الوضع المظلم
الخميس ١٤ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • دراما الأسد.. تكليف بتشكيل وزاري لمن لا يستحقه قانونياً

دراما الأسد.. تكليف بتشكيل وزاري لمن لا يستحقه قانونياً

تعليق إخباري


لاقى مرسوم بشار الأسد رقم 206 استهجاناً على كلا طرفي الاستقطاب السياسي السوري. واعتبر نشطاء معارضون أن المرسوم "الرئاسي" القاضي بتكليف المهندس حسين عرنوس، رئيس مجلس الوزراء الحالي، لتسمية تشكيلة وزارية، هو استخفاف مُكرّر بالشعب السوري. فمن غير المعقول أن لا تلحظ منظومة الحكم "لخطأ" الإعلان المتكرر عن هذا المرسوم المخالف لدستور وُضع عام 2012 كي يناسب بشار الأسد .


في الطرف المقابل، لاقى إعلان رأس النظام استهجاناً عبر مستويات عدة من البيئة المحسوبة على منظومة الحكم بجيشها ومؤسساتها أو الأسد القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة منفرداً. خلال جولة على صفحات فيسبوك المستقلة في الداخل أو تلك المدارة من خلايا مخابراتية؛ تظهر لنا حمولة انتقادية مفرّغة على نحو أكبر من المعتاد في فضاء فيسبوك ومنسوب أعلى من الجرأة تدور حول عدم الثقة بشخص عرنوس وأدائه والوضع الاقتصادي والعام في البلاد، حمولة ممزوجة باليأس وإحباط شديد الوطأة دون استطراد في التعليقات، فيصعب تتبع المجاز والدلالة باتجاه الأسد في أحايين كثيرة، فيقع البلاء على رئيس مجلس الوزراء الجديد وكل من سبقه مسؤولية ما وصلت له البلاد. شريحة أخرى أقل منها تلوم الأسد بشكل غير مباشر؛ فهناك من هم أكفأ من حسين عرنوس يقول بعضهم، ويقول آخرون أإن عرنوس وغيره لا يملكون من أمرهم شيئاً ويختمون بعبارة رمزية جنائزية، وتبقى فئة صامتة تعض على الجمر.


مثل غيره ممن سبقه، يبدو أن عرنوس يحظى بنقد "جمهور" السلطة ولن تجد المحاسبة طريقاً إليه كما لم يحصل في تاريخ حكم الأب، صاحب لجنة (من أين لك هذا)، وفي عهد الابن الذي أطلق مع زوجته لجنة مكافحة الفساد، فلم نسمع عن محاسبة شخص واحد من 180 اسماً أفرجوا عنهم وقتئذ لتسخين الحاضنة الشعبية لصالح أسماء الأسد ضد رامي مخلوف. على الرغم من امتلاكه صلاحيات مطلقة حارب لأجلها مستميتاً؛ لم يحاسب بشار الأسد مسؤولاً واحداً طيلة فترة حكمه بل حضر بعضهم حفل خطاب القسم الذي حصل في قصر الشعب بدلاً عن مجلس الشعب، كمحمد ناجي العطري وعماد محمد خميس ووائل الحلقي، ووزراء ومسؤولون اعتقدنا أن بعضهم أصبح خارج البلاد.

إذاً، عيّن رأس النظام رئيس وزرائه الحالي المهندس حسين عرنوس، مواليد إدلب؛ الذي أقسم في قصر الشعب أمام بشار الأسد على تنفيذ سياسة رئيس الجمهورية، كما جاء في المادة 98 من الدستور. لم تعد الأمور كما في السابق؛ رهان الأسد على الكسل والبلادة والخوف من البحث عن المعلومة لم يعد مثمرا. يزداد منسوب الوعي في البيئات الداعمة للأسد باضطراد، ولاسيما بين طلاب الجامعات والعساكر المسرحين، وإن كنتَ قد صادفت شخصاً أو قرأت بضع تعليقات تظن أن حسين عرنوس لديه الصلاحية لتسمية مجموعة جديدة من الوزراء؛ فالعارفون للحقيقة كثر والكاذبون بحساباتهم الوهمية المخابراتية على صفحات التواصل الاجتماعي أكثر بكثير. مع ذلك يتابع الأسد رهانه على العماء الأيديولوجي أو العصبية المذهبية في مناطق سيطرته، لكنّ هذا الرهان لن يستمر بقطف ثمر التحشيد إلى الأبد إلا لأولئك المستنفعين مباشرة من ماكينة النظام وهؤلاء مهما راكموا من ثروة وسلطة ستغلبهم الكثرة الواعية والجائعة.


تُصرُّ ماكينة المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية، ومن خلال المنافذ الإعلامية الرسمية والإعلام البديل، للتأكيد على تسمية مجلس الوزراء بالحكومة، وهو غير صحيح دستورياً، وكأن سوريا الدولة ذات النظام الجمهوري لديها "حكومة" تعمل مستقلةً عن رئاسة الجمهورية وتنفذ هذه الحكومة سياساتها الخاصة وتتحمل منفردة المسؤولية التقصيرية عن كل الأخطاء والانتهاكات.


هناك مجاميع بشرية مستنفعة من ماكينة النظام ممن يؤيد الأسد لشخصه أو لمنظومة الحكم كأمر واقع وخيار وحيد ترمي باللائمة على طاقم الحكم وتضج على السوشيال ميديا فتُغرق صفحات فيسبوك المحسوبة على فضاء المعلومات السلطوي بمنشورات تنتقد العرنوس وطاقم "الحكومات" التي عينها الأسد خلال 21 عاماً، بينما على الضفة الأخرى يطالب ناشطون في المعارضة بأن يصمت هؤلاء بدلاً من تكرار محكيات اللوم والاتهامات بحق من لا يقرر شيئاً. هذه الصفحات وهؤلاء هم القلة لكنّهم الأكثر فاعلية على وسائل التواصل.




طارق الحسنية. سبوتنك . سوريا

في الإطار العام، لا يخرج هذا التكليف عن البروتوكول الصوري المعتاد في الجملوكية السورية التي أسسها حافظ الأسد. أتذكّر وثائقي شبكة البي بي سي بعنوان أسرة حاكمة خطيرة (حذفته بي بي سي لاحقاً) يقول فيه أحد المحللين السياسيين الأميركيين في المقابلة، إن طبيعة نظام الحكم السوري يمكن تشبيهها "بشركة مافيوية هرمية تسطو على جغرافيا بمقدراتها وتدير أعمال النهب الدسمة من الدرجة الاولى". هذه الشركة بزعامة الأسد الراسم الأول لسياسات الدولة الاقتصادية وفق الدستور تترك الفتات بمقادير مدروسة ليغرق الجميع في آتون الفساد فلا عين فوق حاجب ولا مخرز، وكما قال الراحل الطيب تيزيني يريدون إغراق الجميع بالفساد ليصبح الفرد مداناً تحت الطلب فيُضمن ولاءه.


نقرأ المادة 97 من دستور 2012 "يتولى رئيس الجمهورية تسمية رئيس مجلس الوزراء ونوابه وتسمية الوزراء ونوابهم وقبول استقالتهم وإعفاءهم من مناصبهم".

بل لا يتعلق الأمر فقط بالتعيينات التي تخرج من أحد قصور الأسد لتطال حتى مدراء من الدرجة الرابعة، عند الحديث عن المسؤولية التقصيرية "لمدير" الدولة ومؤسساتها فهو راسم السياسات والمشرف عليها، وبحسب المادة 98: "يضع رئيس الجمهورية في اجتماع مع مجلس الوزراء برئاسته السياسة العامة للدولة ويشرف على تنفيذها".


وبما أن درجة الصلاحية تستوجب المسؤولية، فالأسد يتحمل بحسب صلاحياته المطلقة قدراً كبيراً من المسؤولية لما وصلت له البلاد، هي قناعة بدأت تجد طريقها في حاضنته التي يعوّل عليها. لقد بدأت الفشاوة تتلاشى عن العيون داخل مناطق سيطرة الأسد، ولاسيما عند طلاب الجامعات، تلك العيون التي توقعت اسماً جديداً بدلاً من حسين عرنوس.


أريد أن أصدّق تلك التعليقات الناقدة على صفحات الفيسبوك السورية التي تُدار من فرع المخابرات الجوية أو الأمن العسكري أو بشكل مستقل، تلك الأصوات التي تُظهر إجماعاً أنها لا توافق على هذا التعيين، كما لم توافق على من قبله، بسبب شبهات بالفساد والمحسوبيات، سواء ظهر أو بطن مجاز يحمّل الأسد مسؤولية، لكن ما يجعل المرء يطمئن أن مرسوماً صدر من حكومة خميس السابقة يُجرم انتقاد الحكومة والشخصيات الحكومية بعد اشتداد النقد آنذاك لتُحجم الناس عن التفاعل، الآن لم يعد رادعاً.


يراهن كثر أن المشهد لم يعد يحتاج شرحاً لمن نعتقد أنهم يعيشون بعيداً عن الواقع، وأين يجب أن تتوجه أصابع الاتهام، وبأن التطورات التي حملتها السنتين الأخيرتين من مكاشفات وتأزم للحالة المعيشية حتى وصلت للحضيض وتجاوز 85% من السوريين في الداخل لعتبة خط الفقر لم تعد تنفع عبارات التحفيز من بثينة شعبان ولونا الشبل، حتى أصبح المواطن السلبي والمقاوم السلبي ومصطلحات أخرى تمنطقت بها الشبل وقبلها شعبان مثار تندر وتهكم عند كثيرين داخل سوريا بجرأة غير معهودة، وهي المستشارة لبشار الأسد التي قال عنها المشهور بشار برهوم من جبلة المؤيد للأسد.. روحي انضبي جاي تعلمينا المقاومة!



وائل سليمان

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!