الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
خمسة عوامل وراء إخفاق الإسلام السياسي
عماد غليون

شهدت حركات الإسلام السياسي في الأونة الأخيرة تراجعاً واضحاً في قوتها وحضورها  السياسي, كما منيت بخسائر واسعة في حاضنتها  الشعبية، وقامت العديد من الدول بحظر الترخيص  لحركات  وأحزاب إسلامية وحظر أنشطتها  وصولاً لتصنيفها ضمن  قائمة  المنظمات  الإرهابية،  وعلى خلفية الحصاد المر للربيع العربي والتحولات الدراماتيكية في مساره باتت تعيش أزمة وجودية خانقة، وضاعف  ذلك من  أزماتها  التاريخية المتشعبة والكثير من المآزق التي مرت بها  منذ  تأسيس حسن البنا  جماعة الإخوان المسلمين في مصر قبل نحو قرن من الزمن، ويمكن دراسة وتصنيف أسباب تداعي حركات الإسلام السياسي ضمن خمسة عوامل أو محاور رئيسية.


1- الأصولية  والنشأة السلفية: على النقيض من  معظم الجمعيات العربية  التي  ظهرت في نهايات الحقبة العثمانية التي طرحت برامج نهضوية  إحيائية  قومية، كرّست  الحركات والتنظيمات  الإسلامية  أهدافها  وبرامجها  لغاية الوصول للسلطة  ثم فرض  نظام حكم  إسلامي  يعيد إحياء مجد الخلافة الراشدة للأمة الإسلامية.


اعتمدت الحركات مناهج  أصولية ترتكز على التمسك والالتزام بحرفية  وتفاصيل النصوص والتراث، وأدى ذلك  لسيطرة المدارس السلفية على أدبياتها، التي اتجهت  نحو التشدد في فرض  تطبيق الأحكام وإعادة استنساخ نظام الخلافة الراشدة بكافة تفاصيلها، ومن ثم رفضت التعاطي والقبول بالنظم السياسية المعاصرة والاعتراف بالعملية الديمقراطية والمؤسسات السياسية المنبثقة عنها، وفقدت جراء ذلك  الديناميكية الضرورية للنشاط السياسي والقدرة على قبول واحترام الطرف الآخر، وبدلاً من قيامها بمراجعات نقدية جدية كانت تتجه مع إخفاقها لرفض التطوير نحو مزيد من التشدد والأصولية وتوجيه الاتهامات للغرب بالمؤامرة على الإسلام والمسلمين.


2- الأمة الإسلامية  لا الدولة الوطنية: اندفعت الحركات في السعي لتطبيق  الخلافة  الجامعة متجاوزة  حدود وإطار الدولة الوطنية  والعمل في إطار الأمة الإسلامية الجامعة، ويفسر ذلك الغاية من  تشكيل  التنظيم العالمي  للإخوان المسلمين الذي اخترقت نشاطاته الحدود السياسية للدول في إطار فوق وطني، الأمر الذي جعل ذلك  في حالة عداء وصدام مباشر مع الأنظمة والحكومات، إضافة لوقوفه ضد  المشاريع الوطنية  والقومية  والإيديولوجية، ناهيك عن الصراعات المريرة بين التيارات الإسلامية نفسها في الحصول على امتياز صلاحية التمثيل وقيادة الأمة.


3- العمل السري والمشاريع الانقلابية: واجهت الحركات الإسلامية  الحظر  بالتوجه للعمل السري، وشكلت منظمات وأجنحة عسكرية سرية موازية  تمكنها  الانقلاب على الأنظمة، التي اتخذت من  حربها ضد التنظيمات الإسلامية  مطية لتغطية  قمع وانتهاك  الحريات  وممارسة الاعتقال السياسي، ونشبت بين الطرفين صدامات دامية أوقعت ضحايا ومجازر في مصر والجزائر وسوريا وغيرها، كما ترسخت حالة  من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.


وقعت  التنظيمات الإسلامية في ممارسات براغماتية غير مبررة تتنافى مع مبادئها المعروفة وقيم الإسلام نفسه،  وقامت بخلط واضح  بين نشاطها  الدعوي الأساسي  وعملها السياسي والراديكالي الذي شابه غموض شديد  مع تجاوز كافة  الأطر القانونية والدستورية القائمة وخسرت تدريجياً ثقة الشارع بأهدافها الحقيقية المعلنة مع انكشاف  سعيها الوصول  السلطة بغية  احتكارها.


4- الفشل في التعاطي مع وقائع الربيع العربي: رغم أنها لم تكن وراء اندلاعه  إلا أن  حركات الإسلام  السياسي بما تملكه من تعاطف جماهيري واسع استطاعت ركوب الحراك العربي وقيادته، واستغلت  فراغ  الساحة من الأحزاب والكوادر التنظيمية جراء حالة التصحر السياسي القاسي وحظر الأنشطة السياسية الذي فرضته الأنظمة الديكتاتورية خلال عقود، لكنها فشلت في التعاطي الإيجابي مع وقائع قوتها الجديدة ووصولها للسلطة بالفعل في مصر وتونس وليبيا، حيث برزت طبيعتها الشمولية الاستبدادية ونواياها في احتكار السلطة والحياة السياسية وتجاوز أساليب العمل الديمقراطي.


إضافة للهواجس الداخلية ظهرت مخاوف خارجية من تسلم تنظيمات إسلامية متشددة مقاليد السلطة، حيث يمكنها فرض معطيات جيوسياسية جديدة  فوق وطنية أو قومية، ومن ثم نشوء حالات من الصراع والتنافر في المصالح الإقليمية والدولية، وأدى تضافر قوى داخلية وخارجية ضد حركات الإسلام السياسي  لإلحاق خسائر فادحة في  مسار الربيع العربي وحرفه عن مساره.


5 - من الجهاد إلى التطرف والإرهاب: تصنّف الحركات الإسلامية كافة أعمالها ضمن فرض الجهاد المقدس من أجل  تطبيق أحكام  الشرع وإقامة دولة الخلافة، وتعتبر العمل المسلح  ضد الأنظمة الحاكمة كفاحاً مشروعاً، لكنها وسعت نطاق عملها نحو الانخراط في مشروع  موحد للجهاد العالمي مع تشكيل  تنظيم القاعدة في أفغانستان بهدف الحرب ضد الاتحاد السوفييتي لصالح الغرب وأمريكا، وكانت هجمات القاعدة في  أيلول 2001 بمثابة منعطف خطير في تحولها نحو  خوض مواجهات مفتوحة الزمان والمكان مع الغرب.


تنامى التشدد مع ازدياد نفوذ  التيارات التكفيرية في صفوف التنظيمات الجهادية وتحول نحو  مزيد من التطرف والقيام بعمليات إرهابية ضد المدنيين في الغرب، ومع  أسلمة الربيع العربي وسيطرة تنظيمات جهادية  من القاعدة وفروعها  عليه، تحول لمعارك  ضد  الإرهاب بقيادة الأنظمة وتحالف غربي  وتدخلات إقليمية ودولية، وأعطى ذلك المبرر لإخماد الربيع العربي وارتكاب كوارث إنسانية بحق الشعوب خاصة في سوريا وليبيا واليمن، إضافة لخسارة الشعوب فرصة نادرة للحصول على حقها في الحرية والكرامة، والمريب أنه لم تظهر مواقف واضحة من حركات الإسلام السياسي في إدانة وشجب التطرف والممارسات التكفيرية والإرهابية للتنظيمات الجهادية، ودفع ذلك لتأكيد الشكوك حول ترابط وثيق خفي  بين الجناحين السياسي والجهادي.


على حركات الإسلام السياسي أن تعترف بمسؤولياتها التاريخية وما ارتكبته من أخطاء فادحة بحق شعوبها، ويجب أن  تدرك أن دورها التقليدي التاريخي انتهى وبات  التنحي والابتعاد عن عالم  السياسة  فضلاً عن عدم تقديم أي  دعم للتنظيمات الجهادية المتطرفة والإرهابية من أجل تجنب الإساءة للإسلام نفسه  وما يحمله من قيم تسامح وسلام.


عماد غليون - كاتب واعلامي سوري

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!