الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
كيف تعمل القاهرة على إفشال مساعي التوسع التركي؟
كيف تعمل القاهرة على قهر مساعي التوسع التركي

أعلنت وزارة الخارجية المصرية اليوم الاثنين بأن مصر ستستضيف اجتماعاً تنسيقياً أوروبياً، الأربعاء القادم، بحضور كل من وزراء خارجية فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص، لبحث التطورات في ليبيا، وأكدت الخارجية المصرية، بحسب بيان صادر عنها، إن الاجتماع سيركز على بحث مجمل التطورات المتسارعة على المشهد الليبي مؤخراً، وسبل دفع جهود التوصل إلى تسوية شاملة تتناول كافة أوجه الأزمة الليبية، والتصدي إلى كل ما من شأنه عرقلة تلك الجهود، كما سيتم خلال الاجتماع التباحث حول مجمل الأوضاع في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.


وتسعى مصر إلى مواجهة التمدد التركي في المحيط الإقليمي، والذي بدأ في شمال سوريا، مروراً بمحاولاتها التدخل بالشأن الداخلي للسودان والصومال والجزائر وتونس وغيرها، وصولاً إلى التدخل العسكري في ليبيا، وتسلك "القاهرة" في سبيل ذلك شتى السبل الدبلوماسية والسياسية والحقوقية المشروعة.


إدانة غزو شمال سوريا..


فمنذ أن غزا الجيش التركي ومسلحو المليشيات السورية التابعة لها مناطق شمال سوريا، اعترضت مصر بأشد العبارات، وقالت إن هذه الخطوة تمثل اعتداءاً صارخاً غير مقبول على سيادة دولة عربية شقيقة استغلالاً للظروف التي تمر بها والتطورات الجارية، وبما يتنافى مع قواعد القانون الدولي، وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية السفير بسام راضي في تصريح له بالعاشر من أكتوبر، إنه تم التوافق، خلال اتصال بين الرئيس السيسي والرئيس العراقي برهم صالح، لدعم العمل العربي للتصدي للخطوة التركية وللحفاظ على سلامة ووحدة سوريا.


مُلاحقات قانونية..


وفي السياق ذاته، قرر المكتب الدائم لاتحاد “المحامين العرب”، في السابع والعشرين من أكتوبر، محاكمة تركيا ورئيسها، رجب طيب أردوغان، أمام المحاكم الدولية الوطنية، التي تعتمد نظام الولاية القضائية الدولية، مطالبين بالتعويضات الناجمة عن الأضرار الجسيمة التي خلفتها منذ العام 2012 اقتصادياً واجتماعياً، وجاء قرار المحامين، خلال اجتماع استثنائي في العاصمة المصرية القاهرة، حيث قرروا العمل على تحريك دعوى أخرى بحق الرئيس التركي أمام المحكمة الجنائية الدولية عن جرائم الحرب التي ارتكبها ضد سوريا، والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها ضد الشعب السوري.


مطالبين بإدانة “العدوان التركي على الأراضي السورية، والعمل مع المنظمات الدولية على تنظيم مؤتمر دولي لفضح الاعتداء التركي في حدود القانون الدولي والمواثيق الدولية”، واصفين ما تقوم به تركيا في سوريا بـ “عدوان صارخ على دولة عربية ذات سيادة وخرق لمبادئ وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن التي تطالب بالحفاظ على وحدة واستقلال الدول”.


وضع حد للدور التخريبي.. 


فيما سعت تركيا بالمقابل إلى الرد على تلك الإجراءات المصرية عبر منح الجنسية لمؤيديها، إذ قالت العربية.نت في السادس من نوفمبر، إن السلطات التركية منحت الجنسية لعدد من إخوان مصر الفارين إليها، وبعض العناصر الإرهابية الهاربة من مصر، وطالبتهم بتغيير أسمائهم في جوازات سفرهم التركية الجديدة، ووفقاً للموقع قال ياسر العمدة، وهو إرهابي مدان بعدة قضايا في مصر على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك "أن السلطات التركية منحته الجنسية"، مضيفاً أن عدداً من مذيعي قنوات الإخوان المقيمين في إسطنبول حصلوا على الجنسية أيضاً ويستعدون لاستلام جوازات سفرهم الجديدة.


وهو ما دفع وزير الخارجية المصري، سامح شكري، للتطرق أثناء لقائه مع كبير مُستشاري الرئيس الأميركي، جاريد كوشنر، في العاصمة واشنطن بالتاريخ ذاته، إلى كيفية التوصل إلى حلول سلمية للصراعات في المنطقة، خاصةً في ليبيا وسوريا، حيث شدد الوزير المصري على “وضع حد للدور التخريبي لتركيا في المنطقة وإنهاء احتلالها غير الشرعي لأجزاء من شمال سوريا”.


تعاون مع اليونان وقبرص..


وعلى صعيد متصل، بدأت مصر مساعيها لبناء تحالف أقليمي يجمع دول شرق المتوسط، إذ أصدر المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية، بياناً في السابع من نوفمبر، أعلن فيه عن إدانة وزراء دفاع مصر واليونان وقبرص لأعمال التنقيب التركية في شرق المتوسط والتدخل العسكري في سوريا، واستنكر الوزراء "الغزو التركي" الأخير لسوريا، الأمر الذي أدى إلى أزمة إنسانية جديدة، وزيادة أخرى لتدفقات الهجرة، ودان الوزراء محاولة تركيا تقويض سيادة ووحدة وسلامة الأراضي السورية بغرض إحداث تغييرات في التركيبة الديموغرافية والبنية الاجتماعية للشعب السوري.


كما دان الوزراء الثلاثة أعمال التنقيب التركية غير القانونية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص داعين للوقف الفوري لهذه العمليات غير القانونية، واحترام الحقوق السيادية لجمهورية قبرص في مياهها الإقليمية وفقاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة لقانون البحار، كما شهدوا المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك البحري الجوي "ميدوزا -9" والذي نفذته عناصر من القوات البحرية والجوية والقوات الخاصة لكل من مصر واليونان وقبرص واستمر لعدة أيام بمسرح عمليات البحر المتوسط غرب جزيرة كريت باليونان.


رفض اتفاقية أردوغان-السرّاج..


ورفضت مصر الإتفاقية التركية مع حكومة الوفاق بقيادة فائز السرّاج، وفي هذا المضمار، توافقت مصر مع اليونان في الأول من ديسمبر، على عدم شرعية قيام السرّاج بالتوقيع على مذكرات مع دول أخرى خارج إطار الصلاحيات المقررة في اتفاق الصخيرات، وأصدرت اليونان وقبرص ومصر بياناً مشتركاً اعتبرت فيه أن توقيع مذكرتي التفاهم حول التعاون الأمني والمناطق البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية إجراء لا يوجد له "أي أثر قانوني".


رفض الاتجار التركي باللاجئين..


كما تطرق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أزمة اللاجئين التي تشهدها عدد من دول العالم بفعل الأزمات والحروب التي اندلعت في السنوات الأخيرة، وأكد في الخامس عشر من ديسمبر، أن الدولة المصرية وافقت على تواجد اللاجئين داخل أراضيها، حتى لا تتسبب في قتلهم، وجاء ذلك في مداخلة الرئيس السيسي في جلسة "سبل تعزيز التعاون بين دول المتوسط"، ضمن فعاليات منتدى شباب العالم. إذ قال السيسي: "إذا كانت النتيجة يقعدوا في مصر.. يقعدوا ولا نتحمل أمام أنفسنا وأمام التاريخ والإنسانية أن نكون السبب فى قتلهم.. ولا يتواجدوا فى معسكرات"، مؤكداً أنه من غير المقبول أن يتم التعامل مع هؤلاء اللاجئين بشكل سلبي، مضيفاً: "لهم تجارة وأشغال وشركات فى مصر على أفضل ما يكون".


واعتبر مراقبون ذلك رداً على توعد الرئيس التركي في أكتوبر الماضي، بفتح الباب أمام ملايين اللاجئين الراغبين في الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد انتقادات دولية طالت العملية العسكرية المسماة بـ "نبع السلام" التي شنت ضد "قوات سوريا الديمقراطية" في شمال سوريا.


اللجوء إلى مجلس الأمن..


وضمن خطوات مواجهة اتفاق اردوغان-السرّاج، وجهت السلطات المصرية في الثامن عشر من ديسمبر، رسالة إلى مجلس الأمن الدولي أعربت خلالها عن انتقادها للاتفاق الموقع بين أنقرة وحكومة الوفاق، وقالت مصر في نص رسالتها التي وجهها مندوبها الدائم في الأمم المتحدة، محمد إدريس: إلى رئيسة مجلس الأمن لهذا الشهر (السفيرة الأميركية كلي كرافت)، وإلى أعضاء المجلس-أن الاتفاق التركي مع ليبيا ينتهك قرارات مجلس الأمن بشأن ليبيا وخاصة القرار 1970 لعام 2011، مضيفاً بأن الأتفاق التركي مع حكومة الوفاق تسمح بنقل أسلحة إلى الميليشيات غرب البلاد، معتبراً أن مذكرتي التفاهم بين أنقرة والوفاق "خرق لاتفاق الصخيرات" الموقع في 17 ديسمبر 2015، بين الأطراف الليبية.


التنسيق مع الأطراف السورية..


وكان لافتاً الدور المصري في محاولة إصلاح ذات البين بين السوريين، عبر اللقاء مع مختلف الأطراف السورية، وفي هذا السياق، التقى وزير الخارجية المصري ”سامح شكري” في الواحد والعشرين من ديسمبر، مع وفد من "مجلس سوريا الديمقراطية" التي تمثل الواجهة السياسية لـ "قوات سوريا الديمقراطية"، وذلك في مقر وزارة الخارجية في العاصمة القاهرة، حيث وصف الوزير “شكري” العمليات التركية في المنطقة بالتوسعية والخطيرة، وأضاف أن جمهورية مصر العربية ترفض التحركات التركية في المنطقة وبالأخص في سوريا، واعداً بالعمل على عقد لقاءات أخرى أوسع في القاهرة، وتفعيل العمل المشترك بغية افشال المخططات الاحتلالية لتركيا التي تهدف إلى تفتيت المنطقة وتقسيمها، وفق ما قاله إعلام مجلس سوريا الديمقراطية.


الجاهزية الدفاعية..


ورغم سعي الجانب المصري لاستخدام لغة الحوار والتعقل مع الجانب التركي، لكن ذلك لا يجب أن يفهم على أنه ضعف، وفق ما فهم من حديث وزير الأوقاف المصري، محمد مختار جمعة، الذي قال في الواحد والعشرين من ديسمبر أيضاً، إن الجيش المصري نار يحرق من يتعرض له، مشدداً أن "مصر لديها القدرة للرد على كل من يحاول النيل من استقرارها، وأن جيش مصر قوي ولديه القدرة للرد على المعتدين براً وبحراً وجواً".


وقال جمعة: "لسان حال كل مصري وقت الشدة عندما يناديه الوطن نفتديه بأنفسنا؛ فالشعب المصري لا يقبل الدنية في دينه أو عرضه أو أرضه، ولا أرزاقه ولا كرامته، ويؤمن بالله وبالوطن"، منوهاً على أن "المصريين عند الحاجة والملاحم يهبون للدفاع عن الوطن".


البرهان والرهان..


وقد أضحت أعوام الحرب السورية برهاناً على الدور المريب لتركيا في تمويل وتسليح جماعات متشددة لم تعمل يوماً على تحقيق تطلعات السوريين، بل تحولت وفق كثيرين إلى حرس حدود لدى الجانب التركي، أو أدوات لتنفيذ اعتداءات مسلحة على الأراضي السورية وقضمها بحجة حماية السوريين، وأخيراً جرهم للقتال بدلاً عن جنودها في الأرض الليبية، و(برهاناً) بأن الغاية التركية لم تكن يوماً مساندة للسوريين أو سعياً لرفع الظلم عنهم، بقدر ما كانت استغلالاً لظروفهم ولعباً على قضيتهم وتطلعاتهم.


تجربة تعتقد أنقرة أنها نجحت فيها بقضم آلاف الكيلومترات المُربعة من الأرض السورية، وعليه تسعى لنقلها إلى ليبيا وربما غيرها، ليبقى (الرهان) على التصدي العربي لأنقرة، بغية مواجهة تلك الأطماع والعمل على إخراج الجنود الأتراك من مختلف المناطق التي استولوا عليها في سوريا وليبيا.


ليفانت-خاص


متابعة وإعداد: أحمد قطمة

العلامات

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!