الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
قمة بغداد الثانية بين المعاناة والمناورة
عبدالسلام حرمة

ملالي طهران يناورن وما زال العرب يمشون وفق قاعدة (والعافين عن الناس) متأملين أن يُحال الأمر من المُحال إلى الممكن بدافع حسن النوايا والالتزام بالقيم العربية، وقوانين وثوابت العلاقات الدولية على الدوام، وكلٌ ماض على ثوابته؛ العرب على قيمهم وثوابتهم، والملالي على طبعهم الغالب عليهم.

عندما يتعلق الأمر بالعراق فإننا بصدد كوارث ومؤامرات بدأت ولم تنتهِ بهذا البلد وبالمنطقة من خلاله كبوابة شرقية للأمة حتى يومنا هذا حيث لم تعد هذه البوابة منيعة منذ أن تكالبوا عليها وأسقطوها، ولا يخفى على المهتمين في منطقة الشرق الأوسط والعالم ما يمر بالعراق اليوم بل ويمكن للبعض التكهن بما ينتظر العراق في المستقبل القريب وفقاً للمعطيات القائمة على أرض الواقع.

انطلاقاً من مساعي الأردن والسعودية ومصر وكافة دول المنطقة عُقد مؤتمر بغداد الثاني في البحر الميت بالأردن الشقيق وعلى الرغم من ظروفه الصعبة والمخاطر المحدقة به انتهى المؤتمر بروتوكولياً بنجاح كبير من حيث تعهد الأردن والتزامه، إلا أن النجاح الحقيقي لا يتحمله الأردن بمفرده ولا تتحمله السعودية ومصر ودول المنطقة بل يتحمل مسؤوليته العراق بالدرجة الأولى من منطلقين هامين أولهما إن أشقاءه العرب لا يريدون له سوى كل خير ورفعة وكانت مواقفهم واضحة وصريحة، وقد كان المطلوب من العراق وممثليه أن يكونوا على قدر عال من المسؤولية والمصارحة والشجاعة في تشخيص عللهم ومواجهة مخاوفهم وما يهددهم وطرح كل ما لديهم بصراحة تامة أمام أشقائهم وأصدقائهم ليكون الجميع شهوداً على قراءتهم وتشخيصهم وكافة ما يطرحونه من ملفات ويكونون عونهم لهم متحمسين إلى جانبهم خطوة بخطوة؛ إلا أن المؤسف والمؤسف جداً أن يكون خطاب صاحب الأزمة، التي يريد لها حلولاً، خطاباً غير مباشر حفاظاً على مشاعر نظام الملالي حليف كتلة الإطار الشيعي الذي يتولى مقاليد السلطة التنفيذية بل وحتى التشريعية والقضائية في العراق، إذ تأتي المكونات العراقية الأخرى في الترتيب الثاني والثالث و...

كنا نأمل أن يقول العراق إن مشاكل مائية وسياسية وأمنية مع إيران، ومثلها مع تركيا، وأن يطرح قضاياه الداخلية ورؤيته لها، وبوضوحه وشجاعته سيدفع أشقاءه وأصدقاءه، شئنا أم أبينا، للوقوف الجدي إلى جانبه وسيرى نتائج ذلك سريعاً بدلاً من تلك المواربة وعدم الدخول مباشرة في خطاب صريح ومسؤول حيث لا يحتمل العراق مزيداً من مضيعة الوقت ولا تحتمل الأمة المزيد من الخسائر وفقدان أمنها وتهديد مصالحها بين الحين والآخر، لقد بدا لي -وأعتقد أنه كذلك- لكل مهتم متابع بعد سماع كلمات رئيس الوزراء العراقي ووزير الخارجية الإيراني وسفير تركيا، أن كلمتي جيران العراق كل من سفير تركيا ووزير خارجية النظام الحاكم لإيران كانتا أكثر وضوحاً ومباشرة وإصراراً على متابعة مصالح كل منهما بغض النظر عما يتعلق بمصالح العراق ولم يتطرقا إلى قضايا المياه وسيادة وأمن العراق بل تطرقا إلى ما قالا أنه تهديد لأمنهما وسيادتهما، وحول وزير خارجية النظام الإيراني تدخله في شؤون العراق الداخلية وما تسببه من هدم ودمار شامل بالعراق إلى ما أسماه بالدفاع عن العراق وعن أمنه وأمن المنطقة ضد الإرهاب، في حين أن نظام الملالي لم يكتفِ باحتلال العراق وإشاعة الفتنة فيه فحسب، بل راح يستخدم عامل الانتهاك المتواصل للسيادة العراقية كوسيلة لتشويه انتفاضة شعبه والقضاء عليها.

العراق غائبٌ اليوم كدولة مستقرة، وكمؤسسات حقيقية بسبب نظام الملالي وما أسسه من ميليشيات وقوى مسلحة غير منضبطة، وما خلقه من فتن بين أبناء الدولة التي كانت واحدة موحدة، ومن المؤسف جداً أن نرى تستراً من قبل سلطة الحكم في العراق على ما حدث ويحدث في العراق، والأكثر أسفاً أن صمت العراق صاحب الشأن وعدم كمال خطابه ودقته قد ترك لنظام الملالي فرصة لاستعراض ادعاءات لا أساس لها من الصحة ويفرض خطاباً باطلاً منمقاً على المؤتمر وكان حرياً بالعراق أن يستعرض كل الحقائق ولا شيء ويلقي الحجة على الجميع.

تركيا أدلت بدلوها تلميحاً وتصريحاً ووضحت ما تريد وأدانت ما أرادت إدانته كمل فعل نظام طهران، والعراق صاحب العرس كان أشبه بعريس غائب عن الحفل ولا يوجد ما يبرر غياب هذا العريس وغيابه يستحق الإدانة فمعاناة العراق لا تستحق المناورة.

كانت كلمات القادة، ممثلي الدول العربية، كلمات مباشرة ومسؤولة وداعمة للعراق، وبذلك قد أدوا ما عليهم، وقد كانت كلمات الأوربيين مباشرة وصريحة فيما يتعلق بمصالحهم وقضاياهم ثابتة على ما اعتاد الأوربيين عليه من الكيل بمكيالين، إذ ذكروا الأوضاع في أوكرانيا كقضيتهم بالطبع لكنهم تناسوا أو إن الموقف يتطلب تناسي معاناة الشعب الإيراني المنتفض الذي يعاني من القمع والبطش والإعدامات المتزايدة وقتل معتقلي الرأي في محاكمات متسارعة بنمطية إبادية وغير مشروعة شرعاً وقانوناً، بالإضافة إلى قتل النساء والأطفال.

الكل حاضرون برؤيتهم وخطاباتهم الواضحة والصريحة المعبرة عن رغباتهم ورؤاهم ومصالحهم وقضاياهم، وللأسف قد غاب العراق المغيب.. أعيدوا للعراق إرادته قبل إعادته لسابق عهده التاريخي الأصيل.

 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!