-
جلادون في الوسط الأكاديمي.. فماذا بعد في سجن إيران الكبير؟
من الأوساط التي يجب أن تكون بعيدة عن سطوة الأجهزة القمعية الوسط الأكاديمي والقضائي والنقابي والإعلامي.. هذا في الدول التي تخضع للمسميات والمفاهيم أما في ظل سلطة الجماعات ومراكز القوى التي تسود من حولنا فحدث ولا حرج.
جلادون وسفاحون هنا وهناك وزعتهم سلطة نظام الملالي الفاشي في كافة أرجاء إيران، وتجار دين جهلة قد ملؤوا الآفاق بالنفاق في إيران وتمددوا منها إلى الجوار، وتجار وسماسرة سلطة لم يعودوا يعترفوا بملايين الدولارات كمبالغ بعد أن تعاظمت سرقاتهم بين مسروق ومنهوب ومسلوب وأموال رذيلة وسحت وبغاء وربا وتجارة مخدرات وتهريب حكوميين وفتاوى جاهزة لتحليل المُحرم وتحريم المُحلل لتصبح دولة إيران اليوم دولة نعيم لأقل من 4% يعيش النعيم ذاته وكأنهم ليسوا في إيران ولا ينتمون إليها؛ وسجن في الجحيم لأكثر من 96% من الشعب الإيراني هم الأساس والوجود وصدق الانتماء، وقد حددهم الملالي للواجبات والمهالك وحطباً لنعيمهم في دولة الخلافة التي تعتمر الجهل والدم سلاحا للوجود والاستمرار في سلطة البغي.
عندما يتحول الوسط الأكاديمي إلى شعبة قمعية للمخابرات الإيرانية واستخبارات الحرس؛ ويتحول البرفيسور في الجامعة إلى جلاد وهو بعمر أبٍ أبناؤه في الجامعات هذا إن كان له إحساس بالأبوة، وتتحول الجامعة منارة العلم والنور إلى مركز للقهر والقمع والاضطهاد وقتل الأمل ووأد مشاريع المستقبل قبل أن تُولد، ويتحول الوجود والحياة في إيران إلى عقوبة فلا تسغرب ذلك لأنك تعيش في سجن الجحيم، نعم لقد فاقوا كل الأنظمة القمعية، فاقوا غستابو ألمانيا الشرقية وشاوشيسكو رومانيا.
قال لي أحدهم وهو أهل حكمة وخبرة هل أسرك بشيء قد تتفهمه وتتذكره وتذكره من بعدي إن حكم الأجل ولم نلتقِ فيما بعد، فقلت له تفضل؛ قال ما دامت العملية في إيران قد بدأت بالتحايل والغش والخديعة والخروج عن العقائد لغاية غير مشروعة في أنفسهم، وتُصبح المسميات في غير محلها ويتصدر الجهل والسلاح المشهد ستكون سلطة العمائم هذه التي طبل لها البعض وباء على العباد وستصبح إيران سجناً كبيراً كريهاً وستُحدِث هذه العمائم رِدةً في النفوس والعقول وسيصبح الدين والقيم في خطر حتمي، وقد أدرك الملالي ذلك منذ الوهلة الأولى لسلطانهم ولولا حرب الثمان سنوات مع العراق لسقط الملالي خلال العشر سنواتٍ الأولى من حكمهم على أقل تقدير، وقد صدق فيما قال وأصاب في قراءته للموقف؛ وعليه فالأمر ليس جديداً، وليس غريباً ما يجري في إيران فنظام الملالي منذ أن أُستُخلِف كخليفة معمم على عرش الشاه والبؤس والظلم والإعدام والاضطهاد والنفاق والكذب نهجٌ قائمٌ في إيران كنمط حياة ويتنامى يوماً بعد يوم إلى أن استفحل اليوم بفضل الدعم الغربي لنظام الملالي وتستر الإعلام على جرائم؛ لكن تكنولوجيا الإعلام ووسائل الاتصال والتواصل الحديثة قد فضحت كل شيء.. فضحت كل شيء وكشفت المستور فلم تعد هناك قداسة لأحد من أولئك الذين افتروا على الله كذبا، وزادت تلك التكنولوجيا من التواصل بين كافة الإيرانيين في الداخل والخارج حتى أصبحت ثقافة المقاومة الإيرانية اليوم مجسدة في رأي الشارع والبيت ومن في السجن ذلك لأن تلك الثقافة معبرة عن آلام المضطهدين والمظلومين وأبناء الشهداء والمعدومين والمُعدمين، وصوت ونور الحق يسري وينتشر ويعلو ولا يعلو عليه شيء وإن طال الأمد.
على الرغم من سطوة ثقافة الموت والسلاح والخداع التي ينتهجها نظام الملالي في إيران لم تنطفئ ثورة الشعب الإيراني وبلغت ذروتها اليوم حداً لا قِبل للملالي وجنودهم به وقد أوجعهم وهز كبريائهم وأضاع هيبتهم دور الطلبة والنساء في هذه المرحلة من الانتفاضة الوطنية الإيرانية ما دفع بالملالي وجنودهم وأدواتهم إلى ممارسة أساليب قمعية أكثر وحشية وخسة كتسميم طلاب المدارس خاصة مدارس البنات بهجمات كيميائية موجهة ومفضوحة مهما كانت التبريرات والتصريحات فالملالي قد فضحوا أنفسهم بأنفسهم في بادئ الأمر عندما قالوا إنها هجمات لجماعة متطرفة أعلنت مسؤوليتها عن ذلك بقصد حرمان الفتيات من التعليم وجاء عدم اكتراث الملالي بجرائم تسميم الفتيات تناغماً مع تلك الجماعة المتطرفة المزعومة التي لا نعرف من أين أتت بهذه المواد الكيميائية وكيف تدربت على استخدامها كما وكيفاً، وعلى نفس المستوى والنهج القمعيين كان قمع طلبة الجامعات وملاحقتهم بملفات كيدية وطردهم من الجامعات أو تعليق دراستهم لفترات طويلة ومنهم طلبة ماجستير ودكتوراة يحملون مشاريع الأمل للمستقبل وقد أنفقوا على دراستهم الكثير.
تسعفني ذاكرتي بتلك الطالبة الجامعية البريئة التي تخاطب الوسط الأكاديمي الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من السلطات الأمنية القمعية حيث تعرضت هذه الطالبة إلى مجلس تأديبي قمعي أُصيبت على أثرها بنوبة قلبية حادة ودخلت في غيبوبة بعد أن تكالبوا جميعاً على تعنيفها وخاصة رئيس الجامعة.. تقول هذه الطالبة بعد أن فاقت من غيبوبتها (ما زلت أحيا ولم أمت.. هكذا فعلوا في الجامعة ببنت عمرها 21 عاماً) وتعني بذلك كيف كانت قسوتهم وبربريتهم ولم يكن في أحدٍ منهم روح الأبوة أو أثر أكاديمي يردعه ويهذب نفسه ويذكره بأنه في مؤسسةٍ أكاديميةٍ وليس في مركزٍ قمعي.
فماذا بعدُ في إيران الملالي بعدَ أن أصبح الوسط الأكاديمي قمعياً، والمحامي مستهدفاً بلا حصانة ولا يحق له قبول القضايا التي لا تروق لسلطة الملالي القضائية، وبعد أن كان المحامي مخلصاً للأبرياء من غياهب السجون بات اليوم لا يجد مَن يخلصه مِن السجن والاضطهاد، وبات الصحفي وصاحب الرأي الحر لا يجد ما يكتبه وأصبح والمحامي يخشيان على أنفسهما من قفص البغي لقول كلمة حق؟
صورة الأوضاع قاتمة مبكية مشينة ولا يمكن اختصارها بكلمات ولا يمكن أن تسترها كل محاولات واتفاقيات الكون.. والحق يعلو ولا يعلا عليه شيء.
ليفانت - د. محمد الموسوي
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!