الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • قرية الساحرات الفرنسيات ومحاكم التفتيش الكردية

قرية الساحرات الفرنسيات ومحاكم التفتيش الكردية
مها حسن

قبل قرابة أسبوع، كنت في كردستان العراق، أحضر فعاليات مهرجان غلاويش الثقافي، وقد كتبت هنا عن تجربتي في زيارة كردستان للمرة الأولى، والتقاطي لصور العلم الكردي كيفما تنقّلت.

منذ يومين، دُعيت إلى مهرجان "الساحرات" في تولوز، حيث تجمعت عدة جمعيات نسوية فرنسية، لأقدّم روايتي الفرنسية وأوقّع نسخاً منها لمن يود اقتناءها.

من ضمن الجمعيات النسوية المتعددة المتواجدة في ذلك المكان الذي يُدعى بقرية المؤسسات، كانت تتواجد منظمة نسوية كردية تحمل اسم "نساء كرديات".

بتلقائيتي الفرنسية، حيث أتصرف بحرية، دون تعقيدات الرقابة السياسية التي أخضع لها خارج فرنسا، أبديت سعادتي بلقاء نساء كرديات في تولوز.

حين حضرت السيدات الكرديات ندوتي، مع غيرهن من نساء سوريات، من السلمية ومن دمشق وريف حماة، وكذلك الفرنسيات المقيمات في تولوز، أو من غيرها من مدن فرنسية جئن للمشاركة في المهرجان، كنت أشعر بفرح وإحساس آمن في داخلي، أنني أجمع عدة مكونات معاً، لنشكّل ما يشبه الجبهة الثقافية الراقية، التي تستطيع أن تتصدى للخلافات السياسية.

وجدتني في مكاني المناسب، أتحدث عن روايتي بالفرنسية، ثم أترك المجال للسيدات لإبداء آرائهن فيما أقول.

بعد انتهاء التقديم والتوقيع، حيث اقتنت النساء الكرديات والسوريات والفرنسيات، روايتي، طلبت مني بعضهن أن نلتقط الصور معاً، وهذا يحدث لي غالباً في أي مكان أذهب إليه بصفتي الأدبية. كما التقطت السيدات في السليمانية صوراً معي، كذلك التقطت الكرديات في تولوز صوراً معي.

الفارق أن جناح السيدات الكرديات في تولوز يحمل صور عبد الله أوجلان، وكذلك تضع بعض السيدات صورة على "كنزاتهن" كنوع من الانتماء السياسي الواضح.

ككاتبة أنتمي لجميع البشر، وأعبر عن قضايا الجميع، سيكون معيباً بالنسبة لي، الاعتراض على التقاط صور مع نساء محترمات، عاملنني بحب واحترام، لأنهن يضعن صور أوجلان حولهن.

تلك النساء المدنيات، وغيرهن العسكريات حتى، يشكلن أحد اهتماماتي الإبداعية، فعالم المرأة المقاتلة روائياً، ومن وجهة نظر "أوربية" منفتحة دون انحياز، هو عالم غير مألوف بعد، وقد وضعت كلمة أوربية بين مزدوجتين، لأعبّر عن الفارق الجغرافي المهم، لكوني في فرنسا، أشعر بمواطنيتي الشديدة تجاه هذا البلد الذي أحمل جنسيته، وأمارس حقوقي السياسية فيه، ويمنحني حق التصرف دون الشعور بالحاجة إلى الشرح، فإن هذا الفارق، هو الذي يحرّكني ويُثري عوالمي وكتابتي.

لكنني تنبّهت بعد أيام، وإثر انتهاء المهرجان الثقافي النسوي، أن هناك من استخدم صورتي مع السيدات الكرديات ليطلق عليّ وصف "الأوجلانية" مُخرجاً الصورة من سياقها ومناسبتها الأدبية، ليبدو الأمر كما لو أنني أمارس نشاطاً سياسياً.

بوصفي كاتبة، فأنا أسعى لتشكيل صورة المثقف المغايرة، مع غيري من الكتاب الكرد والعرب، دون أجندات سياسية، لأن المثقف برأيي هو ذلك البعيد عن السياسي، والذي يستطيع إحلال التفاهم بين عدة مكونات مختلفة، حين يكون على مسافة واحدة من الجميع، وهذا ما أحسست به في ندوتي وأنا أجمع نساء متعددات، بل ومتناقضات، من عربيات سوريات ومن كرديات تركيات، يعتبرن أنفسهن كردستانيات.

كنت قد أقمت في بيت آن فرانك، الصبية اليهودية التي كتبت مذكراتها، ثم ماتت إثر اعتقالها مع أهلها، في أمستردام، وكتبتُ روايتي عن إقامتي تلك، والتي تلتها لاحقاً زيارتي لفلسطين، وتم استقبال كتابي "في بيت آن فرانك" في فلسطين، دون أية مضايقات أو محاكمات تفتيشية حول الانتماءات أو الولاءات السياسية.

ككاتبة، فرنسية التفكير والمعيشة، عربية التعبير، كردية الروح والشغف، أجدني معنية بآن فرانك، كما بارين كوباني، أو أمينة كاكابافه أو ماريان.. فأنا كاتبة مخلوقة لأعبر عن الآخرين، وخاصة عن الأخريات، دون أن يعني وجودي في مكان ما، أي اصطفاء سياسي، أو انحياز لحزب ما، ضد غيره.

سيكون عظيماً إن استطعنا ذات يوم، نحن الكتاب الكرد على الأقل، بسبب تعددية واحترابية المشهد السياسي، أن نجتمع جميعاً، دون انحيازات سياسية، لنمارس دورنا الأخلاقي المستقبلي في مكان الكاتب، وكيف نحمي حرية بعضنا البعض في التفكير، بدلاً من تحطيم بعضنا، بسبب الرواسب الحزبية التي تخلق الكراهية، والتي هي خارج الدور الثقافي، بل والتي يجب أن تكون من إحدى أولويات الثقافة في عالم مليء بالكراهية، هو صناعة السلام.
 

  ليفانت – مها حسن

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!