الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
قمة خليجيّة استثنائيّة
درويش خليفة
بعد الجولة الأخيرة التي قام بها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى دول الخليج العربي، وتوقيع اتفاقياتٍ اقتصادية وعسكرية، وأخرى أمنية، في خطوة من شأنها تعزيز التعاضد الخليجي؛ من المتوقع أن تكون قمة الرياض الخليجية إيجابية لجميع الأطراف، بما تحقق الأمن والاستقرار الخليجي في ظلّ وفرة التحديات وندرة الفرص، والعمل على تعزيز نقاط القوة الخليجية وسدّ نقاط الضعف في ظلّ المتغيرات الإقليمية والدولية.

ومن المرتقب أن تنبثق عن القمة الخليجية، قراراتٍ مصيرية، تهدف إلى تعزيز القدرات الخليجية الذاتية وتوحيد الرؤى بما يخدم المصلحة الاستراتيجية لدول مجلس التعاون الخليجي، من خلال استكمال المشروع الاقتصادي وإنجاز السوق المشتركة والمشروع العسكري للجيش الموحد وفق التوجهات السياسية والأمنية الخليجية.

كما أنَّ القادة الخليجيين اتفقوا في البيان النهائي لـ "قمة العلا"، في الشهر الأول من العام الجاري، على 117 بنداً، أهمها على الصعيد السياسي، البند العاشر الذي أكد "التركيز على تعزيز وحدة الصف والتماسك بين دول مجلس التعاون وعودة العمل الخليجي المشترك إلى مساره الطبيعي، والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة".

وجاء البند الثلاثين ليشدّد على "مضاعفة الجهود لاستكمال ما تبقى من خطوات، وفق جدول زمني محدد، بما في ذلك استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية في إطار مجلس التعاون، والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة، وبلورة سياسة خارجية موحدة وفاعلة للمجلس تحفظ مصالحه ومكتسباته وتُجنّبه الصراعات الإقليمية والدولية، وتلبي تطلعات مواطنيه وطموحاتهم".

وأما البند الثاني والخمسون، فقد ركّز على "مجالات التكامل العسكري بين دول مجلس التعاون، وأكد على دعم جهود التكامل العسكري المشترك لتحقيق الأمن الجماعي لدول المجلس، وأعرب عن ارتياحه للخطوات المبذولة في تفعيل عمل القيادة العسكرية الموحدة".

لكن أهم بند في القمة الخليجية الأخيرة في العلا بالسعودية، فهو باعتقادي؛ التعبير الواضح والصريح "عن رفض مجلس التعاون الخليجي التام لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المجلس والمنطقة، وإدانته لجميع الأعمال الإرهابية التي تقوم بها إيران، وتغذيتها للنزاعات الطائفية والمذهبية، في انتهاك واضح للأعراف والقيم الدولية وتهديد الأمن الإقليمي والدولي، مؤكداً على ضرورة الكف والامتناع عن دعم الجماعات التي تؤجج هذه النزاعات، وإيقاف دعم وتمويل وتسليح الميليشيات الطائفية والتنظيمات الإرهابية، بما في ذلك تزويدها بالصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار لاستهداف المدنيين، وتهديد خطوط الملاحة الدولية والاقتصاد العالمي".
وبشكل واضح كانت الفقرة التي تخصّ إيران غنية بالبنود، نظراً لسلوك النظام الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وتدخلها العسكري في أربع دول عربية من خلال تواجدها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

وتأتي القمة الخليجية الثانية والأربعون، بعد أيام قليلة من الجولة السابعة لمفاوضات فيينا بخصوص الملف النووي الإيراني، بين القوى العالمية وحكومة طهران، والتي تتابعها دول الخليج عن كثبٍ واهتمام شديد، في ظل جنوح إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" لإحراز تقدم في هذا الملف تحديداً، وطيّ صفحته، ليكرّس نفسه للملف الأهم في سياساته الخارجية، وهو النفوذ الصيني في جنوب شرق آسيا، وبناء بكين لتحالفاتٍ جديدة مع حلفاء واشنطن التقليديين.
جولة محمد بن سلمان، التي بدأها في سلطنة عمان، ولقائه بالسلطان هيثم بن طارق، كانت مهمة للجانبين من الناحية الاقتصادية، إذ وقعا 13 اتفاقية ومذكرة تفاهم تصل قيمتها حتى 30 مليار دولار، وافتتاحه للطريق البري بين البلدين، الذي يسهم في نقل البضائع السعودية إلى الموانئ العمانية، ثم إلى دول العالم.

وكما أنَّ هبوطه في مطار الدوحة الدولي لم يكن أقل أهمية، سيما وأنّها الزيارة الأولى بعد المصالحة الخليجية إلى قطر للتأكيد على التعاون العسكري والاستخباراتي بين البلدين، أما وصوله إلى المنامة فكان لتوطيد العلاقات بين السعودية والبحرين، وعكسَ الاحتفاء الذي لقيه في الإمارات عن أواصر العلاقة بين زعماء البلدين، كما قُلِّد ولي العهد السعودي بوسام زايد، وهو أعلى وسام لدولة الإمارات.
وهذا لا ينتقص من الترحيب والتكريم الذي شهده في جميع محطاته الخليجية، إلا أنَّ تركيز بن سلمان ونظيره بن زايد، يُظهر دائماً عمق رؤيتهما في العديد من الأمور، مثل التحديث الاقتصادي وتنفيذ الخطط الاستراتيجية الكبرى للتنمية والاستقرار التي تهم الرياض وأبو ظبي في آن واحد.

واستكمالاً لجولته الخليجية، قام ولي العهد السعودي بزيارة لدولة الكويت، بحث خلالها القضايا المشتركة والعلاقات الثنائية مع ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد، حيث بلغ التنسيق المشترك بين الجانبين أعلى مستوياته.

وما يزال هاجس الخليجيين وقلقهم بكل ما يدور، هو التدخلات الخارجية في شؤون المنطقة ووجود جارة نووية متهورة في طموحاتها (إيران)، وتخلّي -الحليف الاستراتيجي- الولايات المتحدة الأمريكية عن قضايا المنطقة، بل وسحبها لقواعد عسكرية و3 بطاريات صواريخ باتريوت من الخليج، ونقلها لحاملة طائرات من المنطقة وتوجيهها إلى مناطق أخرى.

وربما يكون الأمر ورقة ضغط تمارسها واشنطن على الرياض، الأمر الذي أظهره بايدن في تصريحاته الإعلامية قبيل الانتخابات الأمريكية الرئاسية، والتي تمثلت في تعليق بيع الأسلحة للسعودية، لكنه سرعان ما تراجع عن قراره وأبرم صفقتي أسلحة مع المملكة، كانت الأولى بقيمة 500 مليون دولار، في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، والثانية بقيمة 650 مليون دولار، وتشمل مبيعات لـ 280 صاروخ جو-جو من طراز "أمرام" متقدم ومتوسط المدى، التي تُستخدم في تعزيز القدرات الدفاعية الجوية، بيد أنها لا تستخدم ضد الأهداف الأرضية.
كان جلياً، منذ وصول الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى البيت الأبيض، أنَّه سيعمد إلى تغيير في سياساته الخارجية، ولا سيما في الشرق الأوسط، أكثر مناطق العالم سخونة.

وتتزامن قمة مجلس التعاون الخليجي، في 14 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، مع تغيرات محورية في المنطقة، لتلقي بظلالها على دول الخليج والدول العربية، في ظل تراجع التحالفات السابقة، وإيلاء اهتمام ببناء علاقات ومحاور جديدة.

درويش خليفة
ليفانت - درويش خليفة

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!