الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • خفايا ما جرى في جريمة قتل الشابة الكردية جينا (مهسا) أميني

  • جينا أميني الشهيدة المظلومة لم تمت بل حية ترزق عند الله.. وفي قلوب أبناء شعبها الثائر وفي قلوب أحرار العالم
خفايا ما جرى في جريمة قتل الشابة الكردية جينا (مهسا) أميني
محمد الموسوي  

بات إجرام الملالي وقتلهم للأبرياء في إيران عادة؛ وكرامة من الله لهم الشهادة، وأي شهادة على يد مدّعين باسم الدين الذي لا يفقهون منه إلا قليلاً.. ويحرفون فيه الكلم عن مواضعه، وبيضوا بأفعالهم وجه أبو جهل والجاهلية المقيتة.. لا بل كانت تلك الجاهلية أهون جاهليتهم هذه وأخف حدة ولها أعذارها، غير أن جاهلية الملالي جاءت بعد قرابة 14 قرناً ونصف من الهداية والعلم لكن ماذا تقول فيمن طُبعَ على قلوبهم؟

كانت جينا (مهسا) أميني، وهي من أهالي من مدينة سقر الإيرانية، شابة كردية صغيرة في ربيع العمر مقبلة على الحياة بحماس شأنها شأن أقرانها من الشباب في أي مكان بالعالم، ولكن كان هناك أيضاً من يتربصّ بالحرية.. يتربص بحياة كل امرأة في إيران وبحياتها والذريعة (سوء الحجاب).. نعم لقد قتلوها بحجة سوء الحجاب، ومن لا يعرف الشعب الإيراني فهو شعب بكل فئاته مجبول في معظمه على فطرة الحياء والعفة والستر والثقة، أجرموا وقتلوها كما قتلوا الآلاف غيرها من قبل وأنكروا ثم اُكرِهوا على الاعتراف بعد فضائح، قتلوا جينا أميني ولم يتحلوا بالشجاعة ليعترفوا بدمها المهدور غدراً على يد بغاةٍ بيضوا وجه إبليس اللعين، وعلى البعد ارتجفت قلوبنا وأبداننا لمقتلها الشنيع هي وفتيات ونساء وأطفال إيران إلا أن هؤلاء البغاة لم يرمش لهم جفن ولم تهتز لهم غيرة أو مروءة أو حمية أو يتحرك بدواخلهم المريضة وجدان فقاموا من صغيرهم إلى كبيرهم يتهربون من المسؤولية أمام الإعلام العالمي الذي لم يعد بإمكانه التستر على جرائمهم بل وتبريرها وتجميلها بالقدر الذي كان يفعله طوال عقود مضت من حكم الفاشية الدينية المقيتة خليفة الفاشية الشاهنشاهية الكريهة، وبرروا مقتل تلك البريئة بعدة صور وتصريحات وادعاءات وسلوكيات تناقض بعضها البعض وكانت جميعها وكما يُقال (أعذاراً وتبريرات أقبح من الذنب) ولو أنهم صمتوا كالأصنام لكان خيراً لهم لكنها عدالة الله تريد أن تفضحهم وتسود وجودههم وتزيدها سوءاً بعد سوء.

لم يكتفِ ملالي الرذيلة بخطف اسمها اقتداء منضبطاً بسلفهم الفاشي العنصري الذي حارب الناس حتى في أسمائها وتراثها، وبعد خطف اسمها خطفوا روحها وسلبوها حقها في الحياة، ولم تكن تلك الفتاة البريئة تبغي الفساد في الأرض والإطاحة بعروش عمائم الظلام كما يحلو لهم أن يسموا كل من خالف رأيهم، ولم تكن تعرف عنه شيئاً سوى أنها تريد الحياة وجاءت مع أهلها من مدينها الجميلة لزيارة أقاربها وخرجت برفقة أخيها الشاب الصبي لترى طهران العاصمة الكبيرة وكيف تسري فيها الحياة، وليتها كانت تعلم أن غربان الشؤم كانوا بانتظارها ليقضوا عليها، ولقد كان وقعُ ما وَقعَ على هذه الفتاة من ظلم وبغي شديد على من رأى الموقف ومن سمع من الناس حتى نهضت غيرتهم ومروءتهم وضمائرهم الحية وأنفسهم النقية، وانتفضت غيرة المناضلين الشرفاء لأجلها وتأجج لهيب الانتفاضة الوطنية الإيرانية وتوسع في أكثر من مئتي مدينة إيرانية، ومن بينهم خمين مسقط رأس الملا خميني مؤسس إمبراطورية الادعاء والباطل والغي والبغي، وقد كانت دموع أبويها عزيزة كريمة عند الله البر الرحيم فزلزلت عروش الملالي المجرمين وأظهرت جبنهم ودناءتهم للعيان وكان هذا جزءاً من عقاب من لا يخشى الله سبحانه وتعالى.

دورية الإرشاد تحمي النظام من السقوط وليس الدين

لم يكن عمل ونهج ما تسمى بدورية الإرشاد، والتي هي في حقيقتها دورية الإفساد من أجل حماية الدين أو رعايته، بل كانت من أجل تحرير النظام من مخاوفه من السقوط بعد أن رأى تعاظم الرفض الشعبي له ونفاذ صلاحيته الذي أتى بـ الجزار رئيسي جلاد 1988 لتجديدها ولم ولن يستطع الجزار تجديدها لأن ذلك خارج اختصاصه الإجرامي وقد أفلح المخلوق في اختصاصه وهو القتل والقمع والتعذيب والسجن والأحكام الجائرة لكنه لم يفلح في إيجاد حلول سياسية ولا اقتصادية ولا خدمية بل زادها سوءاً لأنه ليس من اختصاصه.

 لقد كان اعتقال دورية الإرشاد لـ جينا أميني همجياً بربرياً لا يمت لدين الإسلام الرحيم أو قيم المسلمين بصلة كما لا يمت لأي قيم حضارية إنسانية بصلة أيضا فليس من المعقول أن يستنفروا كل تل القوى البربرية من أجل اعتقال نساء زاح الحجاب عن رؤوسهن بفعل الزحام أو لطبيعة القماش الذي لا يثبت على رؤوس النساء جيداً وحالة الناس المادية لا تسمح لها بشراء ما هو أفضل أو ركوب وسيلة نقلة مريحة سلسة تحافظ على هيأتهن وثبات ملابسهن من جهة، ومن جهة أخرى لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي، وكل إنسان على نفسه بصيرة، وأنتم أنفسكم يا من تريدون الحجاب والملابس الإجبارية ظالمون وغير مهتدون وتخرجون عن شرع الله تقتلون وتسرقون وتنهبون وتطلمون وتريدون من الناس الانضباط وفق الدين وأنتم ضالون مضلون، وبالأحرى كونوا قدوة للغير قبل أن  تكرهوا الناس في دينهم، ومن جانب آخر هذا هو حال الناس فما هو الجديد الذي جد لهذا التجييش والعسكرة البربرية.. في الحقيقة الجديد هو الخوف من هاوية السقوط ومن يوم القصاص وهو في كل الأحوال واقعٌ لا محالة ولا مفر منه وفقاً لقانون العدل الإلهي حيث جعل الحكم العدل لصاحب الحق سلطاناً مؤيداً من العزيز القدير.

تنهال دورية بأكملها بالضرب المبرح والتنكيل على فتاة صغيرة لم تتوقع أن يحدث معها كل هذا بسبب سوء الحجاب أي أنها كانت ترتديه في الأساس وتحرك عن رأسها دون قصد، ولم يسلم شقيقها الصغير من الضرب أيضاً وهو يحاول إنقاذ شقيقته من مخالب تلك الوحوش، ويقول عمها عم جينا أميني إن الناس تجمهرت لأجل الفتاة وشقيقها وأن الشرطة استخدمت غازاً مسيلاً للدموع لتفريقهم.

صدق الانتماء دليل الإخلاص والوفاء

في المشهد التالي صدق انتماء وإخلاص ووفاء ودليل ودرس لو أن الملالي وغيرهم قاموا عليه وتحلوا به لكان خيراً لهم ولم يكن هذا حال إيران والدول المجاورة لها بسبب طغيان وغطرسة الملالي.

بعد اعتقال جينا أميني وصعودها عنوة بطريقة الاختطاف إلى مركبة دورية الإفساد وليس الإرشاد وضربهم إياها داخل السيارة، انطلقت السيارة مسرعة للهروب من الناس وهنا كان موقف الصبي الذي لم يبلغ الحلم بعد ولكنه الصادق المنتمي المخلص الوفي لأخته إذ قام يسابق الريح جرياً ليلحق بخاطفي شقيقته ووصل إلى حيث يحتجزون شقيقته وسائر البريئات الأخريات وجلس في الشارع ينتظر بعد أن فشل في تحريرها منهم أو متابعتها حيث لم يسمحوا له بذلك وخرجت بعد ساعتين سيارة إسعاف علم أن من فيها هي شقيقتها فلحقها إلى المستشفى وتبعه أهله أيضا، ويسقط هذا الدرس التلقائي الفطري من هذا الصبي الصغير شرعية نظام الملالي كليا.

الجدير بالذكر والتحية في هذا الإطار أيضاً أن السيدة مريم رجوي، زعيمة المقاومة الإيرانية، ومن خلال متابعتها لهذه الحالة على وسائل التواصل الإجتماعي ومن خلال ما تصلها من أخبار من داخل إيران كانت أول من قام بواجبه الوطني والأخلاقي والإنساني معلنة النفير والحداد العام مطالبة بحراك جماهيري لأجل هذه الفتاة الكردية البريئة التي أصبحت أيقونة للثورة الوطنية الإيرانية والتي مثلت كل امرأة وفتاة مظلومة في إيران والعالم، وباتت كل فتاة وامرأة في إيران بعدها مشروعاً للفداء من أجل الحرية، وفي نفس الوقت هدفاً للموت على يد ملالي الضلال والرذيلة، وتوالت بعد جينا أميني شهادة عشرات الفتيات والنساء والأطفال من أجل خلاص إيران والشرق الأوسط كله بل والعالم أيضاً من كابوس الرجعية في إيران.

خفايا مقتل جينا أميني    

كانت الحشود المتجمهرة في موقع الاعتقال شهوداً على ما حدث، ودفعت السلوكية البربرية الهستيرية لدورية الإرشاد (الإفساد) الحاضرين إلى الاستغاثة بالصراخ مما دفع الدورية إلى اعتقال بعض أفراد الحشود وقد كانت واحدة على مسافة قريبة منهم فحملوها أيضا مع جينا أميني في المركبة معهم لتصبح شاهدة على ما جرى بحق جينا أميني في المركبة، وتضيف الشاهدة "لقد دخلنا أنا وجينا (مهسا) أميني" في جدال حاد مع العناصر القمعية رافضين اعتقالنا لكنهم حاولوا إسكاتنا بالعنف الجسدي وتعرضت مهسا أميني للضرب المبرح لكنها بقيت في وعيها ووصلت إلى معتقل شارع الوزراء معتلة متضررة، وتُرِكت مهملة في الحجز رغم ظهور علامات شحوب عليها وفق شهادة أخرى، وقد طالب المحتجزون من عناصر المعتقل العناية بها إلا أنهم رفضوا ذلك فساءت حالتها وازداد وتعالى صراخ المتحجزات فهجمت عليهم الشرطة بالضرب بالهراوات ورذاذ الفلفل وتلقت مهسا أميني ضربات بالهراوات مرة أخرى على رأسها. وفي رواية أخرى إضافية وهي كما يُقال شهادة شاهدٍ من أهلها يكشف الملازم الأول حسن شيرازي الذي يعمل بدورية الإرشاد في طهران النقاب عن كيفية الإصابة التي أودت بحياة مهسا أميني قائلاً: كنت أرى مهسا من نافذة أحد الطوابق عندما أخرجوها من المركبة الشاحنة وقد كانت الفتاة في حالة هلع خائفة جداً وتصرخ بصوت عالٍ وتضع يديها فوق رأسها متألمة، وفي هذه الأثناء توجَهت إليها إحدى الأخوات (الشرطيات) وقالت:لا تصرخي كل ما في الأمر أنك ستكتبين تعهداً خطياً وسيتم إطلاق سراحك خلال ساعة، وسيطر الخوف على الفتاة واستمرت في الصراخ تقول اتركيني وشأني في حين كان زملاء السيدة التي تخاطبها يجرونها باتجاه مبنى معتقل الإرشاد وهي لا تزال تصرخ، وفجأة تدخل الحرسي العقيد سيد عباس حسيني، قائد وحدة الإرشاد، غاضباً جداً لسماعه عندما سمع صراخ الفتاة ووجَّه لكمة قوية على رأسها، وقال: "اصمتي أيتها الفتاة العاهرة" وسقطت مهسا على الأرض وطبق الصمت على وحدة الإرشاد ثم ركلها وقال خذوها إلى المحجر السلبي رقم 2، وهو أحلك المحاجرٍ ظلاماً في وحدتنا.

غابت مهسا عن الوعي وحالت النساء رفعها، وقالت السيدة صديقي: سيادة العقيد إنها لا تتمارض إنها فاقدة للوعي، كما قالت السيدة خالقي بقلق شديد إنها تنزف من أذنيها، وانطلق الجميع على الفور في عجلة من أمرهم وعاد العقيد الذي لم يُرد أن يُظهر قلقه بغطرسته المعتادة إلى غرفته ووصلت سيارة الإسعاف إلى الوحدة بعد 20 دقيقة ونقلت مهسا إلى المستشفى، ويضيف قمت بنشر الحقائق للشعب الإيراني بموجب ما يمليه عليه واجبي الشرعي والشرف العسكري الذي أقسمت عليه كما أرسلت هذه الحقائق خطياً إلى الهيئة ومكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة لبحث الأمر، حيث لم تُصب مهسا بنوبة قلبية، وإن هذه لأكبر كذبة يروّج لها منتهكو القانون في جريمة قتل فتاة مسلمة، وهذه شهادة دقيقة أخرى دقيقة ومنصفة تُضاف لسابقاتها حول هذه الجريمة، وكذلك تبين هذه الشهادة أن الرفض لسلوكيات النظام الإجرامية من داخل النظام رفضٌ متنامٍ إلى حد المجاهرة به وهذا دليل على تصدع النظام من الداخل. وأما الآراء العلمية للأطباء من ذوي الاختصاص بعد ظهور الصور المنشورة لـ مهسا أميني في سرير المستشفى وأذناها تنزفان دماً فتقول إن نزيف الأذن لا علاقة له بالنوبة القلبية، وإنه ناتج عن كسر في الجمجمة وارتجاج المخ. وقد يؤدي تأثير الارتجاجات في المخ إلى وفاة المريض بعد بضع ساعات وحتى بعد أيام قليلة، ومن جانبه كتب طبيب على تويتر أن الفيديو الحكومي المنشور لا ينفي تعرض مهسا أميني للضرب على جمجمتها والطب يقول إن المصاب بالضربة قد يستعيد وعيه ثم ينتكس من جديد مرة أخرى، وقد جاءت تغريدة لمستشفى كسرى على أنستغرام قاموا بحذفها تؤكد وجهتي النظر العلمية الطبية هذه وتؤكد أن مهسا أميني توفيت بموت دماغي ثم أُحيلت إلى الطب الشرعي.

 ثم تتأكد حقيقة ما تقدم من خلال ما كتبه رئيس مجلس تنسيق المنظومة الطبية في محافظة هرمزكان في رسالةٍ موجَهةٍ إلى رئيس المنظومة الطبية في البلاد عن ضرورة التحقيق وتوضيح سبب وفاة مهسا أميني موضحا أن نزيف الأذن والكدمات تحت العينين لا يتوافقان مع الإصابة بالجلطة الدماغية.

رحم الله جينا أميني وكل النساء والفتيات والأطفال الذين لقوا حتفهم على أيدي المجرمين المتسلطين على حكم إيران، والنصر والمجد لثورة الحق في بقيادة النساء في إيران.

 ليفانت - د. محمد الموسوي

المصدر https://women.ncr-iran.org/ar/

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!