-
شهادة نسائية في محاكمة كوبلنز..ورسلان يُقحِم اسم “مي سكاف”
لونا وطفة - ألمانيا
افتتحت الجلسة الرابعة والثلاثين من محاكمة المتهمين أنور رسلان وإياد الغريب، بتوزيع ما قدمه السيد مازن درويش للمحكمة كوثائق للاطلاع على أطراف الدعوى، تم استدعاء الشاهد كما جرت العادة، بيد أنه لم يكن معتقلاً سابقاً في سوريا أو منشقاً عن النظام، بل كانت ولأول مرةٍ معتقلةٌ سابقةٌ.
دخلت الشاهدة من الباب المخصص للشهود هي ومحاميتها، ثم جلست وبدأت التعريف عن نفسها بأنها تبلغ من العمر 38 عاماً، وأنها تنحدر من عائلة كبيرة من حيث عدد الإخوة والأخوات.
الشاهدة التي فضّلت عدم ذكر اسمها للإعلام، استهلت الحديث عن نفسها بأنها بدأت عملها السياسي من خلال الحزب الشيوعي عام 2001، وأضافت أنه وحتى بداية الثورة عام 2011 تعرّض الكثيرون من أصدقائها في الحزب للاعتقال، الأمر الذي أتاح لهم معرفة الآلة القمعية لدى النظام حتى قبل الثورة.
اعتقلت عام 2011 من قبل فرع الخطيب
بتاريخ الثاني من الشهر الخامس لعام 2011 اعتقلت الشاهدة للمرة الأولى من قبل فرع الخطيب واستمر اعتقالها لمدة أسبوعين. قالت الشاهدة أنه كان اعتقالاً من مظاهرة نسائية وكان عددهم قرابة الثلاثين امرأة وأنها الوحيدة التي اعتقلت لأنها كانت تصور المظاهرة. ثم تحدّثت عن ضرب العناصر لها مع مجموعة من الشبَّان المعتقلين في الفرع أربعين، ومن ثم نقلها إلى الفرع 251 وعن ضربها هناك أثناء انتظارها لموعد التحقيق معها، وتركها في الممر واقفة لعدة ساعات وتعرضها خلال ذلك الوقت للصعق بالكهرباء أيضاً.
بعد التحقيق معها وضعت الشاهدة في منفردة، وهنا توجهت للقضاة بقولها: “هل يجب أن أشرح ماذا تعني المنفردة؟” فأجابتها القاضي بنعم، فقالت الشاهدة: “المنفردة هي مكان صغير، مثل القبر”.
تابعت الشاهدة وصف حجم المنفردة والتهديدات بالاغتصاب والتحرش التي طالتها، بالإضافة للتعذيب الجسدي وتحدثت أيضاً عن أصوات تعذيب المعتقلين الآخرين التي رافقتها طوال وجودها في فرع الخطيب.
بطبيعة الحال، تناولت أيضاً الأوضاع الصحية والطعام وقطع الكهرباء بعض الأحيان كنوع من التعذيب النفسي لمن هم في المنفردات، لدرجة أن أحدهم قام بضرب الباب بطريقة هستيرية بعد قطعهم للكهرباء وأن جميع المعتقلين سمعوا صراخه.
بتاريخ 12.04.2012 اعتقلت الشاهدة ،من قبل ذات الفرع للمرة الثانية، واستمرّ اعتقالها هذه المرة لمدة أسبوع، وعن هذا الاعتقال أخبرت الشاهدة القضاة أنه حدث نتيجة مشاركتها مع أخريات باعتصام حملة “أوقفوا القتل” أمام البرلمان السوري.
بدأ الأمن بهجومه واعتقالاته التعسفية، قبل أن يبدأ الاعتصام كما قالت الشاهدة، وأضافت أن الضرب كان همجياً وعنيفاً أكثر من المرة السابقة، وأنه تركز عليها وعلى امرأة أخرى كانت محجبة لدرجة أنهم نزعوا عنها حجابها عنوةً. نتيجة هذا الضرب بقيت الشاهدة متورمة لعشرة أيام.
تحدثت بعدها عن غرفة التفتيش في فرع الخطيب بعد نقلها من فرع الأربعين إليه، وكيف رأت فيها آثاراً على الجدران رجحت أنها آثار دماء وتعذيب، وعن رؤيتها لأدوات تعذيب هناك من بينها العصي والكابلات. بعد ثلاثة أيام من وصولها لفرع الخطيب أُخذت لمكتب المتهم أنور رسلان والذي كان لطيفاً معها، كما قالت، وأن حديثهما استمر قرابة العشرين دقيقة وكان عبارةً عن أسئلةٍ عامة.
رجحت الشاهدة أن سبب التعامل معها بهذه الطريقة’’ وإطلاق سراحها بعد أسبوع فقط، هو الضغط الممارس لإطلاق سراح المعتقلات ضمن هذه الحملة، ووجود كوفي عنان في ذات الوقت في سوريا، ما أعطى الحملة صدى عالمي.
لقاء مع “رسلان” في الأردن..وإقحام اسم الراحلة “مي سكاف” من قبله
سُئلت الشاهدة إن كانت قد التقت برسلان مرة أخرى، فأجابت بأنها التقت به في الأردن بعد أن أخبرها منشقٌ آخر عن النظام ويدعى ع.ص عن انشقاق رسلان ووجوده في الأردن، حيث تملّكها الفضول للقائه، وطلبت ذلك من ع.ص فاتصل على الفور برسلان الذي وافق على اللقاء والتقيا بمقهى في عمان. استمر لقاءهما قرابة الساعة والنصف ولم يتناول إلا العموميات.
ما ذكرته الشاهدة عن لقائها بالمتهم، كان مجال سؤال المدعي العام لها عن حقيقة ما جرى في هذا اللقاء حيث أكّدت على ما قالته للقضاة، بيد أن المدعي العام قام بقراءة ما ورد في دفاع المتهم رسلان عن هذه النقطة ضمن رده على التهم الموجه ضده من المدعين ومن ضمنهم الشاهدة، وكان مما ورد في دفاع المتهم رسلان التالي:” التقيت مع الشاهدة ******** بشهر نيسان 2011 وليس 2012 في السجن، فسألتها ما هو عملك فقالت صحفية مع BBC، فقلت لها تعالي معي إلى مكتبي وكان برفقتها عدد من زملائها الصحفيين، فسألتها متى تم اعتقالك فقالت لي منذ ساعة تقريباً”.
سأل المدعي العام الشاهدة: هل صحيحٌ ما ورد هنا؟ فأجابت بأنه غير صحيح بالمطلق وبأنها لم تُعتقل بالاسم كصحفية وإنما ضمن مظاهرة بشكلٍ اعتباطي، أي أنها غير معروفة من قبلهم. ثم تابع المدعي قرائته لأقوال المتهم: “(…)، اتصلت مع رئيس الفرع 251 وشرحت له وضعها ومعها زملائها وطلبت من رئيس الفرع إخلاء سبيلها ورفاقها، لأنهم يتحدثون فقط بكلامٍ حول حرية الصحافة. ولم ألتقِ معها بعدها إلا في بداية العام 2014 بعد انشقاقي في الأردن وليس في تركيا حيث اتصل معي ********* وأخبرني بأن الفنانة مي سكاف ومعها زميلتها متواجدتين في مقهى بمنطقة *******، والمقهى ليس بعيداً عن المنزل الذي كنت أستأجره فحضرت والتقيت معهم، وقد عرفتها مباشرة واعتقدت بأنها طلبت من ********* تنسيق حضوري لكي تشكرني على المساعدة التي قدمتها لها.
لم تتحدث هي بشيء أبداً، وأنا تحدثت مع مي سكاف حول مدينتها وبعض أعمالها الفنية، ومشاركتها بالمظاهرات”.
أعاد المدعي توجيه سؤاله للشاهدة عن صحة هذه الفقرة، فنفت صحتها أيضاً، وقالت أن الفنانة المرحومة مي سكاف، لم تكن حاضرة في هذا اللقاء.
عذّبوا أطفالها أمام عينيها..فانهارت
أكمل المدعي: “وكما تدّعي الشاهدة بأنني أرتدي بزة عسكرية وهذا غير صحيح على الاطلاق لأنني لم أرتدِ اللباس العسكري أبداً”. وهو ما قالته الشاهدة عن لقائها بالمتهم في مكتبه ورؤيتها له بالزي العسكري، فأعاد المدعي سؤالها عن صحة هذا الكلام فأجابت بأنها لا تذكر على وجه التأكيد ولكنها تعتقد أنها رأته بالبزَّة العسكرية وكانت شارته نسراً ونجمتين أو ثلاث. تم عرض صورة للرتب العسكرية على شاشة العرض في المحكمة فاستطاعت الشاهدة تمييزهم.
بعد ذلك عُرِضَ رسمٌ بخط اليد قامت به الشاهدة أثناء التحقيق معها من قبل الشرطة الجنائية يتضمن شكل الفرع 251 من الداخل وأماكن المنفردات فيه، وكانت مرقّمة من العدد 11 وحتى العدد 25 على شكل نصف مربع. وتحدثت عن تعذيبهم لامرأة بترك نافذة منفردتها مفتوحة لتراهم وهم يعذبون أطفالها، وعن انهيارها ثم نقلها لمنفردة الشاهدة لتبقى معها.
أكدت الشاهدة أنها كانت قادرة على الرؤية من تحت عصابة العين، كما أكد ذلك عدة شهود سابقين في هذه المحكمة، ومن خلال ذلك استطاعت رؤية المعتقلين في الممر وآثار التعذيب على أجسادهم أثناء ذهابها إلى المرحاض مرة واحدة يومياً.
كما أكدت الشبح كطريقة تعذيب متبعة في الفرع 251، والذي حدث مع صديقٍ لها وهو طبيب اعتقل لمرتين في فرع الخطيب، والدولاب والكهرباء بعد رمي الماء على جسد المعتقل، وأيضاً إطفاء السجائر على أجساد المعتقلين.
تصاعد حالات القتل تحت التعذيب عام 2012
سُئلت الشاهدة عن الفرق بين اعتقاليها عامي 2011 و 2012، فقالت بأن عام 2011 تميّز بكثرة الاعتقالات نتيجة كثرة المظاهرات، بيد أن القتل تحت التعذيب كان أقل لأنهم لم يكونوا قادرين على قتل 10000 شخص قاموا باعتقالهم دفعةً واحدةً من المظاهرات، ولكنهم كانوا قادرين على قتل ثلاثة أو أربعة أشخاص من منظّمي المظاهرة مثلاً، وأضافت بأن الاعتقالات الممنهجة كانت ضد النشطاء السلميين منذ بداية الثورة، وهؤلاء تمت تصفية العديد منهم. أما عام 2012 فلم يعد هناك مظاهرات بذات كثافة العام السابق، ونتيجة لذلك قلَّت الاعتقالات العشوائية بينما ازدادت حالات القتل تحت التعذيب.
أثناء ردها على سؤال من أحد محامي الادعاء، ذكرت الشاهدة بأن الاغتصاب كان تعذيباً يطال الرجال والنساء على حدٍ سواء، بيد أن خصوصية تجربة المعتقلات وابتزازهنَّ بفضحهنَّ بإخبار أهلهنَّ عنهنَّ أو تهديدهنَّ بالاغتصاب، في مجتمعٍ يُعنى بالشرف والعار كان وقعه أسوأ بكثير، حيث عانت منها معتقلاتٌ كثيراتٌ لدرجة أن بعضهنَّ لم تتجرأنَ على ذكر ما حدث معهنَّ للأهل أو للزوج.
ثم تحدثت عن قدرة البعض منهنَّ على الحديث في فلمٍ وثائقي بعنوان “الصرخةٌ المكتومة” للمخرجة الفرنسية مانون لوازو، تناول قصص المعتقلات من ناحية الاغتصاب والتحرش في سجون الأسد منذ بداية الثورة وأذيع عام 2017.
انتهت شهادة الشاهدة تمام الساعة الثانية والنصف من ظهر اليوم الأول من شهر أكتوبر/تشرين الأول دون وجود أسئلة إضافية من أطراف الدعوى، فقررت القاضي إنهاء الشهادة وإلغاء اليوم الثاني منها، والذي كان مقرراً في اليوم الثاني من ذات الشهر لعدم الحاجة له.
قرأت القاضي الأول بعد نهاية الشهادة مقالاً من الانترنت، يتحدث عن زيارة كوفي عنان حينها لدمشق ومن ثم قرأت رد المحكمة على طلب محامي الدفاع إعادة المحاكمة من بدايتها لعدم توفر اللغة العربية للصحفيين الحاصلين على الاعتماد من المحكمة، ورفض المحكمة لطلب الدفاع مُبَرَّراً بأن ما قامت به المحكمة لا يخالف مبدأ علانيتها، وبأن مهمتها تقتصر بتسهيل وصول الراغبين بالحضور للمحكمة، وبأن لغة المحكمة الأساسية هي الألمانية وليس من واجبها مساعدة المستمعين أو الحضور إن كان لديهم مشكلة في متابعة المحاكمة.
ثم علّلت قبول المحكمة الدستورية الاتحادية بتاريخ 18.08.2020 الاعتراض المقدم من المنظمات والصحفيين السوريين، بأن عدم إتاحة اللغة حينها للصحفيين السوريين كان ربما يخلّ بالحق الأساسي وفقاً للمادة الخامسة في فقرتها الأولى وجملتها الثانية من الدستور الألماني المتعلقة بحرية الصحافة والإعلام، لكنه لا يقوم على أي إخلال بمبادئ القضايا الجنائية، وأكدت على ضرورة التمييز بين قرار المحكمة الدستورية الاتحادية ومفهوم الجمهور، مشدّدة على الحفاظ على علنية الجلسات وثقة الجمهور بالقضاء.
جلسات المحكمة القادمة ستكون بتاريخ السادس والسابع والثامن من الشهر الجاري.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
لن أترشح إلا إذا السوريين...
- December 28, 2024
لن أترشح إلا إذا السوريين طلبوا مني..
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!