-
سنوات من التخريب الإيراني تدفع العرب لإعادة ترتيب أوراقهم
عقب سنوات من التهديد والوعيد، وتمويل المليشيات وتسليحها، نجحت طهران في كسب عداء الدول العربية في الخليج العربية، ولا سيما عقب أن هاجمت بواخر في الموانئ الإماراتية، ومصافي نفط في السعودية، بجانب محاولة فرض حكم الحوثيين الذين يعتبرون من أدوات ما تسميها إيران بـ”ولاية الفقيه”، القائمة على مشروع مذهبي ساعٍ لحكم المنطقة من بوابتها، عبر إدخال أبنائها في أتون الحروب والصراعات الطائفية.
وأمام النوايا التوسعية لكل من طهران وأنقرة، واللتين يبدو أنّهما متفقتان عملياً فيما بينهما على منطقة نفوذ وتمدّد الطرف الآخر، لا يبدو أنّه قد بقي من خيار آخر أمام الدول الخليجية سوى محاولة إعادة خلط الأوراق من جديد في المنطقة، ورسم سياسات جديدة عمادها المفاجئة والسرعة مع الحفاظ على التوازن.
فالجانبان في إيران وتركيا، يستغلان القضية الفلسطينية لتبرير تمددهما في المنطقة، باسم مقاومة الصهيونية التي بقيت على مدار عشرات السنوات شعارات ليس إلا، في الوقت الذي تدكّ فيه الطائرات الإسرائيلية المواقع الإيرانية في سوريا الواحد تلوى الآخر، فيما تنشط أنقرة من صفقاتها التجارية مع تل أبيب، في سبيل تطوير صناعاتها العسكرية، فيما الأقطار العربية رهينة المخاوف الإسرائيلية، التي تمنع واشنطن من تسليح الدول العربية في بعض الأوقات بالأسلحة القادرة على ردع التهديدات المتصاعدة من طهران وأنقرة.
لكن الغريب في القضية، أنّ أنصار طهران وأنقرة من تيارات طائفية في مختلف الدول العربية، تتحدّث على الدوام عن رغبة الغرب المتآمر على حدّ وصفهم، لتحويل العدو من إسرائيل إلى الدول “الإسلامية”، في إشارة إلى البلدين الإقليميين، وفي الوقت عينه يتغاضون عن كل الممارسات والسياسات التي تنتهجها طهران وأنقرة، ويبررون للعاصمتين أفعالهما المزعزعة للأمن والاستقرار الإقليمي بمسوغات غير منطقية، من قبيل مساندة الشعوب، و”الثورات”، وهي تعابير فضفاضة، وقول حقّ يراد به باطل.
خطاب عالٍ ونبرة مرتفعة
ومنذ بدء الحديث عن عقد سلام بين أبو ظبي وتل أبيب، خرج المسؤولون الإيرانيون بالتوالي لاستهجان ذلك، من بوابة المزاودة على القضية الفلسطينية، التي لم تقدّم لها طهران، حتى الآن، سوى الخيبة وتدمير لبنان العديد من المرات على يد مليشيا “حزب الله”، وهو ما أكد عليه وزير الدفاع الإيراني، محمد حاتمي، في السادس عشر من أغسطس الماضي، عندما قال: “نحن مستعدّون لتلبية احتياجات لبنان من السلاح لكن الخيار يبقى لهم”.
ولم ينسَ حاتمي تحميل الإمارات “مسؤولية توسيع مواطئ أقدام الكيان الصهيوني في المنطقة”، حيث قال: “الكيان الصهيوني هو كيان غاصب وقاتل للأطفال وشر بكل معنى الكلمة، وما حدث هو خيانة للشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، وإذا أرادوا إيجاد مواطئ أقدام جديدة للكيان الصهيوني في المنطقة، فسيخلق حالة من انعدام الأمن ويتحملون مسؤولية ذلك، وسيعود ذلك بالضرر عليهم”، متغافلاً أنّ تهديداته المستمرة لدول المنطقة كانت السبب الرئيس لتوجهها نحو إعادة ترتيب أوراق الخصوم والحلفاء من جديد.
خطوط حمراء من صناعة إيرانيّة
تصريحات أكملها حسين أمير عبد اللهيان، مساعد رئيس البرلمان الإيراني، في العشرين من أغسطس، عندما قال إنّ الإمارات تتجاوز الخطوط الحمراء للأمن الجماعي الإقليمي، عبر السماح لإسرائيل بأن يكون لها موطئ قدم في منطقة الخليج، محذراً الإمارات، من أنّها ستتحمل عواقب أي حادث على علاقة بإسرائيل في الخليج، وقال عبد اللهيان: “إنّ أي حادث يقع اليوم في منطقة الخليج تكون فيه إسرائيل ضالعة في الخفاء أو العلن، تتحمل عواقبه الحتمية والخطيرة أبو ظبي، إلى جانب إسرائيل”.
لكن دولاً عربية يبدو أنّها قرّرت أن تتوجه إلى تحديد بوصلتها بنفسها بعيداً عن الارتباط الزائف مع أطراف إقليمية، استغلّت على الدوام الرابطة الدينية، في سبيل توسيع نفوذها وخلق الفتن الطائفية والعرقية في المنطقة، وهي تواصلها منذ قرابة العشرة أعوام دون هوادة، حتى هُجر غالبية السوريين نتيجة تدخلات طهران وأنقرة في قضيتهم، والتي كانت برهاناً على ما ستؤول إليه الأوضاع في أي بلد تتدخل فيه العاصمتان.
ذلك ما يمكن استنتاجه على الأقل، من حديث مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، ألون أوشفيز، في الواحد والعشرين من أغسطس الماضي، حيث قال إنّه يرجّح ويأمل أن تقيم إسرائيل في غضون أسابيع قليلة علاقات دبلوماسية مع دولة عربية أخرى، مؤكداً أنّ اتفاق السلام مع الإمارات “له دلالات بعيدة المدى”، معتبراً إياها “اتفاقية إستراتيجية، ذات أهمية هائلة لسنوات قادمة، ولا تقلّ أهمية عن معاهدتي السلام مع مصر والأردن”.. وفي حديثه حول ما إذا كانت إسرائيل تجري اتصالات مع دول عربية جديدة، أشار إلى “وجود قائمة تضم دولاً محورية، يتعيّن عدم الكشف عن أسمائها حالياً”.
إيران تدرك خدمتها لإسرائيل
ومع إيمان الكثير من الأطراف العربية الراسخ بالقضية الفلسطينية وضرورة حلّها بشكل عادل، يبقى أن يقال إنّ الدور التخريبي لطهران في الخليج العربي كان أحد العوامل المُسرعة للوصول إلى اتفاقات عربية مع تل أبيب، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في الرابع والعشرين من أغسطس، عندما قال إنّ الإمارات العربية المتحدة لجأت إلى إسرائيل من أجل شراء الأمن، لكن إسرائيل عاجزة عن توفير الأمن لنفسها (على حدّ وصفه)، ليطرح السؤال نفسه، عن الجهة التي يقصد بها ظريف حماية الإمارات نفسها منها، حيث من الواضح أنّ ظريف يشير ضمنياً إلى طهران، وبالتالي فقد أقرّ من دون أن يقصد بالترهيب الذي تمارسه طهران بحق شعوب المنطقة.
لكن الواضح أنّ مسؤولي النظام الإيراني لا ينسّقون تصريحاتهم، ففي الوقت الذي أظهر فيه ظريف إيران دولة قوية وقادرة على حماية نفسها، خرج وزير الدفاع الإيراني، العميد أمير حاتمي، في اليوم التالي، أي في الخامس والعشرين من أغسطس، وقال إنّ طهران بحاجة إلى الصواريخ لردع الولايات المتحدة وإسرائيل، في تصريح لوكالة “سبوتنيك” الروسية.
وتابع بالقول: “أكرر مرة أخرى.. الصواريخ مطلوبة فقط لردع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني المرتبط بها، ولن نستخدم إمكاناتنا الصاروخية لأيّ غرض آخر”، دون أن ينسى العزف على الوتر الديني، بغية الضرب على الوتر الحساس لدى الشعوب العربية، فقال إنّ “الشعب الإماراتي المسلم، هو شعب شقيق لنا كشأن جميع شعوب الدول الأخرى، لكن حكامهم ارتكبوا أخطاء، وآخرها كان جرّ الكيان الصهيوني إلى هذه المنطقة الحساسة”.
ويبقى القول، إنّ التدخل الإيراني في لبنان واليمن والخليج العربي عموماً، والتدخل التركي في سوريا وليبيا ومصر وغيرها، كشف لشعوب المنطقة مآلات ما قد تذهب إليه العاصمتان المستترتان كل منهما بصفة طائفية معينة، لكسب قلوب الضعفاء وأسر عقولهم بكلمات مُنمقة، وعبارات فيها الكثير من الزيف والافتراء، في سبيل تحقيق مصالحهما وتوسيع نفوذهما.
وبغضّ النظر عن صحة وجدوى السلام الإماراتي_الإسرائيلي، لكن الأكيد أنّ الدول الخليجية ما كانت لتلجأ إلى التطبيع مع تل أبيب، لو أنّها لم تدرك أنّ جيرانها المفترضين، لا يسعون إلى تفتيتها وشرذمتها والاستيلاء على مقدرات شعوبها.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحممد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!