-
سوريا.. ما بعد الحرب
يحاول النظام السوري، مراراً وتكراراً، وعبر جميع وسائل الإعلام التي يسيطر عليها، التركيز أنّ ما يعاني منه الشعب السوري، حالياً، من مشكلات اقتصادية، بسبب قانون قيصر، متناسياً السبب الأساسي لصدور هذا القرار. سوريا
وجاء توقّف المعارك في سوريا أو انخفاض حدّتها بشكل كبير، لتفضح بشكل لا لبس فيه، آنذلك، النظام والبنية الاقتصادية البالية التي أقامها النظام، والتي يتحكّم بها الفساد الذي نخر مؤسسات الدولة الاقتصادية، فجعلها خاوية، وجعل من الاقتصاد السوري عاجزاً عن تلبية أقلّ احتياجات المواطن السوري.
ولا يكاد يمرّ يوم أو شهر إلا وتظهر المشاهد البائسة التي ينقلها الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي تنقل واقعاً بائساً يتخبّط به الشعب السوري، ويعكس مشهداً مأساوياً لما آلت إليه أوضاع الشعب السوري، والحالة المزرية والبؤس الذي ينتشر بطول البلاد وعرضها بسبب تحالف منظومتي الحكم والفساد، والذي بات ذلك الحلف ظاهراً وجلياً للشارع السوري المؤيد والمعارض، بسبب خروجه خلال سنوات الأزمة السورية من الخفاء إلى الظهور الوقح والصلف وسقوط الأقنعة التي كانت تغطّي هذا الحلف بانتهاء القتال في سوريا.
إنّ السيطرة المعلنة لهذا الحلف، والذي لم يكن جديداً، وإنّما مورس بالخفاء لعشرات السنين، وبحماية من الأجهزه القمعية للنظام الحاكم، وظهر واضحاً وبشكل فاضح بعد أن وضعت الحرب أوزارها ليجد الشعب السوري نفسه في دوامة من الفساد والجوع والقهر والاستبداد والخوف، يفرضه هذا التحالف الظالم بين السلطة ورموز الفساد على جميع أبناء الشعب السوري بدون استثناء.
إنّ الحماية التي وفرها نظام الأسد لمنظومة الفساد التي بدأت تحكم سوريا واقتصادها ومقدراتها ومؤسساتها، وفق شريعة الغاب، ونهب الثروات وإفقار الشعب السوري هي السبب الرئيس لما يعانيه الشعب، وليس القانون الذي يصرّ نظام الأسد المستبدّ أنّه السبب لهذا الواقع الاقتصادي المتردّي.
إنّ إجرام النظام وإصراره على البقاء عبر إباحة جميع المنكرات الاقتصادية، وتسهيل عمل الفساد وأذرعه من أجل تقديم خدمات لهذا النظام في مواجهة الشعب، أودى بالاقتصاد السوري للهاوية، وأصبح الفساد وأشكاله مهيمناً على مقدرات سوريا المتبقية، وفأفرغ ما تبقى في جيوب الشعب السوري، وأفقر مؤسساته، وأصبحت هياكل جوفاء، وتحوّلت ركائز الاقتصاد السوري، من زراعة وتجارة وصناعة، إلى ركام أو إلى أثر، بعد أن دمرت المعامل ونهبت وخرج قسم كبير منها للجوار، وفقدت الزراعة في سوريا مقومات استمرارها، وغادر التجار ورأس المال، وانعدمت الحركة السياحية، وفقدت كل مقوماتها، في ظلّ هذا التحالف وسيطرته المافيوية على كل شيء.
وفي ظلّ هذه الأوضاع المأساوية وانعدام الحل لدى السلطة السورية والنظام السوري، الذي يجعل حالياً من أوّلياته هو البقاء في السلطة، ويحاول جاهداً التحايل والالتفاف على استحقاقات القرار الدولي ٢٢٥٤، والهروب من الالتزامات الذي يفرضها هذا القرار، وعدم الاهتمام بالكوارث الاقتصادية التي تحلّ بالشعب السوري من فقدان كل شيء تقريباً، من مقومات الحياة وانعدام أيّ حل ممكن أن يقدّمه ويطرحه من أجل إيجاد حلول لهذه الكارثة المتفاقمة.
يوماً بعد يوم لا يجد النظام حلولاً إلا بمزيد من الظهور الإعلامي والخطابات والكلام الأجوف الذي لا يغني ولا يسمن من جوع، ولايقدّم أي حلّ، والظهور الإعلامي، مؤخراً، لرأس النظام ليتحدّث عن مسائل لا علاقة لها بكارثة الشعب السوري، كالعلمانية والدين وزراعته لشجرة هنا أو هناك، تدلّ على فراغ كبير في التعامل مع مشكله الشعب السوري، الأمر الذي يثير من سخرية الشعب السوري اتجاه هذا النظام الفاسد، رغم الآلام التي تحيط بهذا الشعب.
إنّ ما يعانيه الشعب السوري، حالياً، من مشكلات متفاقمة لا يدل على انفراج قريب أو تغير لهذا الواقع في المدى القريب، فالوضع الاقتصادي متردٍّ للغاية، وانعدام فرص العمل وتدمير النظام والمعارضة للبنية التحتية في المعارك السابقة، والغلاء الفاحش للمتطلبات الأساسية والركود وانعدام الإنتاج وانهيار سعر الليرة السورية وفرار الصناعيين والتجار وتدمير البنية الصناعية والزراعية والتجارية ومستلزماتها، والافتقار للحلّ، في ظلّ تعنّت النظام وعدم استجابته للقرارات الدولية التي ستبقي النظام محاصراً، وانعكاسات ما سبق على الوضع السوري حول حياة السوريين لجحيم لا يطاق ولا يمكن تحمله، وسيكون مقدمة لانفجار كبير أشدّ بكثير مما حدّث مطلع العام ٢٠١١.
هذا الانفجار سيولّده ضغط العصابات المافيوية التي تتحكّم هي والميليشيات بكل شيء من مقدرات الشعب السوري وقوّته ومتطلبات معيشته، يضاف لذلك تلك الفوضى العارمة التي تجتاح جميع المناطق السورية دون استثناء، واستفحال حالة الجريمة والأمراض المجتمعية في ظلّ انعدام الأمن وتفاعل حدّة الفقر سيكون سبباً آخر لانفجار أكبر.
الجميع يعلم أنّ هذه السلطة بدأت حربها على الشعب السوري، وكلّها ثقه أنّها ستنتصر خلال أسابيع أو أشهر قليلة، وانتهكت كل المحرمات من أجل إعادة الشعب السوري للقيود التي لبث فيها لخمسة عقود، واستعانت تلك السلطة بكل العصابات والأشرار وشذّاذ الآفاق من ميليشيات وقتلة وغيرها لإسكات هذا الشعب، واضطرت لتقديم كل مقدرات سوريا لهؤلاء القتلة من ميليشيات طائفية، ووضعت نفسها في خدمة المشروع الإيراني وباعته كل مقدرات الشعب، ورهنت هذا الشعب خدمة لهذا المشروع من أجل استمراريتها في السلطة، وبالتالي لن تستطيع تلك السلطة إبعاد من استدعتهم، سابقاً، لحمايتها من هذا الشعب، ولن تتنازل تلك العصابات والميليشيات عن تلك الهبات والأعطيات الممنوحة لها، سابقاً، والامتيازات بسهولة وأصبحت تلك الميليشيات هي من تحكم، وحتى تلك السلطة أصبحت جزءاً ممن تتحكّم به تلك الميليشيات، حالياً، وصودر القرار السوري وصودرت السيادة السوريه لصالح تلك الميليشيات ومشغليها ومشاهد مصادرة السيادة السورية كثيرة، لا يمكن حصرها، وعالقة بأذهان الكثيرين، مشاهد اللقاءات في حميميم وطهران التي عبرت بكل وضوح عن غياب رموز السيادة الوطنية، وغياب هذه السيادة انعكس على الواقع الاقتصادي للشعب السوري، الذي أصبح أجيراً ومرتزقاً عند الجميع، مقابل الحصول على فتات من مقدراته.
ويضاف لهذه الكارثة الاقتصادية التي ألمّت بالشعب السوري، تردّي الواقع الصحي الذي ينذر بكثير من السوء، هذا جميعه انعكس على المجتمع السوري بكافة أطيافه وقدرة هذا المجتمع على معالجة وترميم الشرخ الكبير بين مكونات هذا المجتمع، فلا سبيل لمعالجة هذا الواقع إلا بتظافر جهود جميع السوريين على اختلاف مكوناتهم، للخروج من هذه الكارثة، والاستفادة من الضغط الذي يمارسه المجتمع الدولي لتنفيذ قرارات مجلس الأمن، وإخراج تلك العصابات من سوريا، وإعادة بناء وطن على أسس ديمقراطية تكفل حرية وكرامة الشعب، في ظلّ حكومة تمثّل الشعب السوري تكون بعيدة عن أي أجندة إقليمية أو دولية، وأن تكون بوصلتها الحقيقية هي إعادة بناء سوريا والسعي لتحقيق المصلحة والمصالحة الوطنية ومصالح الشعب السوري الذي تعرّض لأقسى ما يمكن أن يتعرّض له شعب طالب بالحرية والكرامة والعدالة. سوريا
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!