الوضع المظلم
الثلاثاء ٢١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
زيارة بايدن التي لم تتم
حسام فاروق

تأجلت زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لمنطقة الشرق الأوسط، والتي كان مقرراً لها أن تتم في وقت لاحق هذا الشهر، إلى تموز يوليو المقبل، كان بايدن قد أعلن في تصريحات صحفية أنه قد يزور السعودية قريباً ضمن جولة بالشرق الأوسط، ستكون الأولى منذ توليه منصبه، وقال: "لست أعلم بدقة موعد زيارتي، هناك إمكانية أن ألتقي الإسرائيليين ومسؤولين في بعض الدول العربية"، وأفاد مسؤول بالبيت الأبيض قائلاً: "نحن نعمل على رحلة إلى إسرائيل والمملكة العربية السعودية لحضور قمة دول مجلس التعاون الخليجي، ويجري تأكيد التواريخ التي ما تزال في حالة تغير مستمر، ويمكن أن تتغير مرة أخرى".

أسئلة كثيرة تطرح نفسها بشأن الزيارة، لماذا قرر بايدن في هذا التوقيت الذهاب للشرق الأوسط؟ ولماذا أجل زيارته؟ 

فيما يخصّ سبب الزيارة، فمما لا شك فيه أن المعطيات العالمية في الفترة الأخيرة لم تكن في صالح الولايات المتحدة، والرئيس الأمريكي في أزمة تتعمق داخلياً وخارجياً وليس هناك بوادر لانفراجها سوى بتغيير مخططاته، ويبدو أن إدارته التي اختارت أن تهمل الشرق الأوسط نسبياً وتنشغل بملفات أخرى، قررت مراجعة نفسها بإحداث توازنات جديدة في علاقتها بالمنطقة، على صعيد السياسة الخارجية يخشى بايدن من الفشل في منع تبلور تحالف عسكري اقتصادي (روسي- صيني- إيراني)، قد يضم دولاً أخرى، مثل الهند وباكستان والبرازيل وغيرها، وهذا معناه تراجع دور ومكانة الولايات المتحدة عالمياً وتراجع الدولار كمعادل عام في المعاملات التجارية، وقد يتطور الأمر إلى ظهور نظام مالي عالمي جديد، في ظل تحديات داخلية تواجهها الولايات المتحدة مع اقتراب الانتخابات النصفية الأمريكية، فالداخل الأمريكي يعاني ارتفاعاً في الأسعار وتضخماً جامحاً وحديثاً عن إفلاس بعض الشركات، وتنامي مظاهر الجريمة والعنف والعنصرية والتطرف. 

حافظت واشنطن عبر عقود على ثوابتها تجاه الملفات في منطقة الشرق الأوسط، كما هي (أمن إسرائيل، والتدفق الحر للطاقة، ومنع التحول النووي لإيران، والحرب على الإرهاب، وضمان التحول الديمقراطي)، لكن على ما يبدو أن خدمة هذه العناوين تضاءلت بشكل تدريجي مما أعطى إحساساً بأنها تتقلص أو بأن واشنطن تنسحب من المنطقة ولا تكترث بملفاتها وتعطي أولوية للصين ومنطقة الباسفيك، وسبق أن صرحت الخارجية الأمريكية حول ذلك، معتبرةً أن مواجهة الصين وروسيا وطموحاتهما والملفات الاقتصادية، أكثر الأولويات لدى بايدن، كما أن خلافات الرئيس الأمريكي مع بعض الدول العربية، لا سيما في الخليج العربي، إضافة إلى تركيا، كان لها دور في إهمال واشنطن للمنطقة، كما أن عدم تخلي الولايات المتحدة عن الأمل في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، أثار حفيظة حلفاء واشنطن في المنطقة، وأوجد توتراً، حيث تدرس كل دولة، على سبيل المثال، ما يجب فعله إذا انضمت إيران أو لم تنضم مجدداً إلى نسخة جديدة من الاتفاق النووي، كما أن تجربة الولايات المتحدة في أفغانستان وصدى انسحابها الكارثي منها ما تزال حاضرة في الشرق الأوسط، وهو ما جعل احتمالية أن تنفض الولايات المتحدة أيديها من أزمات المنطقة في أي لحظة قائمة، وجعل دول المنطقة تستنتج أن واشنطن ربما لم تعد حليفاً موثوقاً به، ومن ثم كان لا بد أن تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز ثقة الشركاء التقليديين.

الغزو الروسي لأوكرانيا، وإعادة تمركز الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في المنطقة، سبب آخر رئيس في إعادة تفكير الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إذ يسود الاعتقاد في واشنطن بأن بوتين لم ينجح في إعادة بناء مكانة روسيا كقوة عظمى في أي مكان خارج الاتحاد السوفياتي السابق أكثر مما حققه في الشرق الأوسط، وبناء عليه فالغزو الروسي لأوكرانيا منح واشنطن فرصة لإعادة النظر في علاقاتهامع حلفائها في المنطقة، وإعادة صياغة رؤية أمريكية للشرق الأوسط تُوازن بين المشاركة والانسحاب، ما جعل كلا الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، يجمعان على أنه لا ينبغي إهمال الشرق الأوسط وإلا سيعود ليطارد الولايات المتحدة، والرئيس بايدن، الذي يبدو كما لو أنه ينتهج سياسة استرضائية مع الجميع حالياً، لا يفضل أن تلتصق به صورة أوباما المتصالحة مع الأعداء والمغتربة عن الحلفاء، ويريد أن يضمن حلفاً أو تأييداً ضد روسيا، وقد تحقق له الزيارة حشد الرأي العالمي معه، فواشنطن الآن في حاجة لدعم الحلفاء، وتذكيرهم بأنها ما تزال شريكاً يهتم بشؤون المنطقة بما يعود بالنفع على الجميع، ومن ضمن أسباب الزيارة أيضاً توضيح وجهة النظر الأمريكية تجاه إيران، فحلفاء واشنطن في المنطقة، وتحديداً "الخليجيين"، اهتزت ثقتهم بالإدارة الأمريكية في ظل سعي واشنطن لاستئناف الدبلوماسية مع إيران، وهذا أوجد حالة تمرد ليست خافية من تلك الدول على السياسة الأمريكية، ومن ثم فواشنطن في حاجة إلى حوار إقليمي مع شركائها الخليجيين فيما يخص طهران، حيث باتت العودة إلى الاتفاق النووي بعيدة المنال، طهران تصر على رفع العقوبات الأمريكية بشكل كامل، وواشنطن أعلنت أنها لن ترفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة عقوباتها، وتعتبره منظمة إرهابية، وإسرائيل تجري مناورات على الأراضي القبرصية واليونانية، تحاكي فيها شن حرب على أكثر من جبهة، بما فيها شن هجوم واسع بالطائرات على المنشأت النووية الإيرانية، والأوضاع في الأراضي الفلسطينية تسوء من وقت لآخر بسبب الممارسات الإسرائيلية.

أما عن أسباب تأجيل الزيارة، ففي أغلب الظن لها علاقة بزيارة وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، مؤخراً، إلى السعودية، ولقائه قادة مجلس التعاون الخليحي، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، والتأكيد على الالتزام باتفاقية "أوبك بلس" بعدم زيادة كمية النفط المنتجة"، وبدل المليون برميل التي تطالب واشنطن بزيادتها، فالزيادة لن تكون أكثر من 200 ألف برميل، بما لا يغطي النقص الناتج عن عدم ضخ النفط والغاز الروسي، والبديل بالسحب من الاحتياطي النفطي الأمريكي الاستراتيجي، مكلف وغير مجدٍ، وعليه فأحد أهداف الزيارة يتعلق بالنفط والعلاقات مع السعودية، التي شهدت تقلبات خلال عهد بايدن، والنفط هو الملف يعني بايدن، في ظل البحث عن بديل لأوربا عن النفط الروسي والأمل كان في الخليج العربي، مما جعل تأجيل الزيارة متوقعاً لإعادة إعادة دراسة الموقف مجدداً بعد زيارة لافروف.

سبب آخر لتأجيل الزيارة أوردته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، يرى أن الوضع السياسي الهشّ في "إسرائيل" وفرص انهيار حكومة بينيت في أية لحظة، أجل الزيارة، حيث لا يرغب بايدن في أن يحدث ذلك قريباً من موعد زيارته، وعلى الإدارة الأمريكية التريث لتفهم مصير حكومة بينيت قبل الزيارة.

أخيراً، إذا حدثت الزيارة الشهر المقبل، فهل تحقق أهدافها للضيف والمضيف؟ في رأيي إن فتح واشنطن لصفحة جديدة في المنطقة مرهون بنتائج هذه الزيارة وما ستحققه لمعالجة أزمات المنطقة، خاصة في ملف "الصراع العربي الإسرائيلي"، وعودة واشنطن كوسيط نزيه في عملية السلام المتوقفة، هذا إلى جانب إعادة الثقة مع الخليج بناء على تحديد موقف واشنطن من إيران.. لننتظر ما سيحدث. 

 

ليفانت - حسام فاروق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!