرائم والفظائع والفواحش، وكلها لم تعتبر لتاريخ أو تجربة أو عقيدة أو قيم أو وطن أو إنسانية بل كانت كلها وحشيةٌ مُهينة خارجة عن حدود الله مشوِّهة لدينه ومخلة بنهج وسيرة آل البيت ومسيئةً لهم.

المقارنة بين توجُّه الملالي في إيران وتوجُّه مجاهدي خلق

بدأ الملالي حكمهم في إيران بعمليات إبادة جماعية لعناصر منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة عدة مرات داخل إيران وخارجها؛ على خلفية خلاف في الرأي لا يستوجب القتل واستباحة وسفك الدماء والنيل من الأعراض وقطع الأرزاق وتضييق سبل الحياة على ذويهم، وهنا نذكر الفارق بين مدرسة الملالي ومدرسة مجاهدي خلق للمقارنة، حيث نجد أن مجاهدي خلق لم ينادوا بالإسلام السياسي كوسيلة للسلطة والحكم بل نادوا بالديمقراطية والحرية وفرضوا على أنفسهم داخلياً العمل بقيم وأخلاق الإسلام وتركوا المسائل الشخصية للأفراد بحريتهم وعلى مسؤوليتهم، فنرى لأعضاء المنظمة العاملين نمطية سلوكية شبه موحدة وباختيارهم ونرى لأنصار المنظمة نمطية سلوكية متعددة وأيضاً باختيارهم تحت شعار لا إكراه في الدين ولا دين بالإكراه ولا سلطة بالإكراه.. ولم يدخل مجاهدي خلق في باب الفقه ولا التشريع الديني ولا الفتوى على الإطلاق، لكنهم أصروا على أن يبقى الإسلام المحمدي مصاناً، وعملوا على ذلك وعززوه بسلوكهم وممارساتهم الطبيعية اليومية.. ولم ينل مجاهدو خلق من حق أحد، ولم يُخِلوا بقيم ولا اعتبارات أخلاقية، ولم يتدنوا لأعراض خصومهم على الأطلاق بل ورفضوا هذه السلوكيات التي يتبعها البعض ضد الخصوم.. ولم ينكروا حق أحدٍ من مكونات الشعب الإيراني سواء على أساس المنطقة أو العرق أو الدين أو المذهب أو الفكر"، أما الملالي فقد شوَّهوا الدين والقيم ونالوا من كافة مكونات الشعب الإيراني، واستباحوا الدماء والأعراض ومارسوا نهجهم بعنصرية وشوفينية مقززة، وأفتوا بغير الحق وشوَّهوا الدين وخرجوا عنه.

جدران سلطان الملالي تتهاوى بعد فضحيتهم بشأن غزة

لقد سقطت الأقنعة عن الوجه الحقيقي لنظام الملالي بعد مواقفه المخزية الأخيرة بشأن غزة عندما قام الغرب بدعم جيش الاحتلال علنا ونهارا جهاراً وبشجاعة رغم ما في ذلك من عار؛ أما الملالي فقد تلحفوا برداء الجبن والعار وتنصلوا وتخاذلوا مراعاة لرغبات الغرب، ويحاولون هذه الأيام التغطية على فضيحتهم بتصريحات هنا وهناك لكي يسلبوا أي منجز للشعب الفلسطيني.

وساهمت فضيحة غدر الملالي بالشعب الفلسطيني وخاصة غزة في كشف توجهات الملالي الخارجية التي ما زالت تعبث بمصير الشعوب في الخارج على حساب الشعب الإيراني فعبث الملالي ومؤامراتهم تعود بالخراب والدمار على الشعب الإيراني الذي سئم من الملالي والمجتمع الدولي معاً إذ يرى الشعب بأعينه كيف يدعم الغرب الملالي مالياً وسياسياً ووقعت العقوبات ووطأتها على ظهور الشعب وطحنته ولم تؤثر على النظام وأفراده على الإطلاق، وسيؤدي استياء هذا إلى زيادة الاحتقان والغضب الشعبيين ويعزز استمرار الانتفاضة والاحتجاجات ضد النظام في عموم المحافظات الإيرانية.

يمكن اعتبار فضيحة غدر الملالي بغزة وتركهم في مواجهة الجحيم بمفردهم نقطة تحول في تاريخ النظام في إيران، وقد أظهرت هذه الفضيحة أن النظام فقد مصداقيته لدى الغالبية من الإيرانيين ولدى عموم منطقة الشرق الأوسط، وأنه يواجه تحدياً كبيراً في الحفاظ على سلطته، من المرجح أن تستمر آثار فضائح الملالي هذه في الظهور في المستقبل، ومن الممكن أن تعجل بسقوط النظام في إيران.

بعد أربعة عقود ونصف ونتيجة لممارساتهم الدموية والقمعية والظلم ونشر الرذيلة والفساد في الأرض سواء بالسكوت عن ذلك أو الدعوة له أو السماح بنشره، ها هو نظام ولي الفقيه يصل خاتمة شيخوخته وها هي جدران مُلكه تتصدع بعد افتضاح أمره وكشف حقيقته ومتاجرته بالقضية الفلسطينية وغدره بأهل غزة متواطئا مع الغرب مقابل إعانته على البقاء في الحكم لكن هيهات هيهات وقُضي الأمر، ومَن لم يرحم لا يُرحم، وسيدفع ثمن ما فعله بالشعب الإيراني سيدفع، ولن يجد له على الأرض مأوىٍ سوى قبرٍ أو زنزانة.. ولو دامت لغيرهم لما وصلت إليهم.

ليفانت - د. سامي خاطر

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!