الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
صاحب الوجود والعدم.. الهند في خطر
إبراهيم جلال فضلون (1)

هدفها الأول رحيل الإسلام

"الهندوتوا"، ديانة لا تؤمن إلا بنفسها، تتشابه مع الصهيونية والبوذية، وتعتبرهما تابعين لها، هدفها الأول رحيل الإسلام من الهند.. فتسلقت عالم السياسة، وارتبطت بإسرائيل، وحاول المهاتما غاندي تحديثها، فتسببت باغتياله، وعلى مر القرون من تراكم النصوص والأساطير، أصبحت الهندوسية مظلة واسعة لمجموعة من الطوائف والمذاهب المُتناقضة، كمن يُؤمن بالتوحيد والتثليث وتعدد الآلهة والإلحاد في آن واحد، حيثُ تقوم الميثولوجيا الهندوسية على 3 آلهة رئيسة انبثقت عن براهمان: أولها براهما، وهو الخالق ومانح الحياة، والثاني فيشنو إله الحياة والرحمة والحب، والثالث شيفا إله الفناء والموت والدمار.

الهندوسية تاريخ يتسم بالغموض

قال المؤرخ "جان إيم كولر" في كتاب الفلسفات الشرقية: "من الصعب تتبع تاريخ الهندوسية لأنه يتسم بالغموض"، وقال المؤرخ البريطاني ويل ديورانت في كتابه "قصة الحضارة" عن آلهة الهندوس "تزدحم بهم مقبرة العظماء في الهند، ولو أحصينا أسماءهم لتطلب ذلك منا 100 مجلد، وبعضها أقرب في طبيعته للملائكة، وبعضها هو ما قد نسميه نحن الشياطين، والبعض الآخر أجرام سماوية". وتكتسب الأصنام والأيقونات قداستها من التأملات التي يمارسها النحات، والطقوس التي يقوم بها الكهنة عند تنصيبها، وقد يحجّون إليها، في حين لم يبدأ تقديس البقرة إلا بعد كتابة نصوص السمريتي، لكن في القرن السابع الميلادي، نجح المُسلمون في تأسيس مُجتمعات صغيرة لهم بالهند عبر الاحتكاك التجاري، وتوسع الإسلام في عصر مغول الهند بدءاً بالقرن 16 ليسيطر على معظم أنحاء شبه القارة الهندية، حتى قرر سلطان مغول الهند جلال الدين أكبر إنشاء "الدين الإلهي" على أسس صوفية، والذي كان بمثابة دين تلفيقي، أساسه الإسلام ويقتبس من الهندوسية والأديان الأخرى، فلم يُكتب لمشروعه الانتشار.

"فرّق تسُدْ" وصولاً للماسونية

ومع استعمار منتصف القرن 19، للقارة الهندية، حرص البريطانيون على تطبيق سياسة "فرّق تسُدْ" بإثارة النعرات الطائفية، وتحريض الهندوس على المسلمين، وفصل بنغلاديش وباكستان ومناطق أخرى عن بقية الهند، كي لا تبقى في الهند سوى أقلية من المسلمين، لا تكاد نسبتها تزيد اليوم على 15% فقط، في حين حاول الأوروبيون -من برتغاليين وإنجليز- إدخال الهندوس في المسيحية، لكن جهود التبشير لم تفلح كثيرا في القرن 18، وقد وجد غاندي في القومية الهندوسية إرثا مقدسا يجمع الأتباع حوله بعد جلاء الاحتلال البريطاني، لكن محاولاته التحديثية لم ترُق لطوائف من الهندوس المتشددين الذين اعتبروه علمانيا وخائنا، وبعد 5 محاولات لاغتياله، لقي مصرعه في المحاولة السادسة على يد أحد الهندوس مطلع عام 1948، فاتجهت الأنظار بقوة نحو خطر التطرف الهندوسي الصاعد، التي تمكنت من الارتقاء السريع في النظام الماسوني ووضع الهندوسية في صلب تعاليم الجمعيات السرية ومنظمات الثيوصوفيا الباطنية وحركة العصر الجديد التي انتشرت بقوة في الغرب منذ منتصف القرن العشرين.

دولة هندوسية على حساب مواطن أصيل

وللآن يحلمون على حساب المُسلمين وغيرهم، بإنشاء دولة هندوسية وغيرهم مواطنين من الدرجة الثانية، بحيث لا يُسمح لهم بالاقتراب من دوائر السياسة، التي شاع نفوذها عبر نفس التعاليم الصهيونية بالإرهاب والإبادة والقتل، وصل الأمر في أواخر عام 1992، بالتعاون مع حزب بهاراتيا جاناتا من هدم مسجد البابري وبناء مقر سياسي هندوسي عليه، لتُضرُ دبلوماسية "النمر المحارب" الهندوسية نسبة إلى "دبلوماسية الذئب المحارب" التي تنتهجها الصين، بمصالح الهند بسبب أضرار الأجندة القومية الهندوسية التي تتبناها حكومة رئيس الوزراء الهندي مودي داخليا وخارجيا... وبنفس الطريقة الإرهابية والخطط اليهودية المحتلة ظهرت خريطة جدارية تثير رعب الجيران، أظهرت حدود البلاد الممتدة من باكستان في الغرب إلى بنغلاديش في الشرق.

الهندوسية والصهيونية تعانق الدماء

إن الهندوتوا بالنسبة للهندوسية كالصهيونية بالنسبة لليهود، فكلتاهما حركة سياسية عنصرية الأولى تقتل المسلمين والمسيحيين في تطهير عرقي بلا هوادة، والأخرى حدث ولا حرج تًبيد شعب غزة بالأسلحة المُحرمة دولياً، حتى الأطفال الأجنة لم يسلموا منهم، بل كان جنود الاحتلال يسرقون الجُثث من المستشفيات أمام القانون الدولى (الميت)، دون حراك أًممي وتحت أعين الجميع. ومع تمكن مودي، من الحكم حتى بدأ بتنفيذ كل البرامج الهندوسية، فألغى الحكم الذاتي لكشمير، وتدخل في قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية، وضغطوا على قضاة المحكمة العليا فحكموا بإعطاء أرض المسجد البابري للهندوس، ثم كان قانون الجنسية لحرمان كثير من المسلمين من الجنسية، بل وقتل مئات من المسلمين بتهمة أكل لحم الأبقار أو ذبحها، والاعتداء عليهم بتهم حمل الهندوس على اعتناق الإسلام، أو إغراء الهندوسيات بالزواج بالمسلمين، ومعارضة حجاب الطالبات المسلمات، ومنع بيع اللحم الحلال، وإزالة الأسماء الإسلامية للمدن والقرى والشوارع، ووضع أسماء هندوسية بدلا منها.

لتكون القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير، فالتهبت المظاهرات بالقوة، حيثُ يتجاهل حزب مودي العنف الديني في الهند دون أي عقاب لقادته، وعلى رأسهم مودي نفسهُ، وذلك البرلماني الذي عُرف بخطبه التحريضية ضد المسلمين.. وأساء للنبي الكريم ومظاهرات غاضبة في حيدر أباد، تحت شعار "سنغسل هذه الأرض بالدم، سنخبرك بمصيرك، ويقصدون الأقليات الأخرى، في تهديد بالإبادة الجماعية للمسلمين، أمام أعين المجتمع الدولي كما يحدث مع أهل غزة الأن، لتكون الهند بحضارتها العريقة واحدة من أخطر البلدان للمسلمين، كما تفعل الصين جارتها، فضلا عن دعوات أطلقت لإبادة المسلمين في الهند، وهدم بيوتهم ومتاجرهم واقتحام أحيائهم.

فشل الحزب الهندوسي ونهايات قريبة

 لقد فشل الحزب الهندوسي منذ وصوله للسلطة في تحقيق التوازنات الداخلية للمجتمع وأقلياته، بل أكد افتقاره لرؤية سليمة لبناء سياسة خارجية تحمي مصالح الهند ولا تستعدي الأطراف الأجنبية، التي جلبت له العداءات بسبب طريقة الإدارة التعصبية للحزب والقاسم المشترك بين الحكومتين الهندية والإسرائيلية -في عداؤهما المعلن تجاه العرب المسلمين فكلا من مودي ونتنياهو يرغبان في تحويل بلديهما إلى ديمقراطيات عرقية، بل وتعاونت الهند مع إسرائيل في بعض القضايا فكانت من أوائل الدول التي اعترفت بالكيان الصهيوني على أرض فلسطين عقب قيامه عام 1948م، وساندت إسرائيل ضد الإدانات الدولية، أخرها تهجير وقتل شعب وأطفال غزة، وفيما يتعلق بالمساواة بين الصهيونية والعنصرية، مقابل تأييد إسرائيل للهند في مواجهة باكستان، بل ولتكون الهند باباً لأوروبا في مشروع أميركي لمواجهة الصين والتطبيع، عبر ممرين: هما الممر الشرقي ويربط الهند بدول الخليج العربي، والممر الشمالي الذي يربط دول الخليج بأوروبا عبر الأردن وإسرائيل وهو السبب المقنع لانتهاكات تهجير الغزاويين من غزة.. فهل يحدث ما يحدثُ بعد 7 أكتوبر بطوفان الأقصى، ليكون هناك طوفان هندي ضد إرهابي الحُكم؟

ليفانت - إبراهيم جلال فضلون

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!