الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
ذئب الغرب وبقرة الإخوان النطاحة
ثروت الخرباوي

كان متديناً، نشأ في أسرة متدينة، أحب دينه وتمنى له أن يسود، وبعد أن اشتد عوده أنشأ حركة سياسية لها خلفية دينية، قال في رسالة له في أحد المؤتمرات "نحن لا قومية لنا إلا قومية الدين، ولذلك ينبغي أن نقيم لديننا دولة ومن بعدها ننطلق إلى العالم لنسيطر عليه ونحصل على أستاذية العالم" ومن بعده تتبعه أتباعه في فكرته وسعوا إلى تنفيذها، ثم وضعوا يدهم في يد الغرب ليمكنهم من الحكم. 


ولم يمانع الغرب في ذلك، ذلك أنه كان يود التخلص منهم إذ تجمعوا في أمريكا وأوروبا وأزعجوهم إزعاجاً كبيراً، وفي طريقتهم لحياتهم اعتبروا أنفسهم أصحاب النقاء العقائدي، إيمانهم يختلف عن إيمان العالم كله، هم فقط أصحاب الجنة، أما من عداهم فهم من أهل النار، ظنوا أنهم أهل الله وخاصته وشعبه، فأجازوا لأنفسهم الكذب على غيرهم والخديعة، وذات يوم وصلوا إلى الحكم ورغم ذلك ظلوا في حركتهم السرية حتى بعد أن حكموا .


ذلك أن الحركة السرية هي أساس وجودهم، وفي أدبياتهم لا ينبغي أن ينتهي التنظيم السري حتى ولو حكموا العالم كله، ففي اعتقادهم أن تنظيمهم السري هو الذي سيحافظ على استمراريتهم في حكم العالم، وفي طريقتهم لحياتهم أيضاً كانوا لا يتزوجون إلا من أنفسهم، وتميزوا بأنهم أصحاب دائرة مغلقة، فإذا تخرَّج الواحد منهم تزوج من واحدة من جماعته، واشتغل لدى شركة أو مستشفى أو مكتب محاماة أو مكاتب هندسية مملوكة لواحد أو لمجموعة من قيادات تنظيمه، إلا أن الهدف الرئيسي لهذا التنظيم هو جعل تنظيمهم دولياً، يمتد إلى كل بقاع الأرض.


لا تفكر كثيراً في العبارات السابقة، إذ أنني لم أكن أتحدث عن جماعة الإخوان، ولكنني كنت أتحدث عن حركة الصهيونية العالمية وتنظيمها السري، فهذه هي أفكارها وهذا هو منهجها، أما مؤسسها فهو "تيودور هرتزل" الذي عقد عدة مؤتمرات لتنظيمه ألقى فيها دروسه، وأوضح فيها منهجه، وشرح فيها كيف سيصبح تنظيمه عالمياً، وكان المؤتمر الأول له في مدينة بازل بسويسرا، ثم توفي وهو في بداية الأربعينيات من عمره! هذه مقاربة تبين لنا مدى تقارب التنظيمات الحركية السياسية التي تُحوِّل الدين إلى ملكية خاصة لبعض الناس، وحركة سياسية لها نبيها الخاص الذي يصلون في تقديسه إلى درجة تقارب تقديس الأنبياء أو أكثر.


فإذا أردنا أن ندخل إلى عالم الإخوان سنقول إن هناك حقيقة تاريخية غير قابلة للإنكار، هي أن حسن البنا حين أنشأ جماعته لم يكن ينوي جعلها قاصرة على مصر فقط، ولكنه كان ينشأ منذ البداية تنظيماً دولياً تغيب عنه فكرة الوطن، حيث يتحول التنظيم على يديه إلى وطن يمتد في العديد من بقاع الأرض توطئة للسيطرة على العالم كله تحت راية حسن البنا.


وقد بدأ حسن البنا خطواته ناحية تكوين تلك الدولة بعد أشهر من تكوين جماعته حينما أرسل مبعوثين منه لفلسطين واليمن وسوريا ولبنان من أجل نشر تنظيمه في هذه البلاد. وبعد أن تشعبت الجماعة خارج مصر أنشأ حسن البنا عام 1934 شعبة في  الجماعة سماه "شعبة الاتصال بالعالم الإسلامي" وكان لهذه الشعبة الدور الأكبر في استغلال موسم الحج السنوي لتجميع الشخصيات الدينية وضمها للجماعة، وكانت الفكرة الجاذبة التي استخدمها البنا لمد التنظيم خارج مصر هي فكرة "استعادة الخلافة"، ومرت الأعوام وقسم الاتصال بالعالم الخارجي يرتب أوراقه، إلى أن جاء عام 1981 .


حيث حدث أن اتصل بعض الجواسيس المندسين في قلب الحكم، بالقائد الإخواني الملقب بالصقر "أبو هاني" وأخبروه أن اسمه سيرد في قرارات اعتقال على وشك الصدور، فكان أن أخفى "أبو هاني" الخبر عن الجميع حتى عن إخوانه في التنظيم، وجمع حاجياته على عجل، وغادر البلاد إلى اليمن ثم الكويت ومنها أخذ يجوب بلاد العالم من شرقه إلى غربه في رحلة استمرت عدة سنوات كان هدفها الرئيسي إنشاء كيان التنظيم الدولي للجماعة.


كان مصطفى مشهور هو الصقر الذي طار من فوق قمة جبل التنظيم ليبحث لجماعته عن أعشاش تأويها في أوروبا وأمريكا، كان هو "أبو هاني" الذي أنشأ هذا الكيان بشكله الحديث، وما أن جاء عام 1983 حتى وضع مصطفى مشهور لائحة للتنظيم الدولي للجماعة، ومن بعدها تم تكوين مكتب الإرشاد الدولي الذي يرأسه دائماً مرشد الإخوان في مصر ويضم مجموعة من قيادات الإخوان من غير المصريين.


وأذكر أن بعض مراقبي الإخوان في البلاد العربية والأوروبية كان منهم قيادات أصولهم مصرية مثل الراحلين الشيخ مناع القطان الذي كان مسؤول الإخوان في المملكة السعودية، والشيخ حسن أيوب في الكويت، كل ذلك تم تحت بصر المخابرات الأمريكية وبرعاية المخابرات البريطانية التي قامت بعمل حلف مع التنظيم الدولي ظهرت آثاره في وقتنا الحالي بحيث أصبح الجميع يعرفون خبر هذا الحلف الشيطاني بين ذئب الغرب وبقرة الإخوان.


ثروت الخرباوي - كاتب ومفكر مصري

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!