الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
في مدرسة زيلينسكي.. دروس للمعارضة السورية
عبد الناصر الحسين

لم يخطر ببال الرئيس الأوكراني «فولوديمير زيلينسكي» أن يدخل المسرح السياسي، بعد سنوات أمضاها في المسرح الفني الكوميدي، كما لم يخطر بباله أن يكون الاختبار الأول له في السياسة بهذا الحجم المهول من التحديات، فبلاده «أوكرانيا» تتعرّض لهجمة همجية روسية شرسة، سرعان ما حضر فيها مفردات من الوزن الثقيل مثل «النووي» و«الناتو»، و«الاتحاد الأوربي» و«إمدادات الطاقة».

لكن اللافت في شخصية «زيلينسكي» أنه يتصدى لهذا التحدي بجدارة وجسارة، فهو حاضر في «الحدث الأوكراني» لا يغيب، يصدر البيانات ويلقي التصريحات، بنفسه، الأمر الذي يتيح للعالم بأسره الوقوف على آخر التطورات، بشفافية ووضوح، ممارساً -في الوقت نفسه- السياسة والعسكرة، ملتصقاً بهموم شعبه متواصلاً مع عمالقة السياسة.

لم أشأ -في هذا المقال- أن أعقد مقارنة بين «زيلينسكي» والشخص المقابل له في الضفة الأخرى «فلاديمير بوتين»، لكنني أردت أن أقارن بين الرئيس الأوكراني والجزء المقابل له في سوريا وهو «المعارضة السورية»، مع الفوارق الأخرى، لأعبر من خلالها إلى «الملف السوري» الذي بات يذكر كثيراً مع انطلاق الحرب الروسية على أوكرانيا.

فقد رأينا -في الأحداث السورية- معارضة هزيلة جداً غير مهتمة بما يقع على الشعب السوري من كوارث، إذ كل همِّها جمع الأموال والزحف باتجاه المناصب، والتزلّف للدول، والارتهان للخارج. وعند الاستحقاقات السياسية وجدنا المعارضة لا تجيد «ألف باء» السياسة، وتفعل الفعل السياسي المضاد لمصلحة الناس، وكأنها مبرمجة على «منع التمصلح، وجلب الضرر».

رأينا معارضة «تغيب عند المغرم وتحضر عند المغنم»، فعندما تشتد الظروف على الشعب السوري وتحضر كل أنواع الملمَّات، تغيب المعارضة عن المشهد تماماً، وكأن الذي يحدث لا يعنيها بشيء، حتى إذا هدأت العواصف وطُلِبوا إلى «أستانا أو جنيف أو مناقشات الدستور» هرولوا ملبِّين النداء، طمعاً بمكتسبات خاصة، وطواعية للسيِّد المشغِّل لهم.

لكننا بالمقابل، نرى في «فولوديمير زيلينسكي» نموذجاً للقيادة المسؤولة، التي تؤدي دورها على أكمل وجه، قيادة شجاعة حكيمة جادة واعية، لا تخطئها العين، ولو تتبعنا سلسلة التصريحات التي أدلى بها الرئيس ويدلي بها لوجدناها واقعة على «خط سياسي» ناضج ورشيد.

♦ فحين أراد تشبيك المواقف الغربية مع مصلحة بلاده، قال الرئيس الأوكراني: إن «الوعود» الغربية بشأن حماية أوكرانيا من الهجمات الروسية، لم يتم الإيفاء بها. ونحن نسمع وعوداً منذ 13 يوماً. يقولون لنا منذ 13 يوماً: إنهم سيساعدوننا جوياً وأنه ستكون هناك طائرات وأنهم سيسلموها لنا. بل إنه حمَّل الغرب جزءاً من مسؤولية سقوط الضحايا الأوكرانيين، بقوله: لكن مسؤولية الضحايا تقع أيضاً على عاتق الذين لم يتمكنوا من اتخاذ قرار في الغرب لمدة 13 يوماً.

♦ وفي تصريح عميق الدلالات أظهر الرجل عزوف بلاده عن حلف «الناتو» الذي يبدو ضعيفاً أمام روسيا، مستفزاً بذلك صناع القرار الغربيين، بقوله: لم نعد نهتم بالانضمام لـ«الناتو» لخشيته من روسيا، مضيفاً أنه فقد الاهتمام بقضية انضمام بلاده إلى الناتو الذي يخشى المواجهة مع روسيا.

♦ وعند توجيه الحديث إلى روسيا، أثبت «زيلينسكي» أنه يتحدّث في السياسة عدة لغات، مبدياً استعداده للحوار مع روسيا وليس الاستسلام، وقال زيلينسكي: إن بلاده مستعدة للحوار مع روسيا بشأن كيفية إدارة حياة الناس في مناطق «لوغانسك ودونيتسك والقرم». وبسؤاله عن موقفه من شروط روسيا الثلاثة في المفاوضات، بتغيير الدستور والتخلي عن فكرة انضمام أوكرانيا للناتو والاعتراف بجمهوريتي دونيستك ولوغانسك، والقرم، قال: نحن مستعدون للحوار وليس الاستسلام.

♦ وحين يطالب الرئيس الدول بمساعدة بلاده، لا ينسى تذكيرهم بأن بلاده ستقاتل حتى النهاية، مشيراً إلى أن مساعدات الدول لن تذهب هباء، فقد ناشد الرئيس الأوكراني، بريطانيا بذل المزيد لمساعدة بلاده في محاربة روسيا ومعاقبتها، قائلاً بنبرة تحدّ: "إن أوكرانيا ستحارب من أجل بقائها مهما كان الثمن".

♦ ولقد حرص زيلينسكي على «الوصفة السحرية المركزية» في حربه مع الروس، والمتعلقة بحظر الطيران في سماء أوكرانيا، حين طالب بإنشاء منطقة حظر طيران، متبعاً ذلك بموقف شجاع فيه إشارة إلى أن الحظر المطلوب هو لحماية المدنيين وليس لحمايته الشخصية فهو يخرج ببزته العسكرية متجولاً في شوارع العاصمة، وقد عاد إلى القصر الرئاسي في كييف للمرة الأولى علناً منذ اندلاع الحرب. وتجوّل في المقرّ الرئاسي بوسط كييف، وكتب عليه تعليقاً باللغة الإنجليزية: "أنا موجود في كييف، وفي بانكوفا، بلا خوف من أحد وسأفعل كل ما يلزم للفوز بهذه الحرب".

وأوضح زيلينسكي للبرلمان «المسألة بالنسبة إلينا الآن هي أن نكون أو لا نكون، ولن نستسلم ولن نخسر، سنحارب حتى النهاية، في البحر وفي الجو، سنستمر في الحرب من أجل أرضنا مهما كان الثمن، سنحارب في الغابات وفي الحقول وفي الشواطئ وفي الشوارع».

♦ ويصرّ الرئيس على ضرورة استمرار الغرب بمعاقبة روسيا لأنه متأكد أن العقوبات تضعف زخم التحدي الروسي في مواصلة الزحف باتجاه المدن الأوكرانية. حيث قال: أرجوكم أن تزيدوا من ضغط العقوبات على روسيا، أرجوكم أن تتأكدوا أن السماء الأوكرانية آمنة، أرجوكم أن تتأكدوا من أنكم تفعلون ما يتعين فعله.

هذا الحضور المستمر للرئيس الأوكراني، وهذا الشمول في التعاطي مع التحديات وضع «فولوديمير زيلينسكي» في مصافي الزعماء الأفذاذ، على الأقل وفقاً لرؤية مؤيديه والآخرين المحايدين الأحرار.

ليفانت - عبد الناصر الحسين

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!