الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
حين يتحدث الأسد
ريما

لم يصدمني كثيرا خطاب الأسد في جامع العثمان مع وزارة الأوقاف، بل ريما أضحكني قليلاُ لأنه كان مليئا بالمفارقات والمغالطات الفكرية والتاريخية والاجتماعية والعلمية، لم أفاجأ لأنني أصلاً اعلم أن بشار الأسد ونظامه أساساً ضد الليبرالية وضد العلمانية وضد حقوق الانسان، والا لم يكن ليكون في مكانه حتى اللحظة، ولم تكن سوريا لتكون في هذه الكارثة، ولم يكن ليرتكب كل هذه المجازر والانتهاكات لحقوق الانسان منذ بدأ الحراك الشعبي في سوريا وحتى اللحظة لو لم يكن فكره كما عبر عنه في تلك الخطبة العصماء...!  ولكنني اعتقد ان هذا الخطاب يجب الاضاءة عليه من أجل الشارع المخدوع فيه حتى اللحظة من جهة، ومن أجل من يفكر في إعادة تدويره عالمياً ظناَ منهم أنه قد يكون حماية للأقليات وانه قريب للعلمانية التي هي منه براء وهي البربوغندا التي تعمل عليها ماكينته الاعلامية.


بشار الأسد في خطابه هذا اتهم الليبرالية بانها تهدف لخراب المجتمعات والانحلال الأخلاقي،  وهي كانت سبب الحرب على سوريا وهي تهدف لهدم الأديان والعقائد،  وصرح من خلال تعليقاته عليها عن مواقفه الحقيقية ضد عدد من حقوق الانسان فهو مثلا ضد تعزيز القيم الفردية التي تهدف الليبرالية اليها، هو مع القيم  الجمعية فقط، بل مع الفكر القبلي ، و من المعروف ان المجتمعات لا تتطور الا بنمو الافراد وتعزيز قيم المدنية و المواطنة والحريات الفردية ، أما العصبية القبلية فهي حالة تتناقض مع الهوية الإنسانية الاوسع من جهة ومع الهوية الفردية وذاتية الانسان التي تمكنه من النضوج العقلي والإنساني والمعرفي ،  بل انها تتناقض حتى مع فكرة المواطنة ،  الأسد اعتبر الليبرالية عدواً للمجتمع وضرب امثلة على ذلك: الليبرالية ترى ان الطفل يحق له ان يختار دينه الذي يرغب به حين يكبر،  ولكن ما يجب ان يكون وفقاً لما قاله الاسد انه يجب ان يتبع دين عائلته وقبيلته حتماً،  وهو يتناقض  بشكل كامل مع مبدأ حرية الاعتقاد في الشرعة الدولية لحقوق الانسان ، الأسد  يرى ان العلمانية تعني حرية الأديان فقط، وبالتالي هي لا تعني فصل الدين عن الدولة ،  بل أنه على العكس قال ان المؤسسة الدينية في سوريا هي رديف الجيش وجزء من الدولة ، هو أيضاَ اتهم الليبرالية انها السبب في الانحلال الأخلاقي بالعالم وذكر مثالا على ذلك  انها السبب في  ترويج المخدرات وشرعتنها و إقرار زواج المثليين ، وهذا يعني انه ضد حقوق المثليين من جهة ويعتبر هويتهم جزءاً من الانحلال الأخلاقي الذي تحدث عنه وربط شرحه عنه بإقرار زواج المثليين  وهذا أيضا انتهاك لحقوق الانسان ،  كما انه يخلط  بين فكرة جنس المولود  بالمعنى الفيزيولوجي،  وبين فكرة الهوية الجندرية التي ترتبط بالبعد النفسي والاجتماعي لإحساس الافراد بذواتهم ،  الأسد أيضا تكلم عن عروبة سوريا و انها فكرة غير قابلة للنقاش،  وربط العروبة بالإسلام باللغة  في جزء من الحديث،  ثم عاد ليناقض مع ما قاله في موقع اخر من الخطبة العصماء ليقول ان اللغة  والهوية شيئان مختلفان، خاصة  حين أراد ان يهاجم فكرة سريانية سوريا القديمة قبل الإسلام  قال السريان كانوا يتكلمون السريانية لكنهم كانوا عرباً،  وقد انتقد تلك الفكرة بشكل لاذع كما انه رفض وجود أي حضارة في سوريا سوى الحضارة العربية، ضارباً بعرض الحائط حقيقة وجود قوميات أخرى  غير عربية لديها لغاتها الخاصة وحضاراتها ونظامها السياسي و وجدت بالمنطقة تاريخياً وتمازجت فيما بعد،  أو أنها كانت مرتبطة بأصل مشترك "  السامية " لكثير من الشعوب التاريخية التي سكنت في المنطقة العربية وبلاد الشام بما فيها الاراميون والعرب وغيرهم، الأسد قلل من حقيقة وجود وكيان كل القوميات الموجودة في هذه البقعة من العالم وهذا يعني وفقا ما قاله أن  السريانيين عرب و الاشوريين عرب وكل  الناس في سوريا عرب حتى لو تكلموا وكتبوا  لغات أخرى وحتى لو قال التاريخ غير ذلك !


بشار الأسد في خطبته تلك أقر من حيث لا يدري بأن من خرج من الجوامع في بداية الثورة لم يكن إسلاميا بالضرورة فقد قال حرفياَ كثير ممن خرجوا من الجوامع كانوا ملحدين، وازيد عليه بل كانوا من كل الأديان والطوائفـ، لأن الحراك في البداية كان شعبيا شاملا لكل مكونات الشعب السورية،  ولم يكن هناك فرصة للتجمع الا بالجوامع،  وقد فشلت كل المحاولات للتجمع خارجها بسبب القمع الأمني لاي تجمع منذ بدايته واعتقال كل من فيه، وهي تجارب شهدتها بنفسي في دمشق على الاقل ، ولمن نسي  بشار الأسد  في تلك المرحلة كان يروج ان الحراك منذ البدايات كان إسلاميا متطرفا فهل يتذكر هؤلاء الذين غسل النظام ادمغتهم في تلك الفترة ما قاله حينها وما قاله اليوم؟


الأسد في خطابه الأخير أوضح هوية نظامه بشكل لا يدع أي مجال للشك بان هذا النظام غير علماني  ديكتاتوري قائم على فكرة المركزية والشوفينية،  ولا يحترم حقوق الانسان ولا حقوق الافراد  بل يحرض ضد أي خارج عن الفكر الجمعي، وهو لا يحترم الثقافات المتنوعة في المجتمع السوري وهو بخطابه هذا حرض على الليبراليين والملحدين والعلمانيين والمثليين وعلى مبدأ حرية الاعتقاد، وهو ما يوضح ان لا نية له حتى الان بان يقوم بتغيير أي من تلك الثوابت التي قام عليها هذا النظام القمعي منذ تأسيسه، فهو نظام لا يحترم هوية المكونات السورية الغير العربية، ولا يحترم الحقوق الفردية للناس،  ولا يحترم العلمانية ولا الليبرالية بل أنه يحرض عليها الشارع الإسلامي بوضعها وبوضع مفكريها ومن يتبعها في مكان العدو الذي يهدف لنسف الدين والعقائد وتكريس الانحلال الأخلاقي،  وهو ما قاله حرفياَ،  هو ذات النظام الذي كان يسهل الاتجار بالبشر عبر استغلال القاصرات في الملاهي الليلية التي يملكها اتباعه في ضواحي دمشق وغيرها، هو ذات النظام الذي عذب واغتصب كثير من النساء اللواتي تعرضن للاعتقال ، هو ذات النظام الذي أفقر الناس وجوعهم وقتلهم، هو ذات النظام الذي استباح الناس وملكياتهم،   ويأتي رئيسه ليتحدث عن مكارم الاخلاق والعقائد والقيم، وها هو يتهم الليبرالية بالترويح للمخدرات في خطبته العصماء ويعرف القاصي والداني انه ما يقوم به النظام داخل سوريا وخارجها،  وهو تماما يلتقي بهذا الخطاب مع خطاب التنظيمات المتطرفة التي تقول عن الليبرالية نفس الكلام وتقف ضد الحريات الفردية وحقوق الانسان والديموقراطية والعلمانية وترفض فكرة فصل الدين عن الدولة.


ريما فليحان

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!