-
روسيا العائدة من كبوة انهيار الاتحاد السوفيتي.. كقطب عالمي
من عالم يسوده قطب واحد، ربما حتّى العام 2010، إلى عالم ذي قطبين أو أقطاب متعددة، في العام 2020، حيث ساهمت السنوات العشر الفاصلة بين التاريخيّن، في تصاعد نجم موسكو، وبروز دورها في حلحلة صراعات متجذّرة أو طارئة حول العالم، بما فيها قضايا منطقة الشرق الأوسط، وأخيراً، شمال أفريقية، إذ لم تعد تقبل موسكو بما يمنحها إياها الغرب “الإمبريالي” بقيادة حلف الناتو، وبات لموسكو، وبجانبها بكين، صوتٌ قوي في قضايا العالم، خاصة مع انتهاج واشنطن سياسة الانكفاء إلى الداخل، والانسحاب من بؤر الصراع حول العالم، إذ يعمد التاجر الأمريكي إلى ابتزاز الدول التي ينتشر فيها جنوده، برفع تكاليف نشر قواته في بلادهم، تحت طائلة سحبها، وتركها عرضةً للمخاطر الإقليمية، كما هو الحال مع كوريا الجنوبية واليابان، ومناطق أخرى. الاتحاد السوفيتي
النداء القادم من الاتّحاد الاوروبي
واقع جديد يتبلور، بدأه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي باشر عهده كرئيس الولايات المتحدة، بمهاجمة الحلفاء، ونعتهم بأسوأ العبارات، بذريعة عدم دفعهم لمستحقاتهم المترتبة عليهم، ضمن حلف شمال الأطلسي، موجهاً بذلك خدمة كبيرة إلى الجانب الروسي، الذي اكتفى بالنظر ومراقبة خصمه التاريخي وهو يترنّح مع قيادة أمريكية لا تعد اعتباراً للإستراتيجيات العسكرية أو الوقائيّة.
وهو ما يمكن أن يستنتج مما قالته المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، في السادس والعشرين من يونيو، عندما ذكرت أنّه يتوجّب أن يواصل الاتحاد الأوروبي الحوار مع موسكو، بسبب تمتعها بنفوذ كبير في سوريا وليبيا، وأنّه يتعين على أوروبا التفكير جيداً في مكانتها في الواقع الجديد، الذي لن تسعى فيه الولايات المتحدة إلى لعب دور الزعيم العالمي. الاتحاد السوفيتي
اقرأ أيضاً: الصين والهند: بؤرة صراع لن يتحمّل العالم تفجرها
وذكرت ميركل، في حديثها للإعلام: “نشأنا مع معرفة معينة أنّ الولايات المتحدة تريد أن تكون قوة عالمية”، مضيفةً: “لو تريد الولايات المتحدة، الآن، وقف أداء هذا الدور بإرادتها الخاصة بها، يجب علينا التفكير في هذا الموضوع بشكل عميق”، معقبةً على تقليص الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عدد قوّات بلاده في ألمانيا، بأنّ الوجود العسكري للولايات المتحدة في أوروبا الوسطى، يستجيب لمصالح واشنطن، حيث أشارت أنّ “القوات الأمريكية في الأراضي الألمانية، لا تسهم في حماية ألمانيا والجزء الأوروبي للناتو، فحسب، وإنما كذلك مصالح الولايات المتّحدة ذاتها”.
رسالة يبدو أنّها لاقت صداها في باريس، والتي شدّد فيها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في السابع والعشرين من يونيو، أنّه سيزور قريباً روسيا، بغية إجراء المزيد من المناقشات مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، حيث غرّد ماكرون عبر “تويتر”: “محادثات بناء الثقة التي بدأت مع الرئيس بوتين، في فورت بريغانسون، مستمرة.. سأسافر قريباً إلى روسيا”.
وأشار ماكرون، إلى أنّ ملفات الأمن الأوروبي والصراعات الإقليمية والتغيّر المناخي، على رأس الموضوعات التي ستجري مناقشتها في روسيا، وذلك عقب أن أجرى كل من ماكرون وبوتين، قبلها بيوم، مكالمة عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، خاضا خلالها نقاشاً حول قضايا ثنائية ودولية وإقليمية، ودعياً إلى وقف عاجل لإطلاق النار في ليبيا، واستئناف الحوار لحلّ الأزمة في البلاد.
وأتى تعهد ماكرون بزيارة موسكو، بعد أن دعا، سابقاً، الأوروبيين إلى إعادة النظر في شراكتهم الإستراتيجية مع روسيا، مشيراً أنّ سياسة التحدي تجاه موسكو، في السنوات الأخيرة، فشلت.
التناقضات المتنامية في الشرق
ولا يقتصر الأمر على صراعات الشرق الأوسط وشمال أفريقية، في تعزيز المكانة الروسية، كقطب عالمي عائد من كبوة انهيار الاتحاد السوفيتي 1991، إذ تساهم صراعات الشرق، هي الأخرى، في تعزيز تلك المكانة، والتي كان آخرها تصاعد نبرة التحدي بين الهند وجيرانها في الصين وباكستان، إذ من المرجّح أن تسعى نيودلهي إلى شراء مقاتلات روسية من طرازي “ميغ-29” و”سو-30″، ومنظومات “إس-400” للدفاع الجوي، بالتزامن مع تأزّم علاقاتها مع كل من بكين وإسلام آباد، وفق ما أفادت صحيفة “كومرسانت” الروسية، في السادس والعشرين من يونيو.
اقرأ أيضاً: إيران والمسيرة الطويلة لتصفية معارضيها في الخارج
حيث أوردت الصحيفة، عن مصادر عسكرية هندية، أنّ نيودلهي تتطلّع لشراء الأسلحة الروسية في أقرب وقت ممكن، بغية التصدّي للتهديدات الواردة من بكين وإسلام آباد، واللتين تعملان على تحديث قواتهما الجوية بوتيرة سريعة، وبيّنت المصادر الهندية أنّ الحصول على الأسلحة الروسية، سيفقد خصوم الهند فرص تحقيق التفوق في الجو، في حال حدوث نزاع مفتوح.
وأشارت الصحيفة، أنّ نيودلهي حوّلت لروسيا، العام الماضي، مبلغاً يقارب الـ500 مليون دولار، باعتباره الدفعة الأولى من التزاماتها، بموجب صفقة “إس-400” مع موسكو، فيما كان المدير العام للمصلحة الفدرالية الروسية المعنيّة بالتعاون العسكري التقني، دميتري شوغايف، قد قال، سابقاً، إنّ الهند ستحصل على أول منظومة من طراز “إس-400” في العام 2021.
الحرب في أفغانستان والهزيمة غير المُعلنة لواشنطن
أما في أفغانستان، فيبدو أنّ موسكو لم تكن بعيدة كثيرة عن مآلات الحرب فيها، والتي تعرّضت فيها واشنطن، عملياً، إلى هزيمة لا ترغب في الإقرار بها، لكنها تستبدلها بالحديث عن عملية سلام بين حكومة كابول وحركة طالبان، التي جرى غزو أفغانستان بسببها، عقب مهاجمة أبراج التجارة العالمية في العام 2001، إذ اتّهمت واشنطن الحركة برفض تسليم أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، الجهة المتّهمة بتنفيذ الهجمات، حيث كان يتّخذ بن لادن من أفغانستان مقرّاً لتنظيمه.
وفي السياق، عرضت صحيفة “نيويورك تايمز”، في وقت سابق، نقلاً عن مسؤولين في وكالة الاستخبارات الأمريكية، لم تذكر أسماءهم، ضمن مقال، يشير أنّ الاستخبارات العسكرية الروسية عرضت مكافآت للمسلحين المرتبطين بطالبان، في مقابل القيام بهجمات على الجنود الأمريكيين في أفغانستان، فيما نشر جمهوريون أعضاء في الكونغرس الأمريكي، تقريراً، اتهموا فيه موسكو، بتمويل حركة “طالبان”، ودعوا إلى فرض عقوبات أشدّ على موسكو.
اقرأ أيضاً: خطر الإخوان المسلمين ينتقل من العالم العربي إلى أوروبا
وهو ما ذكرت السفارة الروسية في واشنطن، في السابع والعشرين من يونيو، من أنه يهدّد حياة دبلوماسييها للخطر، حيث دعت السفارة الروسية السلطات الأمريكية إلى الردّ بشكل مناسب على التهديدات التي يتلقّاها الدبلوماسيون نتيجة “أنباء كاذبة”، كما طالب الدبلوماسيون الروس، السلطات الأمريكية إلى “اتّخاذ إجراءات فعالة لتأمين وتنفيذ التزاماتها الدولية، بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، لعام 1961″، مرفقةً نسخاً من منشورات التهديد، التي أطلقها بعض مستخدمي “تويتر” ضدّ موظفيها.
فيما نفت السفارة الروسية في أفغانستان، بشكل متكرر، صحة ما تدّعيه تقارير عن مساعدة روسيا لـ”طالبان”، وذكرت أنّ تلك التقارير هدفها تشويه موقف موسكو البنّاء والهادف إلى بناء أفغانستان تتمتع بالسلام والاستقرار (على حدّ زعمها).
وأيّاً كانت مصداقيّة المعلومات التي طرحتها الصحيفة الأمريكية، إلا أنّه لا يمكن إنكار استفادة موسكو من الهزيمة التي ألحقت عملياً بواشنطن، على مدار 19 عاماً، من استنزاف مقدراتها العسكرية في تلك المساحات الشاسعة، بين سلاسل أفغانستان الجبلية الوعرة، التي أفقدت قرابة 3200 جندي، من التحالف الدولي، لحياته، إضافة إلى التكلفة المالية العالية للحرب، هناك، وهو ما يعزّز في النهاية مكانتها كقطب عالمي عائد بقوة، مقابل الانكفاء الأمريكي.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!