الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
درعا.. الصرخة الأولى
عبد العزيز مطر

كانت درعا الصرخة الأولى التي خرجت من خناجر السوريين مطالبة بالحرية، وهي رمز الثورة السلمية التي اشتعلت شرارتها من هذه المحافظة ضد سلطة الاستبداد في سوريا، والتي أظهرت أحداثها إجراماً منقطع النظير قامت به العصابة الحاكمة.


وتوالت الأعوام عقب هذه الانتفاضة السلمية العفوية ليتم حرف مسيرتها باتجاه تحويل الصراع إلى شكل من أشكال العنف ورد العنف المسلح، وسقط الكثير من الضحايا والأبرياء في أتون هذه الحرب التي شنها النظام السوري على هذا الشعب، وتخللها الكثير من الحوادث التي أدمت قلوب السوريين ودمرت قراهم وبيوتهم وجعلتهم مشردين في بقاع الأرض، واستدعى النظام السوري كل ضباع الأرض لتنهش لحوم السوريين من الميليشيات الشيعية ومجرمي تنظيمات داعش والقاعدة وإطلاق قطعانهم من سجون صيدنايا ليفتكوا بالشعب السوري وثورته.


واستمرت هذه الأحداث الدامية وانعكاساتها على الشعب السوري، بشكل عام، وعلى الجنوب السوري ودرعا، بشكل خاص، حتى توقيع اتفاقية التسوية والهدنة في الجنوب السوري، في تموز عام 2018، بضمانة سورية، في حالة مغايرة لما حدث في اتفاقيات أخرى، في حمص والقلمون الغربي وغيرها، وما رافقها من عمليات تهجير، حيث كان لاتفاقية الهدنة وإيقاف القتال والتسوية في درعا خصوصية، حيث بقي معظم السكان المدنيين في درعا وقسم كبير من المعارضة العسكرية مع احتفاظهم بالسلاح الخفيف، وقامت هذه المجموعات المعارضة بإنهاء أي حالة تطرف في المنطقة، حيث تم إنهاء الحركات الجهادية، مثل المثنى الإسلامية وفلول من الدواعش، وتم إنهاء تواجدهم في الجنوب السوري، وخصوصاً درعا وريفها.


لتعقب هذه العملية، وبإيعاز من نظام الأسد وروسيا، عملية تغلغل واسعة النطاق للميليشيات الشيعية في جميع ريف درعا، وسيطرة الحرس الثوري الإيراني وأذرعه العسكرية على قطاعات ووحدات الجيش السوري، وفق مسميات، كقوات رديفة وقوات الأصدقاء، وأصبح قرار هذه القطاعات العسكرية والأمنية بيد قيادات الحرس الثوري، وهذا منافٍ لما تعهدت به القيادات الروسية لدول الجوار بكبح النفوذ الإيراني في الجنوب السوري، وهذا التمدد والسيطرة شبه الكاملة على القرار العسكري والأمني في الجنوب أدى لحالة احتقان كبيرة جداً في صفوف أبناء الشعب السوري، في الجنوب، الذي يرفض التواجد الإيراني وتواجد الميليشيات الشيعية لما يمثله مشروعها والمشروع الإيراني من خطر وجودي على هذا الشعب، وما يرافق هذا المشروع من إجرام وتغيير ديمغرافي وتغيير في المفاهيم والعلاقات الاجتماعية بين أبناء الجنوب السوري.


وبالرغم مما يعانيه الشعب السوري في جنوب سوريا، كباقي الشعب السوري، من كوارث الجوع والفقر والظلم وتكميم الأفواه والإجرام والقتل والاعتقال، ظلّ هذا الشعب صامداً رافضاً لكل هذه الأشكال العنفية التي تهدده، والتي عبر عنها هذا الشعب عبر المظاهرات السلمية الرافضة للتواجد الإيراني والمطالبة بالحرية وإسقاط نظام الارتهان والإجرام في دمشق، وحاول النظام السوري والميليشيات الشيعية إيقاع الفتنة بين مكونات الشعب السوري في الجنوب السوري، خلال الأعوام الثلاث الماضية، بين أهالي درعا والسويداء، عبر افتعال الجرائم والأحداث المأساوية لإحداث شرخ اجتماعي طائفي بين هذه المكونات من إحكام السيطرة الكاملة للميليشيات الشيعية على المنطقة ورهن الشعب السوري في الجنوب كورقة بيد المشروع الإيراني تفاوض عليه أطراف إقليمية.


وبدا واضحاً التنافس الإيراني الروسي على المصالح والسيطرة في الجنوب السوري، فعمل حزب الله اللبناني والفرقة الرابعة والأفرع الأمنية للنظام على تجنيد أبناء المنطقة للانخراط في هذه الميليشيات، مستغلين حالة الفقر والعوز الشديد من أجل دفعهم ليكونوا في مواجهة إخوانهم في جبهات أخرى في سوريا، سواء في الشرق السوري، بمواجهة قوات سوريا الديمقراطية، أم في مواجهة المعارضة المسلحة في مناطق أخرى.


ولم يختلف الدور الروسي كثيراً، حيث أتى مكملاً للدور الإيراني في الجنوب السوري، وابتعاده عن دوره كضامن للجنوب، فسعى أيضاً لتشكيل ميليشيات عسكرية تكون ممولة من قبله ليتم زجها في صراعات أخرى، كليبيا.


إن الأحداث الأخيرة برهنت أن الضامن الروسي لم يستطع القيام بالمهام التي ألقيت على عاتقه في اتفاقية الهدنة، فأمعنت الميليشيات الشيعية والأمنية تنكيلاً بأهل الجنوب، وأصبح جنوب سوريا حاله متصاعدة متماثلة مع الجنوب اللبناني تحاول إيران وحزب الله جرّها لمعركة مع دول الجوار متخذة من وديانها وجبالها نقاطاً قتالية من أجل تنفيذ أعمال إرهابية ضد الجوار السوري خدمة لإيران ومشروعها، وجعله كورقة تفاوض عليها.


ومما سبق، روسيا بدورها الضامن لاتفاق 2018 لم تلتزم بوعودها التي طرحتها في اتفاقية الهدنة لدول الجوار وللمجتمع الدولي ولم تتمكن خلال الأعوام الثلاثة الحد من انتشار الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية، ولم تستطع منع الانتشار الكبير للقوى الأمنية التابعة للنظام السوري، وكانت متواطئة معه في خرق وعدم تطبيق بنود الهدنة. الدور الروسي مؤخراً ظهر لجانب النظام السوري وتغاضيه عن تغلغل الميليشيات الشيعية في قوات النظام وحصارها لدرعا، وابتعد عن كونه كضامن للهدنة، حيث أصبح أقرب ما يكون لطرف يدعم النظام والميليشيات في المنطقة. وطلب الروس من أهالي درعا البلد الانخراط في انتخابات الأسد والتلميح بضرورة إعاده انتخاب الأسد وقطع وعود لأهل درعا بتحسين الظروف الأمنية، وعندما لم يستجب أهالي درعا وقاطعوا الانتخابات، كانت عقوبتهم إطلاق قطعان الميليشيات الشيعية في ريف درعا، قتلاً وتنكيلاً، تطور لنزاع مسلح، كان الروس فيه لجانب الميليشيات الشيعية والنظام مهددين بالحسم العسكري في ريف درعا وعدم التدخل لضمان اتفاقيه الهدنة.


إن المشكلة الأساسية هي القناعة لدى النظام السوري وحلفائه بعدم وجود أي حقوق للشعب السوري وأهالي درعا، وإن مطالبهم غير محقة متجاهلين المجتمع الدولي والقرارات الدولية وضرورة الوصول لحل سياسي وفق القرار ٢٢٥٤، واقتصار وتعريف المعارضة بمفهوم الأشخاص الذين يدورون في الفلك الروسي أو الإيراني أو النظام باسم المعارضة السورية.


درعا تقف اليوم في وجه جميع الأطراف المتمردة على المجتمع الدولي، معلنة تمردها على طغيان النظام السوري وعلى إجرام وحقد المشروع الإيراني، وعلى النفاق السياسي العسكري للقيادة الروسية، والمطلوب من السوريين دعم هذا الحراك السلمي الذي يقوم به أبناء الشعب السوري في درعا، وتقديم الدعم اللازم ومناشدة جميع المنظمات الدولية والمجتمع الدولي والولايات المتحده الأمريكية والقوى الإقليمية لمنع وقوع جريمة درعا الثانية، وتدويل القضية بغيه جر جميع الأطراف باتجاه الحل السياسي وتطبيق القرار ٢٢٥٤، واعتباره المرجع الأساسي لأي حل في سوريا، واعتبار أن الأطراف الدولية التي تعتبر ضامنة لاتفاقيات الهدنة في سوريا، فشلت في مهامها وعدم الاعتماد عليها لضمان تنفيذ القرار ٢٢٥٤، بحيث لابد من تحرك فاعل في مجلس الأمن لإيجاد آليه جدية وحقيقية لتطبيق القرارات الدولية، وخصوصاً قرارات ٢٢٥٤، ودعمها لتفضي لانتقال سياسي جديد وحقيقي لامكان فيه للاستبداد وأنظمته ويحقق تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة والديمقراطية.


عبدالعزيز مطر


ليفانت - عبد العزيز مطر ليفانت

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!