الوضع المظلم
السبت ٠٢ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
كولان.. ثورة الذين لم يبدلوا تبديلا
صبحي ساله يي

جرّاء مؤامرة الجزائر (1975) التي أعدت مشاهدها بإتقان وغفا تجاهها الضمير الإنساني، لحق بالكورد الكثير من الأذى والكوارث الرهيبة، وحلّ بهم من الألم ما لم يكن في البال انتقاماً من ثورتهم الأيلولية العارمة، ومحاولةً لزرع الإحباط واليأس في قلوبهم، ولمنعهم من لملمة الصف والكلمة واستعادة قوتهم الطبيعية في الساحة النضالية.


بعد المؤامرة، هدأت البنادق والمدافع لأشهر معدودات، وتغيّرت الحقائق على الأرض، واعتقد الساذجون أن البعث ربح المعركة والحرب، وأنّ القضية الكوردستانية انتهت إلى غير رجعة. واستأسد الثعلب وتغول، وتعامل مع متغيرات الأحداث بطريقة ساذجة وسطحية، ومارس الترهيب والتعريب عبر توطين العرب في بعض المناطق لتغيير التركيبية السكانية، خاصة في مدينة كركوك وأطرافها. وتعامل بصلافة، ووقع في المحظور، وارتكبت المجازر.


هدأت البنادق والمدافع، لكن إيمان الذين لم يبدلوا تبديلا لم يهدأ، وظلت شاخصة ضاغطة تأبى المغادرة، وحاولت تحويل النكبة والنكسة الى انتصار لإكمال المسيرة التحررية لشعب كوردستان.


وبعد مضي سنة عاجفة من المعاناة، ذهبت الخيبة وحضرت الإرادة واستيقظت الحفيظة، وساد الشعور بأن ثورة الكورد ليست اختياراً، بل هي قدرهم الذي لا فكاك منه في سبيل الدفاع عن وجودهم. وبدافع من الرغبة في التفاعل بإيجابية مع الأحداث، والانطلاق من المشتركات، وبوتيرة متجانسة بدأت الحياة تدب في صفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي نجح في إعادة توحيد الصف، وفي التحكم بجوهر وصياغة الآراء والتوجهات، وفي تنميتها وتقويتها وتحويلها إلى معطيات مثمرة متكاملة الأبعاد. ودون إثارة أو ضجيج، أعاد الحزب، برئاسة الرئيس مسعود بارزاني، ترتيب الملفات والأوراق، استعدّ لسيناريوهات جديدة، وحمل السلاح مرة أخرى، مضطراً، في وجه حكومة قوية غنية مدعومة إقليمياً ودولياً. وانطلقت ثورة كولان في 26/ آيار 1976، وتمتعت بخصوصية جعلتها مختلفة عما سجله التاريخ من ثورات، من حيث الدوافع والترتيبات والحسابات، ومن حيث ما نتج عنها من تغييرات سياسية وعسكرية هائلة، وما دفع فيها من الأثمان الباهضة من أجل الحرية.


وبعيداً عن حالات الانفعال والضوضاء، استطاع الحزب الذي قاد ثورتي أيلول وكولان وانتفاضة آذار، وساهم بفاعلية في إسقاط البعث، استطاع استقطاب الرأي العام الكوردستاني والعراقي والإقليمي والدولي. وبعد انتصار انتفاضة آذار 1991، والتغيير الجوهري والأساسي في حياة شعب كوردستان، وانتخاب برلمان كوردستان، وتشكيل حكومة الإقليم، رفع الرئيس مسعود بارزاني، المجبول على الصدق والصراحة وقول الحق والحقيقة، شعار الديمقراطية للعراق والفدرالية لكوردستان، وبمهنية محترفة أمام المجتمع الإقليمي الدولي أثبت أن الكورد شعب يستحق التقدير والثناء والبقاء، وجدير بحق تقرير مصيره.


تحمل الحزب الديمقراطي الكوردستاني جميع المسؤوليات بخطط وأفكار وتوجهات تتميز بالعقلانية والهدوء، وتحرك ضمن الواقع لصنع المستقبل. وفي أحايين كثيرة، دفع تكاليفاً باهظة لحسن نواياه وصبره وضبط نفس أعضائه ومؤيديه في سبيل التوصل الى اتفاقات تحقق العدالة، وتضمن الحفاظ على المكتسبات المتحققة بأنهار من الدماء والدموع، خاصة مع الأطراف المختطفة للقانون والمستغلة للعواطف والحاجات والطاقات، والباحثة عن الفرص لرفع سقف مطالبها، والمشوهة للحقائق، والهشة في مواقفها، والمستغلة للمواقف الوطنية والقومية، والمتصنعة للحرص المخادع على التحلي بالرؤية الحكيمة. مع ذلك فإنّ المفارقة العجيبة تجاه هذا الحزب، هي أنه يزداد قوةً وتماسكاً والتفاف الجماهير حوله كلما تعرض لمؤامرة أو خيانة أو طعنة في الظهر.



ليفانت - صبحي ساله يي

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!