-
روسيا وأوكرانيا.. ونظام اللاقطبية (2)
الأزمة الأوكرانية وحالة الاصطفاف الغربي ضد الاتحاد الروسي تعيد إلى الأذهان أحداث الحرب الباردة والتدخل السوفياتي في أفغانستان، حيث نجحت القوى السياسية الغربية في التسعينات من حشد العالم بأكمله ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان ومن ثم إدخاله في حالة من الترهل أدّت في النهاية إلى تفكيك الاتحاد السوفياتي ومن ثم صياغة نظام دولي جديد قائم على الأحادية القطبية الذي اتّسم بالقيادة الأمريكية للنظام الدولي.
اليوم، بات واضحاً أنّ الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الأوروبية تشحذ للحصول على موقف دولي ضد الاتحاد الروسي، وخلق أدوات ضغط على روسيا، كما حدث في التسعينات، لكن بات واضحاً أنه بعيداً عن الموقف الأمريكي والأوروبي، نجد أن الموقف الدولي، وخصوصاً "الموقف العربي"، ذهب إلى اتخاذ سياسية "التوازن وعدم الاصطفاف مع أي طرف"، وذلك عبر التشديد على أهمية التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية، وهو موقف لاشك أنّه لا يتطابق مع الرغبة الأمريكية والأوروبية التي ما تزال تبحث عن تأييد دولي ضاغط على الاتحاد الروسي يتناسق مع الرغبة الأمريكية والأوروبية في تشديد "العقوبات الاقتصادية" على الاتحاد الروسي.
الموقف العربي الذي يأخذ موقف الحياد اتجاه الأزمة الأوكرانية وعدم الرهان على طرف أو آخر، هو تأكيد على حجم المتغيرات في بنية النظام الدولي الذي لم يعد "نظاماً أحادي القطب"، بحيث تكون فيه القوى السياسية الغربية هي المسيطرة على كافة أدوات النظام السياسية والاقتصادية والعسكرية، حيث أدرك "الموقف السياسي العربي والشرق أوسطي" بأن المرحلة التي تشكلت في التسعينات انهارت تماماً وتفككت، وأن هناك نظاماً دولياً جديداً أخذ في التشكل نحو "اللاقطبية"، نظام يتّسم بتعدد للفواعل التي تملك وتمارس أشكالاً عدة للقوة، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وهو بالتالي ما يفرض موقفاً سياسياً أكثر حيادية، وعدم الاصطفاف والرهان على طرف دون آخر، كما حدث في مرحلة الحرب الباردة.
ولذلك فإنّ الموقف العربي تجاه الأزمة الأوكرانية كان متناسقاً مع المتغيرات التي تشهدها بنية النظام الدولي، وكان رسالة واضحة لكافة الأطراف بأنّ الدول العربية لها مكانتها وثقلها السياسي الإقليمي والدولي، ولن تكون مجرد أدوات في صراع القوى الدولية، وهذا لا شك شكل صدمة كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تعتقد أن لديها القدرة على حشد النظام الدولي ضد الاتحاد الروسي، وهذه المتغيرات لا شك أنها سوف تصب في مصلحة الطرف الروسي الذي يتحرك عسكرياً على الأرض الأوكرانية في ظل حالة اختلال موازين القوى، حيث تفتقر أوكرانيا لعناصر ومقومات القوة التي يمكن أن تجابه بها روسيا عسكرياً، بينما الولايات المتحدة والدول الأوروبية ما تزال تراهن أن بإمكانها الانتصار عبر عامل الضغط الدولي، وهو ما فشلت في تحقيقه، وعبر عامل العقوبات الاقتصادية، والذي لم تنجح في تحقيقه، حيث بدأ الموقف الأوروبي في حالة من التفكك غير قادر على الالتزام بالعقوبات الاقتصادية، حيث أظهرت بعض الدول الأوروبية الرغبة في عدم فرض عقوبات على موارد الطاقة الروسية لأن ذلك سيخلق ضرراً أكبر، ليس على الاقتصاد الروسي بل على الدول الأوروبية، لأن سعر النفط الخام قد يرتفع إلى 150 دولاراً للبرميل إذا تم خفض صادرات روسيا بمقدار النصف ما سوف يرفع الأسعار في محطات الوقود بشكل كبير ويؤدي لتفاقم ما هو بالفعل أعلى تضخم منذ 40 عاماً.
ليفانت – خالد الزعتر
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!