الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • شمال سوريا.. والهزيمة السياسية قبل العسكرية لأردوغان والإخوان

شمال سوريا.. والهزيمة السياسية قبل العسكرية لأردوغان والإخوان
تركيا والإخوان ليفانت نيوز

منذ الحادي عشر من أكتوبر الماضي، أي قبل أكثر من شهر، والآلة الإعلامية التركية، والأخرى الموالية للإخوان المسلمين في سوريا، تمهّد وترحّب بعملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، كان من المفترض أن تنال من مناطق خاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، التي يعتبر الكورد السوريون مكوناً أساسياً فيها، لكن ورغم مرور وقت طويل على أولى التعهدات التركية، لا تزال أنقرة عاجزة عن مهاجمة شمال سوريا، رغم أنها تمتلك من الأسلحة من يمكنها من مجابهة دول، ومن المرتزقة، ما كفاها لغزو ليبيا وأذربيجان و(عفرين ورأس العين وتل أبيض) في شمال سوريا.


بداية التوعد التركي


هدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان في 11 أكتوبر، بأنه مستعد "لاتخاذ الإجراءات اللازمة للقضاء سريعاً على التهديدات ضد قواته"، بعد هجمات طالتها في منطقة مارع الخاضعة لسيطرة أنقرة ومسلحيها السوريين ممن يعرفون بـ"الجيش الوطني السوري"، وأضاف أردوغان: "صبرنا ينفد بشأن هذه المناطق في سوريا التي تنطلق منها الهجمات الإرهابية التي تستهدف بلادنا"، على حد زعمه.


وتجاهل أردوغان أن الهجمة التي طالت قوات جيشه لم تحدث في تركيا، بل في منطقة سورية، وأن القوة المهاجمة قوة سورية، بغض النظر عن رضا أنقرة والإخوان عنها، خاصة أن وجود أنقرة في سوريا يعتبر وجوداً غير شرعي، واحتلالاً وفق منظور شريحة واسعة من السوريين.


اقرأ أيضاً: من الهرموش إلى شمعة.. الغرابة وإشارات التعجب رفيقةً لألغاز أبطالها “السوريون”

وكونها لا تتواجد بشكل رسمي في مناطق تل رفعت ومحيطها المعروفة بمسمى "الشهباء" محلياً، فقد أكد المركز الإعلامي لـ"قوات سوريا الديمقراطية" في بيان صادر عنه، إن لا علاقة لقواته بقصف مدينة جرابلس أو الحدود التركية، وفق ما أشار إليه فرهاد شامي مدير المكتب الإعلام لـ"قسد"، الذي أوضح: "نعتقد بأنها لعبة استخباراتية تركية مكررة تم تنفيذها بأيادي مرتزقة مدعومين من نظام أردوغان ويعرفهم الشعب التركي جيداً".


ولعل ما قد يجعل فرضية أنها "لعبة استخباراتية" واردة أكثر من غيرها، هو إدراك "قسد" أنها لا تستطيع مواجهة تركيا عسكرياً، وأن أي مواجهة جديدة، قد يجعلها تفقد مدن جديدة على شاكلة (عفرين ورأس العين وتل أبيض)، وبالتالي، لم يكن من المنطقي أن تهاجم "قسد" الأقل قوة، تركيا المسلحة بأحدث أسلحة الناتو، إضافة للمرتزقة الذين يتقدمون الجيش التركي عند غزوه لأي أرض سورية، هذا عدا الحماسة التي أظهرها ممثلو تركيا في الإعلام العربي، إذ أدلى هؤلاء بعشرات التصريحات المشجعة للغزو العسكري والمباركة له، والمتوعدة لـ"قسد" بالدمار.


شمال سوريا

رفض أمريكي للعملية


عقب تجربة عفرين المريرة، آذار العام 2018، وتجربة رأس العين وتل أبيض في أكتوبر العام 2019، أضحت "قوات سوريا الديمقراطية"، ومكونات مناطق الإدارة الذاتية شمال وشرق سوريا، مدركة أن أي هجوم تركي عليهم، يتطلب موافقة أمريكية أو روسية، أو أقله غض طرفهم، وهو ما يبدو أنه أضحى غير متوفر مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي انتقد قبل انتخابه الرئيس التركي، وتعهد بالتعاون مع المعارضة التركية لإسقاطه في الانتخابات المزمعة في العام 2023.


وبالصدد، جاءت أولى التصريحات الأمريكية في هذا الصدد، بتاريخ الثاني عشر من أكتوبر، أي عقب يوم واحد من توعد أردوغان لـ"قسد"، حيث قالت وزارة الخارجية الأمريكية، إن الولايات المتحدة تؤكد على أهمية الحفاظ على خطوط وقف إطلاق النار بشمال شرق سوريا ووقف الهجمات عبر الحدود، وهو ما أشار بجلاء إلى رفض واشنطن توسيع أنقرة مناطق نفوذها في شمال سوريا، فأنقرة ورغم وجودها في الناتو، لكنها تمتلك مشروعها التوسيع الخاص، الذي لا يرتبط بمشروع الحلف في سوريا.


اقرأ أيضاً: الناتو والتصدّع.. تآكل من الداخل وصفعات من الخارج

ولأن الحال تلك، فقد حمل وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، الولايات المتحدة وروسيا، المسؤولية عن عدم الوفاء بالتزاماتهما بشأن كبح جماح المقاتلين الأكراد في سوريا، زاعماً أن "وحدات حماية الشعب"، كثفت هجماتها ضد تركيا، وبدأت بإطلاق قذائف يصل مداها 30 كيلومتراً باتجاه الأراضي التركية، وأن الولايات المتحدة وروسيا تتحملان المسؤولية تلك الهجمات "المزعومة"، متهماً إياهما بعدم تطبيق التزاماتهما بإبعاد المقاتلين الأكراد عن الحدود التركية لمسافة لا تقل عن 30 كلم، مانحاً المراقبين إشارة صريحة للرفض الأمريكي الروسي لفكرة الغزو التركي.


حرب المسيرات


ومع إخفاق أنقرة في الاستحواذ على الموافقة الدولية لغزو شمال سوريا، توجهت للانتقام من المنطقة عبر سلاح خطير هو المسيرات، فجرى الاستهداف الأول في خضم التهديدات الأخيرة، في العشرين من أكتوبر، وطال منطقة كوباني، عندما أعلنت "قوى الأمن الداخلي\الأسايش"، أن طائرة مسيرة تركية استهدفت الرئيس المشترك لمجلس العدالة الاجتماعية التابعة للإدارة الذاتية، ما أسفر عن إصابته، ومقتل اثنين من عاملي الإدارة في المنطقة.


اقرأ أيضاً: باكستان وطالبان.. مُساندة عسكرية قبل سقوط كابول وسياسية بعده

وفي الثالث والعشري من أكتوبر، تكررت العملية عندما استهدفت مسيّرة تركية سيارة أخرى في كوباني، مما أدى لسقوط ثلاث ضحايا، قالت قوات سوريا الديمقراطية إنهم من قواتها، واخيراً، في التاسع من نوفمبر الجاري، عندما قتل ثلاثة أشخاص من عائلة واحدة، بينهم مسن ثمانيني، بقصف طائرة مسيرة تركية، في مدينة القامشلي شمال سوريا.


موسكو وما لا تريده أنقرة


ليست معضلة تركيا مع "قسد" في اتهام أنقرة لها بأنها "انفصالية"، لأنه من السهل تفنيد تلك المزاعم مع قبول "قسد" في العام 2019، بانتشار قوات النظام على الحدود الرسمية للدولة السورية، ولا في الزعم بأن قسد "إرهابية"، كونه من السهل تفنيد ذلك أيضاً، بالإشارة إلى أنها كانت رأس الحربة في مقارعة تنظيم داعش الإرهابي، لكن مشكلة أنقرة هي في رفضها حلّ القضية الكردية في سوريا، وفق أسس دستورية تضمن حقوق ذلك المكون، لخشية أنقرة من انتقال العدوى إليها، حيث يشكل الكورد شريحة واسعة من المجتمع في تركيا.


اقرأ أيضاً: المستتركون السوريون.. متخلوّن عن الوطنية ومنحلون ببوتقة التتريك

وعليه، فإن مجرد خوض "قسد" للحوار مع النظام السوري أو روسيا أو أمريكا، هو أمر مرفوض تركياً، إذ تتركز الجهود التركية على منع استحواذ الكورد في سوريا على حقوقهم، لسد الأفق أمام الكورد في تركيا، وبناء على ذلك، فإن آخر ما كانت أنقرة تنتظره من موسكو، هو ما أعلنه ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي، في الواحد والعشرين من أكتوبر الماضي، عندما أعلن جاهزية موسكو لأداء دور الوسيط، مؤكداً أن موسكو "تعارض تجدد أي أعمال قتالية"، مثنياً على الاتصالات "الجيدة جداً" التي تربط موسكو مع السوريين، بمن فيهم القوى الكُردية، بالقول:" لذلك نحن مستعدون دائماً لأداء دور الوسيط بين كافة الأطراف المعنية، بغية تفادي إراقة الدماء وسقوط ضحايا بشرية وحل كافة المشاكل ضمن إطار الحوار السياسي البناء".


وبالمحصلة، فإن مجرد إخفاق أنقرة في الحصول على الضوء الأخضر إن كان من الولايات المتحدة أو روسيا، لغزو منطقة الإدارة الذاتية شمال سوريا، يعتبر فشلاً سياسياً ذريعاً لتركيا والإخوان المسلمين في سوريا، وإشارة صريحة إلى الإفلاس الذي بلغه الطرفان، ما يعني بجلاء أن كامل المناطق التي تخضع لأنقرة وميلشياتها السورية، باتت في دائرة الخطر، وان مسألة وجودها هناك أضحت قضية وقت لا أكثر.


ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!