الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • خيرة مباركي: العمل الفنّي قصيدة لونيّة، وكل منجز إبداعي تحكمه شعريّة خاصّة

خيرة مباركي: العمل الفنّي قصيدة لونيّة، وكل منجز إبداعي تحكمه شعريّة خاصّة
بسام طعان


ناقدة وباحثة وفنانة تشكيليّة تونسيّة، حاصلة على شهادة الإجازة في اللغة والآداب والماجستير في الأدب/كلية الآداب والعلوم الانسانية من جامعة القيروان، وهي مساعد رئيس التحرير لمجلّة الحرف المحكّمة بجامعة ستراتفورد الأمريكيّة، شاركت في كتاب نقدي طبع في البحرين وبإشراف وزارة الثقافة البحرينية، وفي الموسوعة العالمية (أتليه مصر) ضمن جزئين ترجما إلى العربية والإنجليزية والإسبانية، وأيضاً صدر لها “عيون تعزف الوجد”، ديوان شعر 2017، و”مخاض الاشرعة”، ديوان شعر. وكذلك دواوين جماعية منها ديوان “مبدعات في دائرة الضوء”، القاهرة 2020، تنشر دراساتها وبحوثها في الدوريات المحليّة والعربية. خيرة مباركي


_تمارسين كتابة الشعر والنقد بالإضافة إلى الرسم، وأي جنس وعمل فنّي استلهام وعقيدة، همّة وتجربة، يؤدّي مجموعها إلى الاحتراف.. هل تعتبرين نفسك هاوية أم محترفة؟ 


 


*صحيح كل عمل فني هو استلهام وهمّة وتجربة ويتحوّل إلى عقيدة، كل ذلك قد يؤدّي إلى الاحتراف، ولكن المسألة هنا تتحدّد بمفهومنا للاحتراف، هل نعني به ممارسة العمل بصفة مستمرّة ومنتظمة بقصد الارتزاق منه فصير حرفة ومهنة له، أم نعني بذلك حصول الفرد على كفاءة مبهرة في ذلك النشاط. في كلتا الحالتين لا نستطيع أن نجزم هذا الأمر وخاصّة في مجاليْ الشعر والرسم، وهنا طبعا أتحدّث عن تجربتي كرسامة و”شاعرة” (رغم أنّي لا أحبّذ هذه التسمية الأخيرة)، فأعتبر نفسي هاوية أتعلّم باستمرار ولا أتّخذ منهما مطيّة للتكسّب والارتزاق. أما في مجال النقد فقد يرتبط بالاحتراف في بعض جوانبه، باعتباري أستاذة أدرّس الأدب العربي وأمارس النقد وأعلّمه لطلاّبي.


_العمل الفنّي هو قصيدة لونيّة، وأنت بارعة في الفن والشّعر، لماذا اخترت الشّعر والفن التشكيلي لتبدعي من خلالهما وأيّهما تجدينه الأجمل؟ 


*فعلا العمل الفنّي قصيدة لونيّة، وكل منجز إبداعي تحكمه شعريّة خاصّة، يمكن أن تؤثّر في المتلقّي، وشاعريّة مؤثّرة ترحل بنا في عوالم قصية، فننفعل ونحلّق بعيداً إلى حيث تقودنا أخيلتنا، فنحاوره وننفعل به بين الامتاع والاقتناع. وعن اختياري الشعر والفن التشكيلي أقول قد تكون الصدفة أو القدر أو ربما هو أمر خفي لا ندركه، كل ما أعرفه أنّي لم أعِ بذاتي إلا وأنا أشعر بأنّ أصابعي توّاقة لقلم الرصاص منذ نعومة أظافري، وكنت مميزة في ذلك ومحلّ إعجاب. أما الشعر فلا أذكر تاريخ ولادتي فيه، كل ما أعرفه أنّ الشعر ينبثق أحياناً من حيث لا أعرف. فيندفع متدفقاً في لحظة عصيان عتيدة لا أدركها فيولد وأولد مع كل ولادة.



أمّا ما تعلّق بسؤال أيهّما أجيد ويكون الأجمل، فلا أستطيع أن أحدّد ذلك، نظراً إلى أنّ كل عمل فني هو خلق وإبداع، ومن ثمّ هو انبعاث لأشياء بأعماقنا نطلقها نزفاً وننفثها معاناة، وفي لحظة ينتصر اللون وفي لحظة أخرى يغلب الحرف، ولكلّ روحه الإبداعيّة وقدرته على التعبير. مهما اختلفت الوسيلة فهي بعض منّا ومشاعر أعرناها لغيرنا ولهم الحكم.


_ما الذي يثير الناقدة والفنانة التشكيليّة والشاعرة خيرة مباركي ويحرّك مشاعرها ويدفعها إلى أن تقول ما تريد من خلال الكتابة والإبداع؟


*أشياء كثيرة يمكن أن تثيرني وتحرّك بداخلي الرغبة في الكتابة أولها الجمال، وخاصّة في الكتابة النقديّة، فالنصّ الجميل أو اللوحة الساحرة يمكن أن يسطوان على اهتمامي ويقوداني قسراً إلى عالمهما فأرتادهما مغامرة أستجلي هذا الجمال وأحاوره. وثانيها عواطفنا التي تغلبنا في لحظة فارقة فنترجمها باللون أو الحرف. وغالباً لا نقف على شفا اللحظة الإبداعية، بل نستشرف لحظات جميلة تتراءى في الأفق  البعيد، فنزرعها أملاً وتجدّداً وانبعاثاً من خلال الألوان والخطوط والحروف. فيكون ديدنا للجمال، وإن غاب هذا الجمال في حالة ألم نترجمه أملاً وسحراً، فتغدو اللحظة إيذاناً ببداية جديدة نكون فيها أجمل وأقوى.  


_ما جدوى القصيدة في عالم يسوده اللامبالاة؟


*هي مدّخر لمخزون أخرجناه فيها، يكفينا أن نكون قد أفرغنا هذا المخزون وتحرّرنا من أثقاله، أمّا بعد فسيأتي يوماً قارئ جدير بها.


_أيهما تفضّلين كتابتها، القصيدة الكلاسيكيّة، أم التفعيلة أم النثر؟ وكيف يتشكّل النصّ الشعري لديك؟


*أحبّ الشعر بكل أشكاله، فقد أطربني، وتفاعلت معه، بدءاً من قصيدة العمود الجاهليّة، فشعر المولدين والمتنبي وشعراء الأندلس وغيرهم مما درّسته ودرسته في الأدب العربي القديم وحلقت معهم مروراً بقصيدة التفعيلة وما فرضته من جمالية شعريّة ولذة التجاوز وصولاً إلى قصيدة النثر ومراوغاتها الفنيّة. وحين أكتب أجد نفسي أكثر مع قصيدة النثر لهذا أفضّل الكتابة فيها، ذلك أنّها تأخذني إلى ما لا نهاية، إلى حيث يسافر الذهن في مغامرة تخييليّة، هي الفوضى الوحيدة ضد قيود الأنظمة، فنتحرّر ونطلق العنان لللغة لا تحدّنا القوافي ولا تقيّدنا القواعد.


_يتشكّل النصّ الشعري في لحظة تيه ليس لها قرار، حين تعرج الروح إلى عوالمها، فتقتنص نوراً، فلا أكون إلا مع نفسي، وغالباً ما تنشأ هذه اللحظة في طريق سفر طويلة فأسافر مع المسافات وأرتاد مرافئها ويولّد النصّ، أقتنصه على حين غفلة. أذكر قصيدة لي “تتهاوى تحتي العروش” كتبتها وأنا مسافرة في قطار لمدّة ستّ ساعات من إيطاليا إلى مدينة “نيس” الفرنسيّة. لم أدرك يومها كيف كتبتها، كل ما أدركه هو أنه كان يوم عيد ميلادي. وطرحت الذاكرة مخزونها، فتدفّق الكلم وصار شعراً.


_من برأيك الشّاعر المبدع الذي يوفّر لقرّائه المتعة الجماليّة ويترك فيهم أثراً عميقاً؟ 


*الشاعر المبدع الذي يوفّر لقرّائه المتعة الجماليّة ويترك فيهم أثراً عميقاً هو الأكثر إقناعاً بالصّورة والقدرة على التخيّل، وهو الذي يستطيع أن يحدث الدّهشة ويثير القلق، فالنصّ الذي لا يقلق لا يمتّع والشعر يقتله الوضوح.


_بعض الأصوات تعتبر قصيدة النثر طاقة شعريّة هائلة ومختلفة، في حين ترفضها أصوات أخرى بحجّة أنها لا تنتمي إلى الشّعر لغويّاً وفكريّاً وإيقاعيّاً وأنّها تضع المتلقّي في حيرة من أمره وتدفعه إلى مقاطعة الشّعر عموما، ما رأيك؟ 


*لكلّ متلقٍّ ذوقه الخاصّ، ولكن الذي لا يستسيغ قصيدة النثر ويرفضها حتماً هو من ألِف إيقاعات البحور والقوافي، وهذا حقّه ورؤيته. ولكن ليس من صائب القول إنّها لا تنتمي إلى الشعر لغويّاً وفكريّاً وإيقاعيّاً، ولا إنّها تدفع المتلقّي إلى مقاطعة الشّعر. قصيدة النثر هي شكل من أشكال الشعر الحرّ، وحلقة من حلقاته. وإذا كانت قصيدة التفعيلة اعتمدت على استراتيجية خاصّة في الإيقاع وركّزت على الإيقاع الخارجي، فقصيدة النثر لها استراتيجيتها المميّزة أيضاً، ارتبطت بإيقاع داخلي لا يمكن تجاهله. هذا فضلاً عن جملة من الخصوصيات التي جعلتها تقتحم عالم الشعر عنوة وذلك بفضل لغتها المفارقة للمألوف التي تنشئ أنساقها الخاصّة، وتعيد تشكيلها وفق رؤية الشاعر الذاتيّة ممّا يجعلها تفارق الكلام العادي إلى لغة شعريّة موحية تتحرّر من قواعدها فتثير الدّهشة باللامتوقّع واللامألوف الذي يخلق شعريّتها.   


_ما من فنان اختار لنفسه طريق الرسم والإبداع، إلاّ وقد أرسى في أولويّاته موقف المتلقّي والنّاقد منه، حين تمسكين الرّيشة، هل يكون المتلقّي والناقد في مخيلتك، إلى جانبك، ويرسم معك وجهة الرّيشة وخارطة اللوحة؟ 


*صحيح، ربّما كان موقف المتلقّي حاضراً في ذهن المبدع في لحظة من اللحظات، لكنّها ليست لحظة الولادة الأولى للفكرة وبداية التشكّل حين نمسك الريشة أو القلم، لأنّ هذه اللحظة هي ملك الفنان دون سواه، وإلاّ لن يكون فنّاناً، فما يبدعه هو من أعماقه، حتى كأنّنا نلحظ أنّ الريشة تتحرّك أحياناً، وحدها عبر قوة خفيّة بداخله تسيّرها وكأنّه فعل اللاشعور وهو ينفث ما ترسّب في أعماقه من عواطف وأحاسيس، هو يعيشها لذاته ومع ذاته  فيغيب كل العالم من حوله ويعرج إلى عوالمه الخاصّة يقتنص منها روحاً يبدعها من جديد في ذلك العمل الفنّي، فيحدّد خارطة لوحته أو قصيدته. ربّما بعد ذلك يستحضر الناقدَ أو المتلقّي، عندما يثوب إلى عالم الألوان أو ذلك النسيج اللغوي وهو يراه كياناً سويّاً حينئذ يستحضر من يمكن أن يحاوره، فيغيّر أمراً أو يعدّل فكرة استجابة لما يمكن أن يقال في شأنها.


_ما شكل العلاقة بينك كناقدة وتشكيليّة وشاعرة، وبين النقّاد، وهل النقد الأدبي والفني العربي نقد حقيقي أم أنّه مجرّد نقد صداقات لا أكثر ولا أقلّ؟ 


*العلاقة بيني وبين النقاد هي علاقة احترام وتقدير، هذا لأنّي أحترم فنّي من ناحية، ثم لأنّي أسعى دائماً إلى تقديم الجديد فلا أعيد غيري وأحاول أن أكون متفرّدة ومقنعة، وأحظى بالتفاعل والإعجاب من الأغلبيّة. في المقابل، قد تجد من يخالفك الرأي والرؤية، صحيح لم أتعرّض إلى ذلك، لكن يمكن أن يكون صمت البعض موقفاً معلناً. وفي كل الحالات، أنا فخورة وسعيدة بأدباء ونقاد من كامل الوطن العربي بما يمتلكون من طاقات إبداعيّة وعدد كبير منهم هم أكاديميون، لهذا أتعلّم منهم وشهاداتهم في حقي وسام أفخر به كثيراً وأسعد.


وما تعلّق بما طرحته حول مدى مصداقيّة النقد الأدبي والفني، وهل هو حقيقي أم مجرّد علاقات، فقد تجد النقد الجاد كما تجد النقد الفوضوي، كلاهما موجود ولا نستطيع أن نجزم بمصداقيّته وعدم مصداقيّته، ذلك أنّه يوجد النقد الرصين الذي يستند إلى أسس علميّة وموضوعيّة، وهذا يرتبط أساساً بفئة من الأكاديميين العارفين بأدواتهم النقديّة. في المقابل، قد نجد دخلاء على النقد منهم من يجعل مما يكتب سيفاً مسلّطاً على المبدع، ومنهم من يسلّط على النصّ ويحمّله ما لا يحتمل ومنهم من يعيد النص فيكون مجرد سلخ لمعانيه، وغالباً ما يكون هذا النوع مجرّد مجاملات وكسب الودّ إذا ما تعلّق بنصوص هزيلة، وقد يظلم النص الجيد ولا يعطيه حقّه من الدّرس. قد تحضّر علاقات الصداقة وهذا في حالة واحدة، وهو أن يكون العمل مثيراً فيقنعك ويدعوك للدرس. في هذه الحالة لا ضير أن يكون مدار نقدنا باعتباره أمام أعيننا، فلم نبحث عن غيرهم. لكن إذا لم يكن في المستوى الفني فلا نستطيع أن نكتب شيئاً لأنّه لا يستحق.



_هل يمكنك أن تحدّثي القارئ عن استراتجيّتك في القراءة النقديّة وكيف تقرئين النصّ الأدبي والعمل الفنّي؟


*يمكن أن نعتبرها استراتيجيّة، ولكن الأصوب هو اعتبارها حاجة وضرورة نتعامل بها مع النص أو العمل الفنّي. أول قراءة أو نظرة لهذا العمل يمكن أن أنجذب إليه أو أتحاشاه، لأن النص الذي لا يعجبني لا أستطيع درسه مهما كانت المغريات، فأكتفي بالصمت أو يمكن أن أحاور صاحبه وأعلمه بأنّ له نقائص فيه، وما لا أقبله بالحدس لا أقبله بالعقل والدرس. وأمّا النص الذي يعجبني ويؤثّر فيّ، فأتماهى معه وأقتحم كل أسواره لأحفر على مواطن الجمال فيه. بهذا أبحث دوماً على ما يميّزه وما يجعله أكثر شاعريّة وتميّزاً وأحاول دوماً أن أكون مختلفة ومتفرّدة في قراءاتي وفق ما تمليه ثقافتي ومكتسباتي العلميّة، لأنّها برأيي الأهم في حلقة النقد، فالنصّ كيان جامع لا يمكن أن نشتت أحد أركانه، ولا ندرك هذه الأركان ما لم تكن لنا دراية بأقطاب معرفيّة مختلفة بل ونمارسها، تضاف إليها القدرة على التأويل، فأسعى حينئذ إلى البحث حتى أوفيه حقّه من الدرس. وقد يكون المجال فسيحاً فأتناول أغلب خصائصه، وإذا تعذّر أكتفي بجانبه المهم والطاغي، فتكون الدراسة جزئيّة وتتعرّض إلى مفصل هام فيه.


_اللوحة من يرسمها، هل هي التي ترسم ذاتها بذاتها وليس للفنّان دور في التحكّم بمجراها، أو بكبح تدفّقها اللاشعوري، أم الكامن في أعماق الفنّان هو الدافع لرسمها، أم موهبة الفنان وقدرته على الرسم البارع؟ 


*الفنان إنسان ثنائي الوجود، شعور ولا شعور، وعي ولا وعي، روح وعاطفة وعقل وفكر، ولا معزل لطرف عن الآخر، ما يبطنه من مشاعر وأحاسيس يستفزّه بعمل فنّي يمكن أن يتدفّق في لحظة ويلفظ كل تلك الأحاسيس على شاكلة ألوان وخطوط وأشكال، لهذا تجتمع موهبة الفنان وبراعته في تجسيد كل ذلك، ويمكن أن تكون قوّة الإحساس والشعور الباعثين على العمل الإبداعي في تلك اللحظة هو ما يحرّك فرشاته فتنطلق دون قيد.


_يقال إنّ على الفنّان أن يبدأ بالمدرسة الواقعيّة حتى تكون لديه مرجعيّة لأسس اللون وتكوين اللوحة وفهم عناصرها من لون وخط وفراغ، وبعد ذلك يستطيع الانتقال إلى أيّة مدرسة أخرى، ما مدى صحّة هذا القول؟ 


*لا أعتقد أنّه على الفنان أن يبدأ بالمدرسة الواقعيّة حتّى تكون له مرجعيّة لأسس اللّون وتكوين اللوحة وفهم عناصرها، لأنّ ذلك يكتسبه تدريجيّاً بالدّربة والوعي والتعلّم، والدليل على ذلك أنّ الطفل أحياناً يرسم صورة ليس لها أيّة علاقة بالواقع، هي مجرد خطوط وألوان، غالباً ما يعبّر فيها عن عالم لا يدركه سواه، وعندما تسأله يجيبك بأنّه لشيء ما أو لوضعيّة ما موجودة في واقعه.  هذا فضلاً على أنّ المبدع، وهو يرسم، غالباً ما لا يكون له وعي أصلاً بهذه المدارس في لحظة من لحظات عمره وتكوينه فلا يفرّق بين الواقعيّة والرمزيّة والرومنطيقيّة وغيرها.


_حدّثينا عن فلسفتك مع الألوان، وهل اللّون في اللوحة له الأهميّة مثل الفكرة أو الموضوع، وما اللّون الذي تعملين على أن يكون دائماً في لوحاتك؟ 


*اللون هو صورة للحياة بمتغيّراتها المختلفة والمتنوعة، واللوحة هي ذلك العالم الفسيح الذي تتجوّل فيه فرشاة الفنّان فتتلوّن بتلك الصورة التي يراها في لحظته الإبداعيّة الراهنة. وهذا ما يجعل للون قيمة كبرى لأنّه المعبّر الأوّل عن فكرة المبدع وموضوعه، لهذا أحيانا يكتفي بالألوان مستغنياً عن الخطوط والأشكال، فينثرها وكأنّها تستجيب لفسحة الفرشاة وسفرها على القماشة، فتعكس رؤية الفنان وهو يمسك بها. بهذا فقدرة الفنان تتأتّى من لعبه بالألوان ومزاوجته بينها حتى تعبّر عن فكرته. وفي الآن نفسه، يحدث ذلك الإيقاع البصري الذي يثير الانفعال ويحرّك شعور المتلقّي وذائقته، وهنا تتشكّل شعريّة اللون.


مّا اللون الذي أحبّذه، فهو اللون الذي يعبّر عنّي في تلك اللحظة الإبداعيّة، وغالباً ما أراوغ في التعبير عنها بما لا يلائمها فتكون بذلك رؤيتي المتميّزة وفلسفتي الخاصّة.


_ما هي أهم عناصر اللوحة الفنّية التي تثير الإعجاب في نفس وعين المتلقّي؟ 


*عناصر اللوحة كلّ متكامل، والانسجام بين عناصرها بما فيها من ألوان وخطوط وأشكال، هو ما يثير الإعجاب في نفس وعين المتلقّي، فهو يحدث حركة حسيّة ونفسيّة توقّع الخطاب فيها وتجعله أكثر تأثيراً وفاعليّة. لذلك فالفنان العارف بمكونات لوحته من عمق وبؤر وتمازج لوني وظلال وتدرّج حركي، كل ذلك يزيد من فاعليّة اللوحة وقدرتها على التأثير.


_هل الفن التشكيلي العربي اليوم، يضيف إبداعاً إلى الإبداعات العالميّة، أم أنّ بينه وبين الفن التشكيلي العالمي مسافات شاسعة؟ 


*نعم الفن التشكيلي العربي اليوم يضيف إبداعاً كبيراً إلى الإبداعات العالميّة، رغم الإمكانيات البسيطة للفنان. ولنا أمثلة كثيرة، لا يمكن حصرها. وربّما إذا أقررنا بتلك المسافات التي ذكرتم بين الفن التشكيلي العالمي ونظيره العربي أحصره في عدم تشجيع المبدع وقلّة إمكانياته وموارده الماديّة وتوفير مستلزماته، كذلك في درجة الاهتمام به وبفنّه.


_هل من رسالة ما تريدين أن تعبّري عنها من خلال القصيدة والفن التشكيلي؟  


*أهم رسالة أبثّها وأبعثها من خلال أعمالي هي أنّ هناك فجراً سينير الأفق، وسيشرق الصباح ويتلألأ، سنواصل بعزائم لا تكلّ ولا يضعفها الليل الطويل.


ليفانت – إعداد وحوار : بسام الطعان  








 




كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!